تقدم جامعة أسيوط 100 مركز في تصنيف "التايمز 2025" للتنمية المستدامة    انطلاق انتخابات صندوق الرعاية الاجتماعية للعاملين بشركات الكهرباء    وزير المالية: غلق 120 ألف ملف ضريبي قديم بطلب من الممولين    ارتفاع اللحوم والزيت.. أسعار السلع الأساسية بالأسواق اليوم (موقع رسمي)    سعر الذهب اليوم السبت 21 يونيو 2025 فى الكويت.. عيار 24 ب33.050 دينار    وزير الري يبحث التعاون في مجال "تحلية المياه للإنتاج الكثيف للغذاء"    إنتاج 97161 متر مكعب يومي من مياه الشرب طور سيناء    تركيا تتسلم رئاسة منظمة التعاون الإسلامي من الكاميرون    ضربة إيرانية جديدة للاحتلال.. مسيرة تصيب مبنى فى بيسان    سيطرة برازيلية على دور المجموعات بكأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية.. صن داونز يواجه دورتموند بطموح التأهل وصدارة المجموعة    داس على رأسه.. حادث مأساوي في إحدى مباريات كأس العالم للأندية    من مصر إلى العراق.. احتفال "السيجار" يشعل الموسم الرياضي    انتشال جثمان سيدة وأخرى مصابة من أسفل العقارات المنهارة بمنطقة حدائق القبة    بالاسم ورقم الجلوس.. نتيجة الشهادة الإعدادية بمحافظة مطروح بعد اعتمادها رسميًا    نصائح مهمة لطلاب الثانوية العامة قبل امتحان اللغة العربية    حملات تموينية مكثفة على المخابز والأسواق في القليوبية - صور    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    الرعاية الصحية: نجاح عملية زراعة قرنية دقيقة بمجمع الإسماعيلية الطبي    هنا الزاهد تُشعل مواقع التواصل بصورة جديدة مع كرارة وتامر حسني في عمل سينمائي مشترك    السومة يدعم هجوم الوداد أمام العين ويوفنتوس    وزير الخارجية والهجرة يلتقي بمجموعة من رجال الأعمال الأتراك خلال زيارته لإسطنبول    مسئولة أممية: توسع الصراع الإيراني الإسرائيلي يقود العالم لكارثة    سلطنة عُمان تعلن إجلاء 294 مواطنا من إيران    وزير الري يبحث "التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء" مع خبراء الجامعة الأمريكية| صور    وزارة الصحة: عيادات البعثة الطبية المصرية استقبلت 56 ألف و700 زيارة من الحجاج المصريين    نقابة المحامين تقرر الطعن على حكم وقف جمعيتها العمومية    الصحة الإيرانية: 430 قتيلا وأكثر من 3500 مصاب منذ بدء الهجوم الإسرائيلى    عاجل| سعر الريال السعودي اليوم 21/6/2025 مقابل الجنيه    مباريات اليوم.. صدام قوي لصنداونز.. ومواجهة أمريكية خالصة    المعهد القومي للأورام يطلق فعالية للتوعية بأورام الدم    قافلة الأزهر الطبية تصل الحوراني بدمياط لعلاج المواطنين بالمجان    قبل فتح باب الترشح.. اعرف المستندات المطلوبة للترشح لانتخابات مجلس النواب    دفعة جديدة من أطباء المعاهد التعليمية تصل مستشفى الشيخ زويد المركزي    تعرف على مصروفات المدارس لجميع المراحل بالعام الدراسي الجديد 2025/2026    آسر ياسين.. سفاح السينما والدراما    «الكتاب الإلكتروني».. المتهم الأول في أزمة القراءة    محمد منير: «ملامحنا» تعبر عن كل إنسان| حوار    قواعد ذهبية للحفظ والتخزين| الغذاء والصيف.. كل لقمة بحساب!    رسميا.. بايرن ميونخ ثاني المتأهلين لدور ال16 من كأس العالم للأندية بعد فوزه على البوكا    سلاح ذو حدين| وراء كل فتنة.. «سوشيال ميديا»    ترامب عبر "تروث": سد النهضة الإثيوبي تم تمويله بغباء من الولايات المتحدة    إصابة ربة منزل وطفلتها على يد شقيق زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    روبي تتألق في إطلالة مبهرة قبل صعود حفل افتتاح موازين    «وحش ويستحق الانتقاد».. إسلام الشاطر يشن هجومًا لاذعًا على محمد هاني    «الصدمة الأولى كانت كريم وابنه».. «أحمد» يروي ما حدث في شارع الموت بمنطقة حدائق القبة    ترامب عن سد النهضة: بُني بتمويل غبي من الولايات المتحدة    كروفورد عن نزال القرن: "في 13 سبتمبر سأخرج منتصرا"    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    تقدم ملموس في الوضع المادي والاجتماعي.. توقعات برج العقرب اليوم 21 يونيو    وزير الخارجية الإسرائيلي: تأخرنا سنتين أو ثلاث في منع إيران من امتلاك سلاح نووي    6 مصابين في تصادم 3 سيارات قبل مطار سفنكس    بالصور- خطوبة مينا أبو الدهب نجم "ولاد الشمس"    الدفاعات الجوية الإيرانية تعترض صواريخ إسرائيلية فوق مدينة مشهد (فيديو)    "أعملك إيه حيرتنى".. جمهور استوديو "معكم" يتفاعل مع نجل حسن الأسمر "فيديو"    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقعد الخالى فى الصحافة المصرية
نشر في أكتوبر يوم 06 - 05 - 2012

على الرغم من مرور السنين على رحيل أحمد بهاء الدين فلا يزال مقعده خاليا فى الصحافة المصرية، لم يستطع أحد أن يملأه.. أحمد بهاء الدين لم يكن مجرد كاتب ولكنه مفكر صاحب رؤية وفلسفة خاصة فى الحياة والمجتمع فى السياسة والاقتصاد، وليس مجرد رئيس تحرير ولكنه صاحب رسالة لإيقاظ المجتمع وتنويره، وليس مجرد موظف كبير فى بلاط صاحبة الجلالة، ولكنه هو نفسه صاحب الجلالة الذى يقول كلمته رضى من رضى وغضب من غضب.. وحين ضاقت عليه حلقة «السلطة» هاجر بقلمه إلى الكويت حيث وجد المناخ الذى يسمح له بأن يكتب ما يشاء ويقول ما يريد دون محاذير أو خطوط حمراء.
بدأ يجرِّب كتابة المقال السياسى بعد تخرجه فى كلية الحقوق والتحاقه بوظيفة وكيل النيابة الإدارية، وتصادف أن يكون فى مكتب واحد مع عبد الرحمن الشرقاوى وفتحى غانم، وثلاثتهم يعملون فى الحكومة على مضض ويبحثون عن فرصة للكتابة فى الصحف والمشاركة فى الحياة العامة، وكان ذلك قبل عام 1952 بقليل،كان عبد الرحمن الشرقاوى يجرب كتابة الشعر، وفتحى غانم يجرب كتابة القصة، وهو يجرب كتابة المقال السياسى، وزملاؤهم ينظرون إليهم على أنهم مخلوقات غريبة غير مهتمة بمستقبلها فى الوظائف الحكومية. وفى وقت مبكر صار عبد الرحمن الشرقاوى «أمير الشعراء» الجديد بعد أن بدأ موجة التجديد فى الشعر العربى، وكانت أشعاره الأولى تطبع فى كل مكان فى الصحف والمنشورات والدواوين ولكنه كان مفتونا بالسياسة والأدب فاتجه إلى النثر واشتهر بروايتيه الكبيرتين «الأرض» و«الشوارع الخلفية» وبعد ذلك تحول إلى التراث فأصدر كتاب «محمد رسول الحرية» وبعده كتب عن الخلفاء الراشدين والفقهاء الكبار.
قصة زواجه تعبر عن شخصيته.. أرسلت إليه طالبة بكلية الآداب خطابات تهاجم كتاباته، وكان وقتها رئيس تحرير مجلة صباح الخير ومع أنه يهتم بخطابات القراء ولا يهتم بالرد عليها إلا أنه وجد نفسه مهتما بالرد على هذه القارئة بالذات، ثم قابلها مصادفة عند بعض الأصدقاء، ولم يضيِّع وقتا.. وتزوجها!
كان يعبر كثيراًعن خوفه على جيل المستقبل ويرى آفاق هذا الجيل فى مصر ضيقة، ملبدة بالغيوم، مليئة بصنوف القمع النفسى والفكرى.. كان وحيد أمه بين أربع بنات، وكانت أمه هى كل عالمه، ماتت وهو فى الحادية عشرة من العمر.. وكان يقول: لا أدرى لماذا لا أتذكر من عهد الدراسة أى أيام جميلة وعن اصدقائه يقول إنهم كثيرون فيهم الرؤساء والخفراء وفيهم من يراه كثيرا ومن لا يراهم بحكم ظروف الحياة إلا مرة كل سنوات ولهم مكانتهم كأصدقاء لا تتغير.
سألته حين كان كاتباً متفرغا فى الأهرام عن الموضوعات التى تجذبه أكثر من غيرها فقال: التاريخ بالنسبة لى أجمل وأمتع مادة لأن موضعه الإنسان ذاته والنفس البشرية للعظماء وللجماهير على السواء.. التاريخ هو ملحمة الحياة.. وعن كتبه قال إنها تزيد على 12 كتابا ولكنه لا يعتبر منها إلا كتابين فقط والباقى تجميع مقالات سبق نشرها، وقال بأسى: لو كان الأمر بيدى لأعطيت وقتا أكبر للتأليف ولكن كتابة المقال الصحفى استهلكت وقتى وجهدى، وكل من يدخل فى مجال الكتابة الصحفية يجد نفسه مربوطا فى هذه الدائرة ، ويدخل فى دوامة رد الفعل للأحداث، مما يجعله مشغولا دائما بمتابعة ما يجرى فى دائرة اهتمامه، وقد يدهش البعض أننى شغوف مثلا بقراءة صفحات الاعلانات المبوبة كل فترة ليس كمستهلك ولكن لأنى أرى أنها تعكس أحوال المصريين ماذا يأكلون، وماذا يلبسون، ومعدلات الأسعار، وأى وظائف خالية، وغير ذلك مما أعتبره من الأخبار التى تعطى صورة حية للمجتمع.
قال ايضا إنه يريد أن يكتب سيرة ذاتية لجيله الذى تفتح وعيه بعد الحرب العالمية الثانية مع حركات الاستقلال، ومعها التجارب الناجحة والتجارب الفاشلة فى مصر والعالم العربى ومثل هذه السيرة تحتاج إلى تقديم نماذج مختلفة، فهناك من بدأ تاجرا ثم تحول إلى رجل سياسة وصاحب رأى، ومن بدأ فقيرا وانتهى مليونيرا لأنه عرف الطريق.
وقال عن الصحفيين الذين لا يجدون الفرصة الا متأخرة.. أنا كنت رئيس تحرير مجلة وعمرى 24 سنة ولكن لا يجوز الحكم على حالة فردية فربما كانت لى ظروف خاصة، وعندما بدأت العمل فى الصحافة كان عدد العاملين أقل من ربع العدد الحالى ولذلك كانت الفرصة أفضل، أما بالنسبة لسن رؤساء التحرير فأنا أرى أنه لا يوجد فى الصحافة سن لأى منصب سواء رئيس تحرير أو محرر، ولو أحصينا إنتاج طه حسين مثلا أو توفيق الحكيم أو العقاد أو ألحان عبد الوهاب وأغانى أم كلثوم سنجد أن إنتاجهم الأكبر والأهم كان بعد الستين، وقد زرت مجلة (الايكونومست) أعرق مجلة اقتصادية بريطانية فوجدت رئيس تحريرها عمره 32 سنة.. فالمسألة الاستعداد والشخصية والكفاءة.. والأمر الثانى أن لقب رئيس التحرير فى رأيى ليس أكبر الألقاب فى الصحافة، وفى عام 1974 دهش السادات لرفضى وترددى فى قبول منصب رئيس التحرير، وقاومت هذا العرض مدة طويلة حتى اضطررت فى إحدى المرات أثناء النقاش معه إلى أن أسأله هل تعرف اسم رئيس تحرير صحيفة «التايمز» أشهر الصحف البريطانية، فقال السادات: لا.. قلت: هل تعرف اسم رئيس تحرير «الجارديان» أو «الديلى ميل» وهى من أشهر الصحف البريطانية؟ فقال السادات: لا. قلت له السبب بسيط أن هذه الصحف على شهرتها لا تكتب اسم رئيس التحرير على صفحاتها كما نفعل نحن، وقد يكون رئيس التحرير غير مشهور، فرئيس التحرير هو قائد أوركسترا مهمته أن يستخرج من العازفين أفضل ماعندهم، وينسق بين النغمات والأصوات المختلفة ليظهر اللحن متسقا دون أن يكون هذا المايسترو أفضل عازف من الناحية الفردية، وفى الصحف العالمية تجد أكبر الصحفيين أجرا هو أكثرهم كفاءة والخبر الصحفى الذى يحقق السبق ويأتى بالمانشيت، ولدينا فى القاهرة مراسلون أجانب أسماؤهم وأعمارهم كبيرة لكنهم لا يتعالون على العمل والجرى وراء الاحداث المهمة مع مافى بعضها من مخاطر.
وقال: إن أمامنا مستقبلاً وأنا متفائل، ولا بد أن تكون لنا ذاكرة تساعدنا على تفهم مسار التاريخ واتجاه المستقبل ولا نغرق فى دوامة الماضى، وهذا ما اعتبره «الموقف النقدى من التراث» وادعو إلى اعادة كتابة التراث، والمشكلة أن كل كتاب مضى على وضعه مئات السنين نعتبره تراثا، ونجد من يرفع سيف الارهاب باسم الدين ويعتبر نفسه المدافع عن التراث.. بينما العقل يدعونا إلى أن نفتح الأبواب أمام الحضارة الحديثة وفى نفس الوقت نحافظ على ما يستحق البقاء من تراثنا.. وأتمنى أن أرى الشباب مقبلاً على قراءة الكتب العالمية الحديثة فى لغاتها أو مترجمة إلى اللغة العربية.
الحديث لا ينتهى عن أحمد بهاء دين.. صاحب العقلية التقدمية.. الذى غيَّر فى لغة الصحافة وجعل البلاغة ليست فى الألفاظ الرنانة ولكن فى التفكير والعرض المنطقى.. البلاغة فى الفكرة ونحن لن نبنى بلادنا بالكلمات الرنانة.. ولا يزال مقعده خاليا حتى بعد عشرات السنين من رحيله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.