إذا كان الثالث والعشرون من يوليو 1952 يوما فارقا فى حياة الشعب المصرى، حيث كانت ثورة يوليو التى أطاحت بحكم الأسرة العلوية وأعادت حكم مصر لأبنائها بعد قرون عديدة بدأت بحكم الألبانى محمد على الكبير، وقد نختلف حول ما تم خلال الحكم العلوى من إنجازات رائعة جعلت المؤرخين يصفون هذه الحقبة بصفون بنشأة مصر الحديثة. ورغم ذلك تبقى ثورة يوليو علامة مضيئة على بداية عهد جديد كان فيها البطل المطلق هو الشعب المصرى الذى عادت إليه حقوق كانت مسلوبة منه رغم إرادته.. تلك الإرادة التى حملها الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر إلى جوار أرواحهم الطاهرة على اكفهم فداء لمصر ورغبة فى عودتها إلى حضن أبنائها من عامة الشعب الذين استطاعوا أن يكتبوا لها تاريخا جديدا حافلا بسجل ثرى من الإنجازات الثورية والتى تضيق المساحة بذكرها.. وتمر السنون ويتكرر المشهد بمعطيات جديدة فى اليوم الخالد الموافق الخامس والعشرين من يناير 2011 لتكون ثورة مصر الشعبية الرائعة. وتختلف هذه المعطيات فى كونها ثورة قام بها الشعب وحماها الجيش المصرى بينما كانت ثورة يوليو ثورة قام بها الجيش ورعاها الشعب المصرى. وهنا تبدو حقيقة مؤكدة وهى أن الجيش والشعب معاً دائما فى الملمات والمواقف الحاسمة فى تاريخ مصر يتقاسما الأدوار لتحقيق الأهداف المصيرية المنشودة لصالح الدولة المصرية.وقد أختلف مع أحد أقطاب جماعة الإخوان المسلمين حين صرح بأن الجيش المصرى وقف موقفا حياديا من ثورة يناير، والحقيقة تنطق بالعكس تماماً حيث حمل على عاتقه فى شجاعة مشهودة مسئوليته الوطنية فى الوصول بالثورة إلى بر الأمان محققة ما حدث لها من نجاح مذهل أبهر العدو قبل الصديق.. وإذا كان القطب الإخوانى لم يقنع بذلك فأمامه التجربة السورية، حيث ساند الجيش السورى نظام الحكم فى مواجهة سافرة لجموع الشعب السورى وكانت النتيجة ما تزدحم به قائمة الأخبار فى شتى وكالات الأنباء العالمية بما يحدث للشعب السورى الشقيق من مصارع لأبنائه تدل دلالة قاطعة على وحشية النظام الحاكم مفضلا «كرسى الحكم» على مصلحة الدولة السورية وأبنائها من الشباب الثائر الراغب فى الحرية والديمقراطية والكرامة. ولست هنا فى موقع المدافع عن جيشنا المصرى لأن الدلائل قاطعة والمواقف واضحة على ما قام به من دور رائع فى نجاح ثورة يناير ولم يزل يقوم بهذا الدور وحتى إتمام الخطوات المأمولة حتى يسلم مقاليد إدارة الدولة بعد اكتمال سلطاتها التشريعية والتنفيذية لتكون كما نريد جميعا دولة مدنية تدعمها الأهداف المعلنة للثورة.. حرية.. ديمقراطية.. كرامة إنسانية. وبعد هذا الاستهلال المطول الذى لابد منه لتوضيح المواقف جلية للجميع يصبح مثيراللعجب والدهشة ما تقوم به بعض القوى السياسية التى لا ننزهها عن الغرض والهوى فى تسلق الأحداث طمعا فىمغنم يحقق لها ما افتقدته من القيام بأدوار فاعلة لمساندة الثورة مثل حركة 6 إبريل وقوى سياسية أخرى تزمع القيام بتظاهرات فى الذكرى الأولى لقيام ثورة يناير وقد تجهل هذه القوى أنها بذلك قد تفسد ما يجب أن يشعر به جموع الشعب المصرى من إعتزاز وفخار لنجاح هذه الثورة الرائعة وما تحقق حتى الآن من أهدافها وتأتى الإطاحة بالحكم الفاسد والمستبد عبر ثلاثين عاما كاملة فى مقدمة هذه الأهداف وقد كان ذلك حلما يستحيل تحقيقه لولا الإرادة الصلبة لشعبنا المصرى العظيم ونخص منهم شبابه الواعد الذى استطاع بقدرة فائقة تبشر بمستقبل رائع لمصر أن يكون فى مقدمة الثوار ومن خلفة كل أطياف وطوائف الشعب على اختلاف أعماره ومشاربه وثقافاته وفى إصرار منقطع النظير على تحقيق الهدف المنشود فى إزاحة طغمة الفاسدين ثأرا لما عانوه عبر ثلاثة عقود من الفقر والحرمان بينما يرفل الفاسدون فى رغد العيش المسلوب قسرا من أقوات شعب جائع. وأعتقد أن يوما مجيدا كهذا اليوم يجب أن يكون الاحتفال به على مستوى الحدث العظيم الذى يمثله وليس كما ينتوى المغرضون الذين لا يبغون سوى إفساد الفرحة الغامرة التى يشعربها المصريون خاصة وأن الخطوات تسير تباعا نحو الاستقرار وبداية عهد مزدهر جديد يحفل بكل ما كان المصريون يتمنونه لمصرهم العزيزة ليضربوا مثلا حيا لكل الشعوب العربية التى تتوق للحرية والعدالة ونحن على يقين أن ذلك ما سوف يحدث بالفعل حيث يتكاتف المخلصون من أبناء هذا الشعب الوطنى لحماية ثورتهم فى عيدها الأولى لتجنب الأغراض السلبية لبعض الانتهازيين من أصحاب الأهداف المشبوهة والتى تهيئ لهم أوهامهم أدوارا ليسوا أهلا لها حيث أن مصلحة مصر العليا فوق مصالحهم الشخصية الهزيلة.. وفى هذا اليوم لن يعلو صوت فوق صوت الثورة التى هى أمانة استودعها الله ضمائر المصريين المخلصين جميعا.