قبل الثورة ..كنا نشعر ونحن نتابع التغطية الإعلامية لأى حدث مهم سواء كان حدثا حزينا مثل عبارة الموت وتفجير كنيسة القديسين، أو حدثا سعيدا من الأحداث القليلة المفرحة التى مرت علينا خلال السنوات الثلاثين الماضية ولم تكد تخرج عن بعض الانتصارات فى كرة القدم وعلى رأسها بالطبع فوزنا المتوالى بكأس الأمم الافريقية..كنا نشعر ونحن نتابع تغطيات تلك الأحداث بشىء يدفعنا للتساؤل.. هل كنا نعيش بالفعل فى وطن حقيقى أم أنه قد تم احتكار الحياة فى هذا الوطن لصالح فئة واحدة من الناس هم نجوم الإعلام والفضائيات.. ولماذا يحشرون الفنانين بالتحديد «حتى الآن» فى كل شىء؟ وما الذى يجعلهم يستضيفون فناناً كبيراً نحترمه كثيرا مثل محمد صبحى ليفتى فى السياسة ويحلل الأحداث وكأنه خبير استراتيجي..وما الذى يجعلهم يصرون على تمثيل الفنانين فى لجنة صياغة الدستور، ويتجاهلون قطاعات أخرى أهم واكثر دراية بمثل هذه الموضوعات والقضايا المهمة. والحقيقة أننا عشنا سنين طويلة فى ظل استعراض الرجل الواحد «وان مان شو» الذى احتكر هو وعائلته وشلة المنتفعين بنظامه كل شىء حتى المشاعر..الفرح والحزن والانتصار والانكسار، بعد أن تم تأميم العواطف هى الأخرى ولم تعد ملكاً للشعب، بل ظلت مباحة ومستباحة فقط للباشوات الجدد من الفنانين ولاعبى كرة القدم والمذيعين والمذيعات الأرضيين منهم وأرباب الفضائيات، و«كريمة» الحزب الحاكم ،والمسئولين والمسئولات وأولاد المسئولين وأولاد المسئولات، هم فقط الذين من حقهم أن يفرحوا ويحزنوا ويغضبوا ويضحكوا. وهم فقط الذين يخرجون يومياً على الشاشات ليقوموا بكل الأدوار، فهم أهل البر والتقوى والأعمال الخيرية، وهم الذين يقيمون أفراحهم وأفراح أبنائهم فى فنادق الخمس نجوم ويغمسون ملابسهم الداخلية فى الشمبانيا، ويقضون الصيف فى هاواى ومارينا، وهم أيضا الذين يحجون ويعتمرون ويمسكون بالسبح ويلبسون الطواقى «الشبيكة «فى المناسبات الدينية .. هم أهل الدنيا والآخرة، وهم الذين يهدى لهم المنتخب انتصاراته فى إفريقيا وهم الذين يقذفهم الجزائريون المتعصبون بالحجارة فى السودان.. وهم الذين يحملهم الثوار على الأعناق فى ميدان التحرير أو يلعنونهم ويضعون بعضهم فى قوائم سوداء.. هم أنفسهم لا يتغيرون.. متصدرون لكل المشاهد وظاهرون فى كل الصور، هم فقط أبطال هذا الفيلم الهابط الذى كان لابد وأن ينتهى بالانفجار والثورة. والخوف أن نعود تدريجيا لنفس التقسيمة الفاسدة المفسدة بين نخبة من النجوم «الفالصو» والنمور الورقية الذين يحركون الأحداث ويخرجون لك من كل القنوات وبين شعب المتفرجين والأغلبية الصامتة وحزب الكنبة الذى أفاق من غيبوبته الأبدية لأيام ثم عاد إلى سباته العميق!.