فى الوقت الذى اعتقد فيه جميع المصريين أن المرحلة الانتقالية انتهت بتولى الرئيس الدكتور محمد مرسى كرسى الرئاسة كأول رئيس مدنى منتخب لمصر، وأننا أصبحنا على مشارف مرحلة جديدة من الاستقرار تمهيداً لتحقيق أهداف ثورة يناير، إذا بالساحة السياسية تشتعل بعد قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب مرة أخرى رغم حكم المحكمة الدستورية العليا بحله، وسط احتجاج معظم القوى السياسية والثورية والقضائية على القرار الذى وصفوه بأنه عدوان على استقلال القضاء. القرار الذى جعل لهيب الأجواء السياسية فى مصر أكثر سخونة من حرارة الصيف، لم يستمر إلا يومين فقط أصدرت بعدها المحكمة الدستورية العليا حكمها بوقف تنفيذه، أعقبه بيان من مؤسسة الرئاسة بتأكيد احترامها لأحكام القضاء، وهو البيان الذى ساهم فى تهدئة الأوضاع -ولو قليلاً - إلا أن السؤال مازال مستمراً هل نزع بيان الرئاسة فتيل الأزمة؟ وأسدل ستار النهاية على معركة عودة مجلس الشعب، أم أن الصراع مازال مستمراً فى الشارع السياسى المصرى. فى البداية أكد طارق زيدان رئيس حزب الثورة المصرية أن البيان الرئاسى لم ينه الأزمة مبرراً ذلك بأنه لم ينص صراحة على إلغاء قرار رئيس الجمهورية بعودة البرلمان وإنما ذكر كلاما عاما بأنه سوف يتم التشاور مع القوى السياسية ومجلس القضاء الأعلى لإنهاء الأزمة، وتساءل زيدان هل يحتاج تنفيذ حكم أعلى سلطة قضائية فى البلاد التشاور مع احد؟! وأجاب هذا حكم ملزم خاصة أن البيان ذكر أن الرئيس يحترم الدستور والقضاء ولو كان الرئيس بالفعل يحترم الدستور والقضاء لكان نفذ حكم المحكمة الدستورية فوراً ولم يخالفه أو على الأقل تراجع عن القرار واعتذر للشعب المصرى الذى أقسم أمامه على أن يحترم الدستور والقانون، وأضاف زيدان انه إذا لم تحل الأزمة الحالية خلال الأيام القليلة القادمة فإننى أتوقع تطورات كبيرة وخطيرة فى هذا الموضوع وأتمنى ألا نصل لها.. رسالة إلى الرئيس ووصف زيدان حكم المحكمة الدستورية العليا بأنه حكم شجاع وتأكيد على الحكم السابق وعلى أن مصر دولة مؤسسات ودولة قانون، وانه دليل على أن المحكمة الدستورية لن تسمح بعدم تنفيذ أحكامها من قبل أى شخص حتى ولو كان رئيس الجمهورية، وأضاف أذكِّر الجميع بأن برويز مشرف فى عز قوته وديكتاتوريته فى باكستان تم عزله من قبل المحكمة الدستورية لعدم التزامه بالقانون والدستور وهذه رسالة للمحكمة الدستورية ولرئيس الجمهورية.. وشدد زيدان على أن تفادى مثل هذه الأزمات فى المستقبل لن يتم إلا إذا عدل الرئيس عن قراره واعترف بخطئه وإذا لم يحدث ذلك فسوف يتكرر هذا مرات عديدة ولن يحترم أحد الدستور والقانون، ولابد من تحديد واضح والتأكيد على فصل السلطات فى الدستور الجديد، والتأكيد على استقلال القضاء وعدم التدخل فى أحكامه، وهذا لن يحدث إلا إذا كانت اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ليست محتكرة من جانب فصيل بعينه كما هو واقع الآن.. من جهته أكد الدكتور عصام النظامى عضو المجلس الاستشارى أن بيان رئيس الجمهورية يعتبر إقراراً بولاية القضاء واحترامه وإعادة الأمور إلى نصابها، واعتراف بالحق الأصيل للمحكمة الدستورية فى حل مجلس الشعب بعد التحقق من عدم دستورية القانون الذى تم الانتخاب عليه كما أنه إقرار بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يكن له يد فى حل مجلس الشعب إنما كان منفذاً لحكم المحكمة الدستورية. ووصف النظامى حكم المحكمة الدستورية بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإعادة مجلس الشعب المنحل بأنه تفعيل للحكم السابق من المحكمة بحل مجلس الشعب وهو أسلوب قانونى مهذب يفصل بين السلطات وينبه رئيس الجمهورية لوجوب احترام المحكمة الدستورية. وشدد النظامى على أنه يجب أن يكون بيان رئاسة الجمهورية مشهد النهاية للأزمة الحالية حيث إنه لا يجب وضع رئيس الجمهورية ومؤسسة الرئاسة فى حالة تصادمية مع أجهزة وسلطات الدولة المختلفة، لأننا فى مرحلة لم الشمل وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وأضاف أتمنى من الله أن يحسن مستشارو الرئيس تقديم النصيحة والمشورة الصائبة له وعدم وضعه فى حرج من وقت لآخر. رؤية سياسية وشدد على أن تفادى مثل هذه الأزمات فى المستقبل يتطلب من رئيس الجمهورية تشكيل فريق معاون له من المخلصين والحكماء أكثر من المتحمسين والانفعاليين حتى تصدر قراراته مبنية على أسس قانونية سليمة وعلى حكمة ورؤية سياسية ثاقبة. ووصف النظامى قرار الرئيس بعودة البرلمان بأنه قرار غير صائب حيث إن حكم المحكمة الدستورية كان واضحاً ولا يمكن قبول وجود مجلس تشريعى مبنى ومؤسس على قانون مخالف للدستور ومخالف للمساواة بين أفراد الشعب، وبالتالى كان يجب ألا يتسرع السيد رئيس الجمهورية بإصدار مثل هذا القرار الذى خلق حالة من الجدل والفرقة والفتن. من جهته أعرب الناشط وليد عبد المنعم عضو اتحاد شباب الثورة عن عدم اعتقاده بأن البيان سينهى الأزمة الحالية مبرراً ذلك بأن الرئيس ينفذ الأجندة الإخوانية بشكل كامل، وأضاف هذه الجماعة لها فكر معين يختلف عن فكر الدولة الوسطية فى مصر ويريدون تنفيذه حتى ولو باستخدام العنف وأظن أن هذا كان واضحاً فى الاعتداء على كل من حمدى الفخرانى ونجاد البرعى أمام مجلس الدولة أثناء نظر الدعوى المطروحة ببطلان قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب، وسوف تستمر هذه الجماعة فى تصدير المشاكل السياسية للشعب المصرى الذى يهمه الآن الاستقرار والأمن والاقتصاد. ووصف عبد المنعم حكم الدستورية بإيقاف قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب بأنه حكم محترم ويؤكد على استقلال القضاء وعدم تطويع الأحكام القضائية لصالح السلطة الحاكمة، وأضاف نحن فى اتحاد شباب الثورة خلف قضاء مصر الشامخ حتى لو كلفنا ذلك أرواحنا ولن نسمح بإعادة إنتاج نظام أشرس من النظام القديم. وأكد عبد المنعم أن عدم تكرار مثل هذه الأزمات فى المستقبل يتطلب من الرئيس أن يغير من استراتيجيته التى تعتمد على فكر جماعة الإخوان المسلمين، وان يشرك معه فى المؤسسة الرئاسية كل أطياف الفكر السياسى المصرى حتى يستطيع أن يخلق نوعاً من التوازن البرجماتى حتى يعود على الشعب المصرى بالخير والرخاء. صراع خفى من جانبه قال الناشط عمرو درويش منسق الاتحاد العام للثورة إن بيان رئاسة الجمهورية لم ينه الأزمة لأنها مازالت مشتعلة ولكنه ينذر بصراع خفى شديد بين سلطات الدولة بدأت تظهر آثاره مبكراً على غير المتوقع فى الشارع المصرى، وأضاف أن البيان كان متوقعاً بعد الوقفة الحازمة لقضاة مصر وكافة الهيئات القضائية لإثنائه عن قراره بعودة مجلس الشعب مرة أخرى والذى أعتقد أن مستشارى الرئيس القانونيين لم يحسنوا دراسته جيداً، ولكنه كان توجهاً أفصح عنه الرئيس فى أكثر من محفل وتم ترجمته دون النظر إلى قانونية ذلك من عدمه ولو كان هؤلاء المستشارون يملكون حسا سياسيا لما اتخذ مثل هذا القرار. وأضاف درويش أن أى تلاعب بحكم المحكمة الدستورية العليا لن يؤتى ثماره، مشيراً إلى أن العملية أشبه بالكر والفر بين الفريقين المتصارعين على الساحة السياسية، مشدداً على أن أى التفاف على حكم الدستورية سواء باستفتاء أو إرسال الحكم السابق لمحكمة النقض لن يؤدى لنتيجة. وشدد درويش على أن مجلس الشعب السابق كان مجلساً معيباً بناء على قانونه الانتخابى غير الدستوري، وبالتالى فحكم الدستورية كان متوقعاً والإخوان المسلمين أنفسهم وحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لهم كانوا يعلمون ذلك ولكنهم حاولوا بقدر المستطاع مد فترة هذا المجلس.