يبدو أن المصالحة الفلسطينية مازالت فى حاجة إلى كثير من الثقة قبل أن تتحول إلى واقع ملموس، يشهد على ذلك أكثر من إعلان للمصالحة كان آخرها «إعلان الدوحة» الذى حال دون تنفيذه ظهور شروط جديدة من جانب قيادات حماس. فبعد أن كان مفروضاً أن ينتهى إعلان الدوحة إلى حكومة برئاسة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد استحالة الاتفاق بين فتح وحماس على اسم آخر لتولى المنصب، برز الخلاف واضحاً داخل حماس من مسألة تولى عباس رئاسة الحكومة. وزاد من حدة الخلاف إعلان الرئيس الفلسطينى أن الحكومة المقبلة ستكون ملتزمة بالاتفاقات التى وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، وأن برنامجها السياسى سيكون مستمداً من برنامجه، وهو الأمر الذى سارعت قيادات مختلفة فى حماس إلى رفضه، والتأكيد على أن الحكومة الجديدة التى اتفق على تشكيلها فى الدوحة بين عباس وخالد مشعل لا علاقة لها بالبرنامج السياسى لعباس. وأن مهام محددة تنتظر هذه الحكومة وأهمها التحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. وقد رفضت عدة قيادات فى حماس اتفاق المصالحة الأخير بسبب نصه على تولى عباس رئاسة الوزراء. وتنظر قيادات الداخل فى حماس إلى تولى عباس رئاسة حكومة التوافق على أنه نوع من الاستسلام للبرنامج السياسى لفتح، القائم على مبدأ أن المفاوضات هى الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الحقوق الوطنية للشعب الفلسطينى، وأن منهج المقاومة الذى تنادى به حماس قد أصبح من الماضى. وقد تقدمت حماس بشروط جديدة للمضى فى اتفاق المصالحة، من بينها أن تكون الوزارات الرئيسية فى يد الحركة وخصوصاً وزارة الداخلية وتعيين نائب لعباس يكون مقره فى غزة. وعدم إدخال أى تغيير على هيكل الأجهزة الأمنية فى القطاع الذى تديره حماس منذ عام 2007. ومن الطبيعى ألا يقبل عباس أن يترأس حكومة لا سياسة لها أو أن يقبل بالشروط الجديدة للحركة، لأن ذلك سيشكل له إحراجاً كبيراً داخل فتح، أو تجاه الغرب الذى أعلن أكثر من مرة عن عدم رضاه عن الاتفاق مع حماس. وعباس يدرك تماماً أن أى حكومة فلسطينية جديدة مهددة بمقاطعة غربية سيضعه فى وضع اقتصادى صعب للغاية. وإذا كان عباس يريد أن يضع إطاراً سياسياً أوسع لحكومة التوافق الوطنى يجعلها مقبولة دولياً فإنه فتح الباب أمام معارضى المصالحة من داخل حماس كى يفتحوا النار على الاتفاق. فالحراك الداخلى الذى تعيشه حماس عقب مغادرة قيادات سوريا، والتمركز الجديد الذى تسعى إليه داخل بلدان الربيع العربى فإن من الطبيعى بروز تباين فى وجهات النظر داخل الحركة. وبعد انتقال مشعل من دمشق تحاول قيادات القطاع أن تكون أكثر جرأة فى قطع العلاقات مع سوريا. وإذا ما أخذنا فى الاعتبار مواقف إسماعيل هنية رئيس الوزراء المقال من المصالحة مع فتح ومن النظام السورى، فإنه يثبت أن غزة ستكون لها الكلمة الفصل فى تقرير سياسة حماس، خصوصاً وأن أى قرار تتخذه قيادات الخارج لن يجد طريقه إلى التنفيذ مالم توافق عليه قيادات الداخل. والدليل على ذلك أن أجهزة حماس فى غزة وأجهزة فتح فى الضفة الغربية لا يزالان حتى الآن يتبادلان اعتقال أعضاء كل من الحركتين، ولم يطلق المعتقلون من الجانبين رغم كل اتفاقات المصالحة التى وقعت فى الخارج. ومما يزيد الضغط على عباس أن إسرائيل لاتزال غير مستعدة لأى تنازل يحسن موقعه فى مواجهة حماس، فليس هناك استئناف قريب للمفاوضات ولا يوجد تجميد للاستيطان، ولا تلوح فى الأفق بادرة جدية إسرائيلية لتسليم الأمن للسلطة الفلسطينية فى الضفة. ولا تضغط إدارة الرئيس أوباما على إسرائيل لتقديم تنازلات للفلسطينيين. ومن جانبه شن المتحدث باسم «فتح» أحمد عساف فى هجوماً على قيادات حماس الرافضة لإعلان الدوحة، واتهمهم بالانقلاب عليه بهدف إبقاء الأمور على ما هى عليه للحفاظ على امتيازاتها الخاصة. وقال «رغم كل ممارسات حماس إلا أن حركة فتح مصرة على إتمام المصالحة وتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام». وجاء رد حماس على لسان القيادى محمود الزهار الذى أكد التزام حركته بما تم الاتفاق عليه فى اجتماعات القاهرة التى ناقشت شكل الحكومة المقبلة، وما تم الاتفاق عليه فى الدوحة، وأضاف «نحن نناقش كيفية تنفيذ اتفاق الدوحة وما هى ضمانات عدم تدخل الاحتلال فى الشأن الداخلى، وإذا تم تشكيل حكومة برئاسة محمود عباس ورفض الاحتلال تشكيل لجان انتخابات وقام بالاعتقالات، هل ستصبح حكومة أبومازن حكومة أبدية؟».