يبدو أن حالة البلبلة وعدم الاستقرار التى تعيشها مالى منذ انقلاب مارس الماضى لن تشهد نهاية قريبة، فبعد أن قام متمردو الطوارق بإعلان استقلال شمال مالى فى أبريل الماضى، قامت حركتان متشددتان قريبتان من تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى وهما «أنصار الدين» و«التوحيد والجهاد» بإحكام سيطرتهما على المناطق الشمالية فى مالى، وطردتا المتمردين الطوارق منها، وتسعى تلك الجماعات المتشددة لفرض الشريعة الإسلامية فى كامل أنحاء البلاد، وقامت مؤخرا بتدمير ستة أضرحة من أصل 17 لأولياء مسلمين فى مدينة تمبكتو - وهى تحف معمارية تشهد على عهد ازدهار المدينة، وأدرجتها منظمة اليونسكو ضمن الآثار - بحجة أن هذه الأضرحة منافية للإسلام، لتعيد إلى الأذهان ما حدث فى أفغانستان من قبل حركة طالبان التى دمرت التماثيل البوذية فى باميان فى وسط البلاد. ولم يكتف المتشددون بذلك، إذ قاموا بتطبيق برنامجهم الخاص بمنع الكحول، وإغلاق الحانات، وإحراق بيوت المسيحيين، وإرجاع النساء إلى جادة الصواب حسب قولهم، كما قاموا بفرض قيود على المدارس وإجبار الفتيات والفتيان على تلقى الدروس فى أماكن منفصلة، وقد أدت تلك القيود إلى قيام الآلاف من الطلاب بمغادرة المدارس، بالإضافة لذلك قاموا بجمع أئمة المساجد وأنذروهم بأنه اعتبارا من أول رمضان سيتم استبدال كل إمام لن يخطب كما يطلبون منه بإمام من المسلمين. وقد أدى ذلك إلى تظاهر العشرات من المواطنين، وكذلك فرار المئات منهم احتجاجا على سيطرة المسلحين الإسلاميين على منطقتهم. ويخشى الجميع من أن يتحول هذا الإقليم الصحراوى الشاسع إلى قاعدة للجماعات الإسلامية المتشددة، إذ يحذر مسئولون أمريكيون وإقليميون من أن فراغ السلطة فى شمال مالى ربما يفتح منطقة عمليات موسعة للمتشددين الإسلاميين، وقد يصل الأمر إلى حد تحول مالى إلى أفغانستان فى غرب أفريقيا، ففى ظل التنسيق المستمر والسهل بين هذه المنظمات التى تنتمى إلى ذات الخلفية الجهادية، يخشى المحللون المتابعون لشئون القارة الإفريقية من تكثيف أنشطتها الإرهابية، لا سيما أن هذه الجماعات الإسلامية المتشددة تحاول فى كل مرة الاستفادة من الخصوصيات الجغرافية والمناخية لبلدان الساحل الإفريقى. مع هذا يتسم موقف الدول الأوروبية والأفريقية بالضعف، حيث أوضحت الدول الغربية بوجه عام وفرنسا بشكل خاص أن أى قرار يتعلق باعتماد خيار عسكرى لحل الأزمة فى مالى لابد أن يأتى من الأفارقة أنفسهم، وقال الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند أن الأمر يعود إلى القادة الأفارقة للقيام بهذا التدخل بمساندة الأممالمتحدة، أما الدول الأعضاء فى الاتحاد الافريقى فقالت إنها ستعطى الأولوية لحل سلمى وسياسى فى مالى، لكنها مستعدة لتدخل عسكرى كخيار أخير لمواجهة سيطرة الإسلاميين على الشمال.