لماذا لا نستطيع أبدًا أن نختلف في الرأي ونسمع هذا الرأي المخالف لرأينا بشكل من اتساع الأفق؟.. لماذا يتوجب علي الآخرين أن يشاركونا الرأي وإذا لم يحدث هذا نبعدهم تمامًا ولا نحاول حتي أن نسمع ما يقولون؟ هل نخشي أن يكون في رأيهم منطق يغير إيماننا وأفكارنا؟ تلك الأفكار التي لا نود أن نغيرها - ليس من باب الاقتناع الشديد بها - بل لأننا نعتقد خطأ أن من يطور أفكاره أو حتي يتغير عنها يكون ضعيفا. مع الأسف هذا هو ما يحدث في بلدنا.. كنا نتابع أحداث القطارات وحوادثها وإذا ببرنامج (القاهرة اليوم) يناقش أسباب الحادثة وكيفية حل مشاكل السكة الحديد وخلافه.. وكان للمذيعين عمرو أديب وأحمد موسي رأيان مختلفان.. وبالرغم من احتدام النقاش بينهما إلا أن كلاً منهما ظل علي احترامه لحديث الآخر دون أن يوافقه الرأي.. ثم توالت اتصالات المسئولين والمشاهدين.. وإذا بأحد المشاهدين يعترض علي رأي أحمد موسي - وهذا حق المشاهد - ثم يطالب البرنامج بعدم ظهور أحمد موسي في قضايا بعينها يكون فيها الشعب مغتاظًا من الحكومة، وهذا لا يحق له!! وقد تعجبت كثيرًا من موقف هذا المشاهد المتعنت الذي يود أن يمسح الرأي المخالف له من الوجود.. وبغض النظر عن رأي المذيع الصحفي ورأي المشاهد، وأيهما أكثر منطقية - لأن قياس المنطق في الآراء لا معني له - يبقي لكل رأي وجاهته ومنطقه وخلفيته. ولا يصح أن يحجر أحد علي رأي الآخر.. ومهما كانت شدة الغيظ مما حدث في تصادم القطارين - وكلنا مغتاظون - فلكل واحد الحق في التعبير عن غيظه بطريقته مادامت لا تمس حرية الآخرين.. ولكل منا وجهة نظره في كيفية حل المشكلة وردع المخطئين.. المشكلة التالية لعدم احترام الرأي المخالف هي دائما مشكلة الاتهام بالعمالة، وتخوين المخالف للرأي.. فقد نري نحن أنه يتوجب حرق السكة الحديد بهيئتها كاملة لأنها تسببت في الكارثة التي أودت بحياة مواطنين مصريين يستخدمون هذا المرفق الحيوي وهم آمنون أو يعتقدون أنهم آمنون فيه.. وهو رأي له وجاهته بعد كل ما عانت منه مصر بسبب كوارث هذه الهيئة.. ماذا يحدث لو أتي آخر وقال: لا نحرقها بل نحاسب الجناة ونصلح الحال.. طبعا سيتهم بالعمالة والخيانة لقضايا الشعب ومساندة الجناة واستفزاز المشاهدين.. فنحن لم نتعود أن نستمع للآخر، ولا أن ننتظر أن يكمل عرض وجهة نظره مادام نطق بما يخالف رأينا.. وفي أول كلمة له تنطق بالرأي المخالف نسرع إلي تحطيم وجهة نظره تلك بالاتهامات بالعمالة والخيانة ليس فقط من أجل إسكاته بل لإسكات الآخرين ممن تسول لهم نفوسهم أن يعبروا عن رأي مخالف لرأينا.. وفي الوقت نفسه ودون أن نشعر، نقوم بتشجيع المتملقين والوصوليين وغيرهم من ترديد ما نقول وتكرار كلامنا في آذاننا لأننا لا نحب أن نسمع إلا كلامنا..