بصراحة، لم أكن أصدق ولا مقتنعا بحجج من ظلوا يشككون فى صدق التزام المجلس العسكرى بأهداف ثورة الشعب التى انطلق ماردها فى 25 يناير الماضى، بذريعة أن هذا المجلس مرتبط بعلاقة عضوية بالنظام الفاسد الذى قامت الثورة لإسقاطه.. كنت فقط أرى (وكتبت وقلت مرات عدة هذا المعنى ) أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليس بطبيعته ثوريا، وذلك هو حال أى مؤسسة عسكرية فى العالم إذ إن وظيفة هذه المؤسسة وطريقة بنيانها وتدريبها يجعلها أكثر ميلا (ثقافة وسلوكا) للفكر المحافظ الذى يستغرب، وربما يأنف من أى خروج عن السائد والقائم والمألوف، ومع ذلك هكذا كان، وما زال، رأيى فالجيش المصرى بتراثه الوطنى العريق وعمق وقوة ارتباطه واتصاله وانفتاحه على الشعب، يفرض على قيادته دائما أن تنحاز لهذا الأخير وتنصاع لرغباته حتى وهو ثائر وصاخب فى غضبه من الأوضاع القائمة والحال المزرية المستقرة. وبناء على رؤيتى هذه بقيت لا أشارك المتشائمين المتوجسين من العسكر شكوكهم وتخوفاتهم، وإن كنت أقر معهم بضرورة اليقظة ومراقبة تنفيذ أهداف الثورة وعدم الانصراف، بل ممارسة أنواع ملائمة من الضغوط الديمقراطية متفاوتة الشدة على المجلس العسكرى بعدما انعقدت له (فى حادث اضطرار مزدوج أسهبت فى شرحها من قبل) قيادة المرحلة الانتقالية الحالية. وظللت أرى أن هذه الضغوط التى تستخدم فيها فاعليات الاحتجاج السلمى الراقى والمدروس كفيلة بعلاج وسد الفجوة بين الطبيعة المحافظة للعسكريين ومتطلبات قيادة مرحلة استثنائية فى ثوريتها، فضلا عن أن هذه الفاعليات فرصة ثمينة لتمرين الجميع (عسكراً ومدنيين) على طبيعة الحياة فى مجتمع ديمقراطى حر يأبى الرئاسات والقيادات الأبوية التى تحتكر الصواب والحكمة وحدها ولا تقبل مراجعة أو نقدا، تماما كما يأبى تسيد نوع أو اتجاه واحد ورأى واحد وتوجه واحد، وإنما هذا المجتمع المنشود بالعكس، يقوم على احترام التنوع والاختلاف والتعدد مهما اتسع. تلك كانت عقيدتى ورؤيتى التى اتكأت عليها فى البقاء على تفاؤل مزمن كثيرا ما يعيرنى به أغلب أصدقائى، غير أننى الآن مستعد للاعتراف علنا بأن تشاؤما موجعا تسرب إلى نفسى وهز يقينى بصواب اقتناعى بأن لا خطر حقيقيا من وجود المجلس العسكرى على رأس سلطة مرحلة الانتقال. متى تسرب هذا التشاؤم؟ أجيب بأن كل المسار المتعرج والمرتبك والمتباطئ الذى سار عليه المجلس العسكرى، وهو يمارس دور القائد السياسى لمرحلة خطرة وحساسة (الراهنة) مفعمة بالتطلعات والآمال والأحلام الثورية المشروعة، هذا المسار ربما أقلقنى، لكنه لم يفلح فى إصابتى باليأس حتى وأنا مقتنع بأن حجة ضعف الخبرة السياسية لجنرالات المجلس ليست كافية لتبرير تقاعسات وأخطاء (لامست أحيانا حدود الخطيئة) لم تكن تحتاج لتجنبها سوى إلا مجرد توافر حس غريزى بسيط بالواقع وحال الرأى العام فى البلد. لكن صمودى على التفاؤل بدأ يتشقق ويتضعضع وينهار وأنا أتابع بوجل وحزن ما جرى وحدث ابتداء من مساء الجمعة وطوال نهار السبت، وأقصد الأفعال الإجرامية الشائنة التى استخدمت ضد شباب وطنى نبيل ومخلص (بعيدا عن وجهات النظر التى قد تختلف فى الحكم على صوابية بعض مواقفه) حاول أن يعبر عن رأيه بمسيرتين سلميتين متحضرتين فإذا بعاصفة هوجاء من الإرهاب المعنوى والمادى يتم إطلاقها بتهور مريع فى اتجاه هؤلاء الشباب المسالمين.. لكن ضاق المجال وأكمل غدا إن شاء الله.