من المضحكات التى تصل لدرجة الهزلية حين يفسر ما يسمون أنفسهم بالمحللين السياسيين حادثين عابرين يمكن أن يحدثا فى أى بلد من بلدان العالم، وكثيرا ما نقرأ مثيلالهما دون أن تصبح مثار جدل أو تأويل، وأقصد بالحادثين ما وقع فى الأسبوع الماضى للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح «القطب الإخوانى السابق» والدكتور حسن البرنس وكيل لجنة الصحة بمجلس الشعب، حيث فوجئ الأول بحادث سطو جنائى ولا أقول اعتداء والدليل القاطع على ذلك أن من أقدم على هذا الفعل المرفوض قد أنهى مهمته الإجرامية بسرقة سيارة د. أبو الفتوح.. وكان الأولى بمن تشدقوا قائلين إنه حادث اغتيال سياسى أن يقروا بالحقيقة التى غابت عن عقولهم خاصة أن د. أبوالفتوح شخصية لا خلاف عليها من حيث تقدير واحترام الخاصة والعامة لما يحفل به تاريخ الرجل من عمل سياسى محترم يتسم بالاتزان والموضوعية واجه من خلاله كل ألوان القمع والاستبداد حين كان النظام السابق فى قمة طغيانه وعنفوانه. ??? أما الدكتور حسن البرنس فقد تعرّض لحادث مماثل، حيث كان فى طريقه إلى الإسكندرية، وصادفت سيارته ناقلة ذات مقطورة محملة بمواد البناء وأثناء تفريغها استدارت مصادفة لتصطدم بسيارة د. البرنس مما أصاب السيارة بتلف وأصيب د.البرنس وتم نقله إلى المستشفى ولعب القدر دوره بما جعل الحادث يمكن أن يصفه البعض بأنه هو الآخر حادث اغتيال سياسى ودعمت هذه التفسيرات الخاطئة كون د.البرنس هو رئيس اللجنة التى كلفها مجلس الشعب بفحص مستشفى سجن مزرعة طرة وإعداد تقرير فى هذا الشأن يفيد بصلاحيته أو عدمه لاستقبال الرئيس المخلوع حسنى مبارك بدلا من إقامته ذات الخمس نجوم والمكلفة لميزانية الدولة ملايين الجنيهات فى المركز الطبى العالمى الذى يقيم به منذ أتى من شرم الشيخ لمحاكمته أمام محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار أحمد رفعت، ولأن التقرير الذى أعدته اللجنة المكلفة أقرت صلاحية المستشفى لاستقبال المخلوع ودون حاجة إلى إقامته التى راقت له بعيدا عن غياهب سجن يستحقه جراء ما اقترف حيال شعب أودعه أمانة عبر ثلاثين عاما وقد خانها واضحة جلية لتندلع ثورة يناير وتخلعه عن حكمه الظالم والمستبد. ??? ومما يضاعف من هزلية التفسيرات التى أبداها المحللون المغرضون الذين يريدون لمصر أن يشعلوها نارا مستعرة، أنه جاءت تفسيرات موازية على نفس السياق المغلوط من بعض المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، حيث قال أحدهم إن الحادثين يندرجان تحت مسمى الاغتيالات السياسية. وأضاف قائلا: إن ما تعرض له د.أبوالفتوح ود. البرنس يتجاوز حدود الشخصين إلى الاعتداء على الشعب المصرى قاطبة.. وقال آخر إن هذين الحادثين هما نذير خطر يتهدد كل مرشحى الرئاسة ولم يكتف بذلك.. بل اتهم ما يطلق عليه اللهو الخفى، وكأنها لعبة استمرأها الجميع، بينما الحقيقة واضحة وقد تضمنها بيان وزارة الداخلية بأنهما حادثان جنائيان عابران يمكن لهما أن يحدثا تحت أى ظرف وفى أى مكان فى العالم دون أن نحملّهما مالا يحتملان من تكهنات هى الأبعد عن المنطق والعقلانية.. وقد تكون المصادفة هى التى دعت هؤلاء وأولئك إلى هذه التفسيرات اللامعقولة، وإذا كان ما صرح به المرشحون المحتملون هو من نوع التجاوب حيال زملاء لهم فى حلبة المنافسة الرئاسية، فإن الواضح أن بعضهم قد استخدم هذه المشاعر التى أبدوها على غير الحقيقة قد استخدمت استخداما سياسيا ظنا منهم أنها سوف تظهرهم بمظهر إيجابى يبرز تعاطفهم وحرصهم على سلامة د.أبو الفتوح ود.البرنس، وذلك من باب الدعاية الانتخابية المجانية التى قد تضاعف من أسهمهم لدى الناخب المصرى قبيل فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية فى الشهر القادم، ونسى هؤلاء جميعا أن الناخبين من الجماهير المصرية قد وصلوا بعد ثورة يناير إلى سن الرشد السياسى- إن صح التعبير- واستعصوا على الاستمالة بشىء من الأكاذيب المدّعاة فضلا عما اكتسبه هؤلاء الناخبون من رغبة أكيدة وحقيقية فى الاختيار الصائب لرئيس الجمهورية القادم وفق معايير موضوعية بعيدا عن العواطف التى تبتعد بهم عن التقييم السليم حتى لا نقع جميعا فيما وقعنا فيه من أخطاء فى الماضى كان مؤداها أن تقلد من لا يستحق مقاليد الحكم لسنوات طويلة ذاق خلالها كل المصريين شتى ألوان القمع والاستبداد فضلا عما أصابهم من حرمان وفقر طال ثلاثة أرباع هذا الشعب الأصيل، بينما تنعم أقلية فاسدة بكل خيرات مصر وثرواتها الوفيرة. ومن هذين الحادثين نخلص بحقيقة دامغة وهى أن شعب مصر قبل ثورة يناير ليس هو بعدها فقد علمتنا التجربة المريرة كيف نختار لأنفسنا رئيسا وفق ما نريد وليس كما يريد الانتهازيون من فلول النظام البائد.