مشكلات كبيرة وصعبة الحل تواجهها شوارع الإسكندرية التى تحولت إلى مقلب كبير للقمامة، ولا تقتصر الكارثة على الأحياء الشعبية والعشوائية فقط.. بل تراكمت القمامة فى شوارع أرقى أحياء المدينة التى كانت تسمى «عروس البحر المتوسط». والأخطر أن القمامة لا تتراكم فقط فى الشوارع إذ إن هناك تلالا من مخلفات الهدم على الطرق السريعة وتبدو المشكلة شديدة الخطورة على طول الطريق الساحلى الدولى، وخاصة محور التعمير الذى يستعمله معظم أهالى غرب الإسكندرية للانتقال إلى وسط المدينة. فقد أصبح الطريق مصيدة كبيرة للسيارات وزادت نسبة الحوادث بنسبة غير مسبوقة نظرا لتراكم مخلفات الهدم على جانبيه، فضلاً عن عدم وجود إضاءة لسرقة لمبات الأعمدة الكهربية باستمرار أو قيام مسئولى المحافظة بإطفاء تلك اللمبات ليفاجأ من يستخدم الطريق بتلال من مخلفات الهدم تكاد تقترب من وسط الطريق بعد تآكل جانبيه. أما صناديق القمامة فحدث ولا حرج، فالقمامة ملقاة على جانبيه فى مشهد مقزز نتيجة انتشار (الفريزة) الذين يقومون بفرز القمامة لأخذ كل ما يمكن بيعه منها. ماذا يحدث بالإسكندرية؟ وما الذى أوصل المدينة لهذه المرحلة؟ وما هى المشاكل التى تعوق المسئولين وشركة النظافة عن أداء تلك المهمة؟ وما هو السبيل للخروج من تلك الأزمة؟. هذه التساؤلات حاولت الإجابة عنها الندوة التى نظمتها بالإسكندرية جمعية كتاب البيئة بالتعاون مع شركة نهضة مصر للخدمات البيئية والتى تقوم بإدارة المخلفات بالإسكندرية تحت عنوان (تحديات النظافة بالإسكندرية). وفى كلمته التى ألقاها بالنيابة عنه المهندس أحمد أبو السعود وكيل أول وزارة البيئة أكد مصطفى حسين كامل وزير الدولة لشئون البيئة أن الحكومة بدأت فى دراسة إمكانية تنفيذ مشروع لتحويل المخلفات إلى طاقة، وأشار إلى تشكيل لجنة وزارية لوضع المحددات والضوابط وتحديد حجم الدعم المطلوب والتكنولوجيات المناسبة ومن المقرر أن تنتهى اللجنة من أعمالها خلال أسبوعين تمهيدا لعرضها على اللجنة العليا برئاسة د.هشام قنديل رئيس الوزراء. وأعلن الوزير عن موافقة مجلس الوزراء على إنشاء جهاز إدارة شئون المخلفات يتبعه إدارات متخصصة بمختلف المحافظات على أن يعمل تحت مظلة وزارة الدولة لشئون البيئة بهدف تحقيق منظومة متكاملة لإدارة المخلفات فى مصر وذلك فى إطار مبادرة وطن نظيف التى أطلقها د.محمد مرسى رئيس الجمهورية. وذكر المهندس محمد عادل فتحى رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية المكلفة بخدمات النظافة بالإسكندرية أن الشركة تكونت بعد أن أصبحت الإسكندرية على مشارف كارثة بيئية عقب انسحاب شركة النظافة الفرنسية فجأة وإنهاء خدمة خمسة آلاف عامل كانوا يعملون بالشركة، فتدخلت شركة المقاولون العرب وكونت شركة النظافة لسرعة نجدة الإسكندرية، وذكر أن هناك مشاكل كثيرة واجهت الشركة الوطنية عند بدء عملها أهمها غياب الأمن والذى تسبب فى انتشار البلطجية وفريزة القمامة، مما أثر على العائد الاقتصادى الذى يمكن تحقيقه من تدوير المخلفات. وأشار المهندس عادل فتحى إلى إجحاف شروط تعاقد الشركة مع محافظة الإسكندرية إذ أنه نفس العقد الذى وقع مع الشركة الفرنسية عام 2000، والذى أغفل زيادة الرقعة العمرانية، فالتوسع الأفقى زاد من مساحة 300 كيلومتر عند توقيع العقد حتى وصل إلى 1055 كيلو مترا حاليا، أما التوسع الرأسى فلا يمكن حصره، بالإضافة إلى ارتفاع الكثافة السكانية بالمحافظة، علاوة على الظروف الطارئة التى تمر بها البلاد، كما أن العقد ينص على أن تكلفة الطن من القمامة 35 جنيها على الرغم من أن تكلفة الطن فى القاهرة 131 جنيها للطن بدون المعالجة ولا الدفن وهو الرقم المناسب للتكلفة. الوقود الحيوى وعن إمكانية إنتاج الوقود الحيوى من القمامة أشار رئيس الشركة إلى أن الشركة قامت بإنشاء إدارة للبحوث وتدرس ذلك ولكن يقف التمويل عقبة أمام تنفيذ هذا المشروع، حيث إن تكلفة إنشاء المحطة التى تستوعب 500 طن قمامة يوميا لتوليد كهرباء تبلغ حوالى مليار و200 مليون جنيه، ونحن نحاول الاتصال مع شركات أجنبية تعمل فى هذا المجال، ولكن لابد من خطوة تسبق تصنيع الوقود الحيوى وهى مرحلة تدوير المخلفات التى لا يتم تصنيعها كوقود وهى بحالتها الخام. وذكر اللواء على عرفة نائب محافظ الاسكندرية والقائم بأعمال المحافظ إن شركة النظافة الفرنسية انسحبت يوم 3 أكتوبر عام 2011 وقبل انسحابها نفذت سياسة الأرض المحروقة، فقد اختفى 35 ألف صندوق قمامة من الشوارع، وأجهزة التعقيم التى تسلمناها كلها كانت عاطلة بنسبة 66%، والمخازن كانت خالية من قطع الغيار والسيارات كانت معطلة بالكامل، أى أن مهمة الشركة الوطنية كانت انتحارية، وهذه الشركة أنقذت الإسكندرية من كارثة بيئية، ورغم ذلك فالشركة تعانى من الكثير من المشاكل من ضمنها الحالة التى تسلمت بها المعدات والمستحقات المالية المتأخرة البالغة 23 مليون جنيه، مؤكدًا أن وزارة المالية هى سبب المشكلة. وأضاف قائلا: إن وزارة البيئة تساعدنا بقدر الإمكان خاصة فى مجال رفع مخلفات الهدم فقد وعدت الوزارة بمساعدتنا فى نقل 200 ألف طن من بين 400 ألف طن مخلفات هدم وقمنا بالتعاون مع شركات مقاولات فى نقل حوالى 130 ألف طن، وقد صممنا أن يتضمن الاتفاق مع وزارة البيئة إدخال الأمن طرفا ثالثا حتى لا تعود مخلفات الهدم مرة أخرى، ويكون ذلك عن طريق دوريات تراقب الطرق، مشددًا على أن السيارات التى ستقوم بإلقاء مخلفات هدم ستصادر،وأضاف قائلا: نريد تعاونا من الجمعيات الأهلية للقيام برفع القمامة من المنازل،كما نريد زيادة عدد مصانع السماد ورفع الكفاءة الموجودة بالفعل حتى نصل إلى نسبة فاقد فى القمامة صفر بالمائة،وطالب بتدخل الأمن لمنع مهاجمة سيارات نقل القمامة التى تذهب الى مدفن الحمام. واستعرضت د.منى جمال وكيل وزارة البيئة بالإسكندرية الأبعاد المختلفة لمشكلة القمامة بالمدينة فذكرت أن حجم المخلفات يبلغ 3500 طن يوميا أثناء فصل الشتاء، ويرتفع أثناء فصل الصيف إلى 4500 طن مع قدوم المصطافين، وفى الأعياد يبلغ 5300 طن، وأشارت إلى العديد من المشكلات التى تزيد من مشكلة النظافة بالإسكندرية ومنها تراكم المخلفات الصلبة بشوارع المدينة وحول الصناديق نظرا لنقص عدد السيارات والصناديق والحاويات لتجميع المخلفات، حيث إن المحافظة تحتاج إلى حوالى 40 ألف صندوق بإجمالى استثمارات 50 مليون جنيه، فإن المتواجد حالياً حوالى 6 آلاف صندوق وقد تسلمت شركة «نهضة مصر» المهمة ولا يوجد بالإسكندرية العدد الكافى للقيام بالخدمة ، كذلك تمت سرقة العديد من الصناديق فى الفترة السابقة، فضلاً عن انتشار الفريزة بمختلف أنحاء المدينة وعمليات النبش المستمرة بالقمامة ونشرها بالشارع للحصول على المفروزات. المدافن الصحية وعن دفن المخلفات ذكرت د.منى جمال أنه يوجد لدى محافظة الإسكندرية عدد 2 مدفن صحى الأول بمنطقة برج العرب الساحل الشمالى ك 54 وهو مغلق منذ أحداث ثورة 25 يناير بسبب قيام الأهالى من العرب من سكان المنطقة بمنع الشركة السابقة والحالية من استكمال الأعمال، بالإضافة إلى منع العاملين بالموقع من القيام بأعمال تشغيل محطة حرق الغازات وسحب المرتشحات من الخلايا إلى الأحواض، أما المدفن الثانى فيقع بمدينة الحمام ويتم العمل به حالياً ويبعد 27 كم جنوب مدينة الحمام بمنطقة علم نايل ويبعد عن المحطات الوسيطة بمسافات 120 كم من محطة محرم بك / 160 كم من محطة المنتزه و90 كم من محطة أم زغيو، وتواجه عملية الدفن به عدة مشاكل منها بُعد مسافة المدفن الصحى عن المحطات الوسيطة، حيث إن التعاقد ينص على أن يكون الدفن بالمدفن الصحى ببرج العرب وقد تم نقل المدفن إلى جنوب مدينة الحمام مما يكبد الشركة عبئا ماديا بسبب مصاريف النقل،ووجود مخالفات بيئية لعدم الالتزام بالاشتراطات والمواصفات الخاصة بالتخلص من المخلفات بالردم الصحى وفقاً للأسس الفنية والبيئية اللازمة، وذلك خلال أعمال التفتيش التى تقوم بها الإدارة المركزية بالإسكندرية لمتابعة أعمال دفن المخلفات الصلبة بمدفن الحمام، قيام أهالى المنطقة بأعمال تعديات على الموقع مثل طرد العاملين من الموقع ثم عودتهم مرة أخرى، وفرض إتاوة على سيارات الشركة (المؤجرة) والتدخل فى عمل الشركة. وعن طريقة التعامل مع المخلفات الطبية الخطرة ذكرت د.منى أنه يتم تجميع المخلفات الطبية من العديد من المنشآت الطبية بالإسكندرية، وأن الخدمة لا تغطى كافة المنشآت الطبية حيث يوجد عدد 3 أوتوكلاف فقط تقوم بفرم وتعقيم المخلفات الطبية وبذلك لا يتم استيعاب المخلفات الطبية المتولدة. وأشارت إلى جود مخالفات بيئية خلال التفتيش الذى تقوم به الإدارة المركزية بالإسكندرية على موقع المعالجة للتأكد من قيام الشركة باتباع الطرق السليمة للتخلص الآمن من هذه المخلفات ومن المخالفات سوء بيئة العمل داخل منشأة المعالجة، وعدم استكمال إجراءات الحصول على ترخيص تداول المخلفات الطبية الخطرة، كما أن ناتج الفرم والتعقيم يمكن التعرف على محتوياته والذى يدل على عدم كفاءة عمليات الفرم والتقطيع، بالإضافة إلى تشوينه على الأرض مباشرة أمام المحطة الوسيطة للمخلفات الصلبة العادية، ولا يوجد وحدة معالجة للمخلفات السائلة الناتجة عن وحدة المعالجة وفقاً للاشتراطات الواردة بموافقة جهاز شئون البيئة على دراسة تقييم الأثر البيئى للمشروع. وطالبت بزيادة الطاقة الاستيعابية لوحدات معالجة المخلفات الطبية، حيث إن وحدات المعالجة الحالية لا تستوعب كمية المخلفات الطبية المتولدة عن منشآت الرعاية الصحية، ودراسة إيجاد طرق بديلة وجديدة لمعالجة المخلفات الطبية كوحدات المحارق المركزية المزودة بوحدات للتحكم فى الغازات والانبعاثات المتولدة عن تشغيلها،وزيادة عدد السيارات المجهزة لتجميع المخلفات الطبية المتولدة عن منشآت الرعاية الصحية. وذكرت د.منى جمال أن العقد مع شركة النظافة هو استكمال لمدة العقد الذى وقع مع الشركة الفرنسية عام 2000، والشركة الوطنية يتبقى لها أقل من ثلاث سنوات لانتهاء مدة التعاقد، وبالتالى لا تستطيع وضع استثمارات جديدة للوفاء بالمطلوب منها لذلك لابد إما أن يتم مد مدة التعاقد وإما طرح مناقصة جديدة على أن تدخل الشركة الوطنية فيها مع وضع التكلفة فى الاعتبار حتى نجد حلا جذريا لمشكلة القمامة.