ورث الرئيس محمد مرسى تركة ثقيلة من ديون داخلية وخارجية متراكمة وتراجع فى معدلات النمو تأكل الاحتياطى النقدى الأجنبى، وزيادة معدلات البطالة وارتفاع الأسعار. وفور تسليم السلطة للرئيس المنتخب علق المصريون آمالا عريضة فى استقرار الأوضاع الاقتصادية وجذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل.. «أكتوبر» تضع على مائدة الدكتور محمد مرسى مجموعة من مبادرات خبراء الاقتصاد التى تستهدف الإسراع بخطى النمو لزيادة الإنتاج ورفع معدلات التشغيل لتوفير المزيد من فرص العمل لمواجهة معدلات البطالة التى تخطت 14% فى الشهور الأخيرة. بداية يوصف المفكر الاقتصادى د.جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية أعراض المرض الذى تعانى منه البلاد على الصعيد الاقتصادى، مؤكدا أن البلاد تمر بمتاعب اقتصادية جمَّة، لا ينكرها أحد ويشعر بها الجميع،حيث يعانى الفقراء ومحدودو الدخل من ارتفاع الأسعار وندرة بعض السلع الضرورية فضلا عن تضاؤل فرص العمل والكسب. عدم اليقين وقال د. أمين إنه فى ظل سيطرة حالة من عدم اليقين على الاقتصاد تخشى كل طبقات المجمتع مما قد يأتى به المستقبل، وفى مواجهة هذا الخوف يجتهد بعض المسئولين فى التخفيف من خطورة الأزمة. وأضاف أن متاعب مصر الاقتصادية الراهنة أكثر من أن تكون مجرد أزمة سيولة، ولكن من المفيد التمييز بين ثلاثة أنواع من هذه المتاعب، إذ إن كلا منها يتطلب حلولا مختلفة عن حلول النوعين الآخرين، فالنوع الأول، هو متاعب مصر الاقتصادية الحالية، يتكون من متاعب حقيقية وجسيمة، ولكنها أيضا قديمة، ناتجة عن تراكم سياسات اقتصادية حمقاء استمرت نحو أربعين عاما أو سياسات الانفتاح الاقتصادى غير المنضبط، وتتمثل فى استمرار معدل منخفض لنمو الناتج القومى، واستمرار ونمو تفاوت فظيع فى الدخول، ومعدل عال جدا من البطالة، واستمرار الاختلال الكبير فى الميزان التجارى، وفى موازنة الدولة. فيما يتمثل النوع الثانى، فى المتاعب الطبيعية للثورة، التى حدثت بسبب ما أشاعته الثورة من مناخ من عدم الاستقراء، وتراخى السيطرة على الأمن بسبب التغيير المفاجئ فى السلطة، ومن ثم انخفاض الإيرادات السياحية وكذا معدل الاستثمار المحلى والأجنبى، وبالتالى تراجع الناتج القومى، وارتفاع معدل البطالة، وانخفاض الإيرادات الحكومية، وزيادة عجز الموازنة العامة، والنقص الكبير فى احتياطى العملات الأجنبية، وانخفاض سعر الصرف وارتفاع الأسعار. أما النوع الثالث من المتاعب، كما يسميه د. أمين ب «المدهش»، فيتمثل فى استمرار المتاعب، التى خلقتها الثورة طوال هذه المدة دون أن تظهر أى بادرة على بداية انحسارها، ومن ثم لم يطرأ أى تحسن ملحوظ على النشاط الاقتصادى. دور الدولة وبدوره يقترح د. حمدى عبدالعظيم الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية على الرئيس القادم لمواجهة هذه المتاعب بأشكالها الثلاثة أن يبادر إلى تعظيم دور الدولة فى منظومة الإنتاج وذلك بأن يتم تحفيز الشركات القابضة التابعة للدولة والهيئات الاقتصادية العامة للتوسع فى تأسيس مشروعات إنتاجية، لما يمكن أن يترتب عليه هذا التوسع من زيادة الإنتاج ومعدلات التشغيل فى الاقتصاد بما يعنيه ذلك من توفير المزيد من فرص العمل لمواجهة الزيادة المطردة فى أعداد العاطلين. وقال د. عبدالعظيم إن توسع النشاط الإنتاجى للقطاع العام والحكومى يعد ضرورة فى هذه الآونة خاصة أن تداعيات الثورة ترتب عليها فقدان نحو 650 ألف مواطن لعملهم، فضلا عن دخول نحو 850 ألف وافد جديد من الخريجين إلى سوق العمل، بالإضافة إلى أن الظروف مواتية جدا لبزوغ دور الدولة فى هذا المجال لوقف الممارسات الاحتكارية وتحفيز الإنتاج المحلى الذى يعانى معاناة شديدة منذ عقود بعد أن تركت الدولة منظومة الإنتاج لقطاع خاص انتهازى. وأضاف أن الدولة أمامها فرصة ذهبية لإنشاء مصانع ضخمة فى القطاعات التى يغلب عليها الطبيعة الاحتكارية من قبل القطاع الخاص مثل قطاع صناعات الأسمنت والحديد والصلب والأسمدة، خاصة أن السوق فى حالة «تعطش» لمثل هذه المشروعات فى هذه الآونة، لافتا إلى أنه لا يوجد ما يمنع الدولة مثلا فى التوسع فى إنشاء مصانع أسمنت جديدة بدون التأثير سلبيا على الشركات الخاصة القائمة، ليكون الإنتاج منافسا لإنتاج القطاع الخاص وبأسعار تنافسية حتى تضطر هذه المصانع إلى فك سطوتها الاحتكارية على الأسواق التى يترتب عليها تحقيقها لأرباح تتعدى 200%، وينطبق الحال أيضا على صناعة الحديد والصلب، وكذلك الأسمدة. وأوضح الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية أن زيادة دور الدولة فى منظومة الإنتاج يترتب عليه توفير المزيد من فرص العمل، التى يحتاج إليها السوق الآن فى ظل ارتفاع معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، فضلا عن أن تعاظم هذا الدور سيقضى بدوره على الاحتكارات. استكمال الخصخصة فيما شدد د. محمود منصور الأمين العام للاتحاد التعاونى العربى على ضرورة البدء الفورى فى تنفيذ خطة لإخراج الاقتصاد من عثرته، على أن تراعى فيها قطاع التعاونيات، الذى أهمله النظام السابق عندما تم التعامل معه على أنه من بقايا العهد الاشتراكى، وفى المقابل فتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص الذى عاث فى الأرض فسادا، وسعى رموزه لحصد أكبر قدر من المكاسب عبر الاستغلال والاحتكار، وذلك فى ظل غياب تشريعات مناسبة وعدالة ناجزة وقوى أمن محايدة ومنظمات حديثة تعبر عن مصالح الناس وتراقب أداء المؤسسات، وتتدخل لتلبية حاجات المواطنين، التى يعجز السوق عن توفيرها. واقترح أن يتم استكمال برنامج الخصخصة برؤية تعاونية، وذلك بتمليك شركات القطاع العامة لوحدات تعاونية من العاملين فيها، بحيث يتم إدارة هذه الشركات بشكل تعاونى يسعى لرفع مستوى الأداء وحماية حقوق العاملين فيها (الملاك)، مطالبا بأن يتم تدارس الفكرة لتخرج إلى النور فى أجمل صورها، بما يترتب عليه الإجهاز على الفساد، الذى ترتب عليه إسقاط هذه الوحدات الاقتصادية، كخطوة سابقة على عرضها للبيع بأبخس الأثمان. وقال د. منصور إن التجربة العالمية تذهب إلى أن الشركات المساهمة المنشأة على النمط التعاونى تلعب دورا مهما متعاظما فى مجال الجهود المبذولة لخصخصة القطاع العام فى العديد من الدول، وإنه من خلال ما قام به العاملون فى هذه المنشآت بتكوينهم تعاونيات تولت شراء هذه الأصول وإدارتها لصالحهم ومن ثم الحلول محل الدولة فى ملكية العديد من أصول المنشآت العاملة فى مجالات النقل والتوريد والتسويق وغيرها من الخدمات أمكن الحفاظ على هذه الأنشطة وما تؤديه من خدمات عند مستويات تكلفة مقبولة، وأيضا إلى الحفاظ على مصالح العاملين بها وتيار الدخول الناشئ عن هذه الوظائف. وأضاف أن إحلال التعاونيات محل الدولة ترتب عليه خلق عدد كبير من فرص العمل، وأنه فى كثير من هذه المنشآت التعاونية يحصل الموظفون الملاك للأسهم بالإضافة الى مرتباتهم على دخول فى شكل أرباح يدرها ما يملكون من أسهم، وقد ثبت ارتفاع الإنتاجية فى المنشآت التى يجمع فيها الموظفون بين ملكيتهم لرأس المال واشتراكهم بشكل إيجابى فى عملية صنع القرار وبالتالى يتأتى لهذه المنشآت قدر أكبر من الفرص لاستمرارها فى بيئة الأعمال المحيطة بها. مبادرة شعبية أما د. إبراهيم العيسوى المستشار بمعهد التخطيط القومي، فأشار إلى أن تسريع دوران عجلة الإنتاج ودفعها فى الاتجاه الصحيح يمكن أن يتم من خلال البدء فى تنفيذ مبادرة حكومية شعبية، تنطلق من اختيار عدد محدد من المشروعات الإنتاجية الكبرى، ولتكن البداية ب10 مشروعات، وطرحها كشركات مساهمة للاكتتاب العام من جانب الحكومة والبنوك وصناديق الاستثمار والهيئات العامة والشركات فى قطاع الأعمال العام والخاص ومن جانب الأفراد، على أن تؤازرها مجموعة إجراءات لتوفير التمويل اللازم لهذه المشروعات من الخزانة العامة ومن المؤسسات العامة والخاصة والأفراد. واقترح أن يتم تشكيل لجنة خبراء لاختيار هذه المشروعات من قوائم المشروعات الموجودة بالهيئة العامة للاستثمار، على أن يكون لهذه اللجنة الحق فى طرح مبادراتهم فى هذا الشأن بحيث لا يتقيدون بالقوائم المعروضة عليهم، لأن ما سيخرج عنهم من مشروعات ستكون فيما بعد أقطابا جاذبة للنمو الاقتصادى والعمرانى فى المناطق التى ستتوطن فيها. وشدد د. العيسوى على ضرورة تصميم أو إعادة تصميم هذه المشروعات الكبيرة بما يساعد على خلق عدد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة حول المشروع الكبير، لكى تزوده ببعض ما يحتاجه من مدخلات بمواصفات محددة سلفا أو تتلقى بعض منتجاته، وتجرى عليها بعض عمليات التصنيع التكميلى، فضلا عن القيام بعمليات التعبئة والتغليف والنقل والتوزيع، وما إلى ذلك من أنشطة، مشيرا إلى أنه بذلك يشكل كل مشروع كبير وما يدور فى فلكه من مشروعات صغيرة ومتوسطة مركبا صناعيا ينعش المنطقة، التى يوجد فيها بما يتضمنه من أنشطة وبما يخلقه من فرص للعمل، وبما يشكله من قوة جذب لمشروعات أخرى مستقبلا. ونصح أن تشمل هذه المشروعات مشروعات فى مجالات وقعت فى أسر الاحتكار بعد خصخصتها كالحديد والأسمنت والأسمدة والأدوية، بالإضافة إلى مشروعات لاستصلاح الأراضى والتصنيع الزراعى ولتصنيع المخلفات الزراعية والصلبة، ومشروعات إصلاح وتجديد بعض شركات القطاع، التى طال إهمالها، مشددا على ضرورة إشراك سكان الأهالى فى المناطق، التى يزمع إنشاء هذه المشروعات فيها فى القرارات المتعلقة بها، واستطلاع آرائهم فى مدى ملاءمة كل مشروع لاحتياجات السكان، وفى اختيار موقعه. وخلص المستشار بمعهد التخطيط إلى ضرورة أن تكون الحكومة أول المساهمين فى رأس مال هذه المشروعات، وذلك لبث الثقة والأمان وتشجيع الأطراف الأخرى على المساهمة، وليكن التمويل الحكومى من خلال الاستفادة من الوفر الذى تحقق فى مخصصات الإنفاق على مجلس الشعب، وإعادة هيكلة النفقات العامة بتخفيض النفقات على البنود غير الضرورية، والتمادى فى إجراءات التقشف بوقف رحلات العمرة والحج، وتقليص السياحة الترفيهية للخارج، وحظر استيراد السلع الكمالية، ووضع قيود على تحويل الأموال إلى الخارج، فضلا عن إمكانية تحويل تمويل إضافى لهذه المشروعات من حصيلة الغرامات والأموال المصادرة بأحكام قضائية بحق عناصر النظام السابق.