إحدى أجمل مفاجآت الموسم السينمائى لعام 2011، العرض التجارى للفيلم الوثائقى المصرى «تحرير 2011 - الطيب والشرس والسياسى» الذى يوثق ّبطريقة قوية وذكية وساخرة لصفحات من ذاكرة ثورة يناير. يقدم الفيلم الذى يمكن اعتباره أيضا من أفضل أفلام 2011 ثلاثة وجوه للأيام التى هزت مصر من خلال ثلاثة أفلام متكاملة، كل فيلم يحاول أن يجيب عن تساؤل كما ينبغى لعمل تسجيلى ناضج، كل فيلم يمزج بين الرؤية الذاتية لمخرجه والمواد الوثائقية والشهادات الحية، وكل فيلم ينتصر للفن قبل أن ينتصر للميدان ليصبح لدينا فى النهاية تجربة ناضجة للغاية لا تشعر خلال مشاهدتها بلحظة ملل واحدة، وتمتلك بعد انتهائها صورة متعددة الأوجه لثورة شعب وغباء نظام. الجزء الأول أخرجه تامر عزت وعنوانه الطيب، سؤال هذا الجزء كيف ثار الشعب الطيب وقدم التضحيات طوال 18 يوما مع التركيز على ما حدث فى «دولة ميدان التحرير» التى أصبحت تمثل مصر الحقيقية الحرة. يعتمد هذا الجزء على مشاهد توثيقية مهمة لمواجهات 25 و28 يناير الدامية، وشهادات حية لعدة نماذج مثل متظاهرة، وطبيبة فى المستشفى الميدانى، ومصوّر عاد إلى وطنه ليوثق فوتوغرافّياً أحداث الثورة ومطرب الثورة رامى عصام، وشاب أصابته رصاصة مازال يحتفظ بها داخل جسده وشاب سجل تعليقات المتظاهرين على ورق أبيض.. إلخ، لا تقدم هذه الشهادات مرة واحدة ولكن بشكل متداخل عبر مونتاج رائع، ومن خلال مزج بين لقطات الثورة وتصوير نفس الشخصيات فى مكان الحدث بعد التنحى. هذا هو الجزء الأقوى والأكثر تأثيرا لدرجة أننى بكيت أثناء مشاهدته انهيارا لعظمة هذا الشعب، ربما كان هذا ينقص الجزء بعض اللقطات عما كان يجرى فى نفس الوقت فى الإسكندرية والسويس لاستكمال الصورة، وربما كانت تنقصه مشاهد مهمة للجان الشعبية لكنك فى النهاية أمام عمل متماسك ومبهر، الجزء الثانى بعنوان «الشرس» للمخرجة أيتن أمين وسؤاله حول كيف ولماذا انهارت الشرطة فى مواجهة المسيرة نحو التحرير، إنه الزاوية الأمنية التى تقدم شهادات مهمة لضابط فى الأمن المركزى والأمن العام وأمن الدولة، أحدهم وهو النقيب «مصطفى جمال» وافق على الظهور بوجهه وبزيه الرسمى، وتمتزج مع هذه الشهادات مشاهد مرسومة وكليبات للمظاهرات وللاقسام التى تم حرقها، معظم الكلام يدور حول المعاناة بين التعاطف مع المتظاهرين وأداء الواجب. ينقص هذا الجزء مناقشة الاختفاءالشامل للشرطة بعد يوم 28 يناير ولكن الفكرة نفسها مهمة وذكية وتستكمل أبعاد الصورة. أما الجزء الثالث وعنوانه «السياسى» للمخرج عمرو سلامة فهو الأكثر ظُرفا وسخرية إذ يحاول الإجابة عن أسباب تحوّل مبارك إلى ديكتاتور، يرصُد الفيلم من خلال شهادات ولقطات مصورّّّّّّة أقوال شخصيات مثل البرادعى ومصطفى الفقى ود. أحمد عكاشة والخطوط التى يقطعها الديكتاتور وصولا إلى نهايته. ربما كان يستحق هذا الجزء أن يحمل اسم «الغبى» لأنه لو كانت هناك سياسة وسياسى ما كانت هناك ثورة «تحرير 2011» عمل ناضج كبير وقوى ومؤثر ستزيد قيمته لأنه حافظ على ذاكرة الثورة.