الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا من يعانى من مرارة المرض التى تصل فى بعض الأحيان إلى مرارة العلقم.. بل تزيد على ذلك عندما يكون الإنسان مريضاً محتاجاً ويمنعه حياؤه من أن يمد يمده، ولكن عندما تزيد وطأة المرض ويصبح هو محور حياة الأسرة الذى لا تستطيع الاستغناء عنه، خاصة أنه الركن الأساسى وعمادها.. و«عبد الفتاح» رجل مسن أصابه المرض منذ ثلاث سنوات فقط، يتذكر حكايته مع المرض، ويبكى إنه رجل عمل بيده وفأسه الذى حمله على كتفه ولم يكل أو يمل طوال حياته وهو يعمل فلاحا أجيرا لا يملك قوت يومه.. يكد ويتعب ليعود آخر النهار بجنيهات قليلة تكفى أولاده بالكاد.. أيام وليال يتعب ليوفر لأسرته احتياجاتها.. كان يعمل وكأنه جمل صابر على التعب.. شديد التحمل ولكن أحيانا ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن.. أصيب بارتفاع درجة الحرارة وآلام شديدة بالرقبة والحلق.. أصيب أيضاً بصعوبة فى البلع حاول أن يتماسك وأكد للزوجة والأولاد عندما وجد نظرات الخوف فى عيونهم أنه سرعان ما يشفى.. طلب كوب شاى وليمون وبعدها سوف ينهض مثل الحصان.. فدائما ما يهمل الفقير المحتاج حاله.. ويتهاون فى حق نفسه فلو أصيب بالمرض فهو يعلم جيدا أنه ليس ندا قويا له.. لأنه يعجز عن مواجهة مصاريفه واحتياجات العلاج أو الذهاب إلى الطبيب! وحتى إلى المستشفى فدائما طلبات المرض كثيرة وكل طلب له ثمن.. تهاون عبدالفتاح وحاول علاج نفسه لأيام ولكن لم تفلح المحاولة أمام شدة المرض.. فقد بدأ يشعر باختناق فى رقبته وبدأ صوته يتحشرج داخل صدره وحنجرته.. هنا اضطر إلى أن يستدين ليذهب إلى المستشفى.. وكانت الدائرة المغلقة التى ظل يسير فيها هو وأسرته وهى تحكم قبضتها عليه.. أشعة وتحاليل ولم يكن فى الحسبان ما ظهر أمام أعين الأطباء أنه مصاب بورم بالحنجرة وعليه أن يحمل حقيبته فى يده ويذهب إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة حتى يتأكد من مدى الإصابة وكيفية العلاج.. وما أن سمع ما قاله الطبيب حتى شعر أن قلبه يكاد ينخلع من مكانه فكيف له أن يترك الزوجة والأولاد ليذهب فى رحلة لا يعلم مداها إلا الله ولكن مقدر ومكتوب. ركب القطار فى صحبة الزوجة وجاء ليؤكد أطباء المعهد له أن حنجرته مصابة بورم سرطانى وأنه فى حاجة إلى إجراء جراحة سريعة لاستئصالها فقد الرجل شجاعته ولمعت عيناه بالدموع من هول المفاجأة.. وجلست الزوجة مذهولة فلم يخطر ببالها أن زوجها أصبح عاجزاً لن يستطيع أن يعمل لأنه سيسكن غرفة بالمعهد لإجراء الجراحة، ثم يخضع لجلسات علاج كيماوى وإشعاعى لشهور. ترك الأسرة بالقرية فى محافظة من محافظات شمال الصعيد.. ترك الزوجة تتحمل هى أعباء الحياة والمعيشة دخل غرفة العمليات وخرج منها ليفاجأ بأنه بلا صوت ويتعامل مع من حوله بالإشارة.