بعد ثورة 25 يناير الماضى.. وبدء فتح ملفات الخصخصة فى عهد النظام السابق.. فوجئ الناس بأن حكوماته المتعاقبة قد فرّطت فى أصول مصر وأملاكها.. وباعتها بتراب الفلوس لمستثمرين غير جادين.. ويلعبون بالبيضة والحجر.. وأن البيع تم تحت دعوى إنقاذ هذه الشركات والمصانع من نزيف الخسائر السنوى الذى تتعرض له.. وأنه لا جدوى من بقاء النظام عليها! واستطاع بعض هؤلاء المستثمرين الضحك على «ذقون» وزراء حكومات مبارك المخلوع بشراء بعض هذه الشركات بالتقسيط المريح أو الدفع على الفاتورة.. وقاموا ببيع أجزاء من أراضيها.. والاقتراض من البنوك المصرية بضمان هذه الشركات بحجة أنها موجودة على الأرض المصرية ولم يهربوا بها.. وبدأت سياسة تسريح العمال خطوة خطوة بالترغيب أو الترهيب! *** وبكل صراحة كان نواب مجلس الشعب من المعارضة والمستقلين، وقليل من الأغلبية يحذرون من هذه السياسة الخطيرة التى يتبعها النظام السابق. وأذكر أن النواب خلال الفصول التشريعية السابع والثامن والتاسع كانوا يستخدمون كل أدوات الرقابة البرلمانية التى يتيحها لهم الدستور والقانون كالاستجوابات والأسئلة وطلبات الإحاطة فى التصدى لهذه السياسة الاقتصادية التى يتبعها النظام السابق بتجريف مصر من أصولها وأملاكها وبيعها للأجانب قطعة قطعة.. وأنهم يقضون على الأخضر واليابس فى مصر.. وأننا لم نجن من وراء هذه السياسة سوى رفع نسبة من يقضون أيامهم بالجلوس على المقاهى.. وإلى رفع أسعار السلع الأساسية والاستراتيجية نتيجة سياسة الاحتكار التى يتبعها بعض المستثمرين.. وعلى رأسها الحديد والأسمنت.. ورغم محاولات الحكومة التصدى للمحتكرين لكنهم كانوا يخرجون لنا ألسنتهم كل يوم! *** وأشهد أن حكومات النظام السابق من نهاية الثمانينات وحتى سقوط النظام كله فى 25 يناير الماضى كانت تشن حربا شرسة وضارية ضد شركات القطاع العام.. وكانت تضع أمامها العقبات والعثرات لتكبيلها بالديون.. وكان عاطف عبيد منذ كان وزيرا لقطاع الأعمال العام وحتى رئاسته للوزراء ومن ورائه مختار خطاب.. كانوا يضعون على رأس شركات القطاع العام كل القيادات الفاشلة والفاسدة التى تتولى إدارتها.. ويسمحون لهم بالسحب على المكشوف لتغطية العجز فى شركاتهم بدلا من البحث عن أسبابه.. ومحاولة تطوير هذه الشركات التى كانت فى يوم من الأيام من الشركات الرابحة. واستطاع عاطف عبيد ومكتبه الفنى التلاعب فى تقييم أصول هذه الشركات وتنفيذ خطة بيعها بكل براعة يحسدون عليها وأنهم خلال عشر سنوات فقط وبالتحديد فى الفترة من 1991 وحتى 2001 تم بيع 194 شركة بحوالى 17 مليار جنيه.. وبعد ثلاث سنوات انخفضت قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار إلى النصف وبالتالى انخفضت قيمة حصيلة البيع إلى 9 مليارات جنيه. وأذكر أن هذا الكلام قاله النائب د.إبراهيم الجعفرى فى استجوابه فى عام 2007 لوزير الاستثمار د.محمود محيى الدين. وأضاف أن بعض الأوساط الحكومية قدرت قيمة أصول القطاع العام بنحو 500 مليار جنيه، ولكن حكومات النظام السابق باعت نصف القطاع العام بنحو 25 مليار جنيه وأنها كانت تجفف منابع التمويل عن القطاع العام عن طريق وقف التسهيلات الائتمانية لإعسار هذه الشركات وهدمها.. وأن البيع يتم بثمن بخس وبيع الشركات الرابحة أولا.. وخنق باقى شركات القطاع العام حتى أنه فى عام 2003 حصلت هذه الشركات على 12% فقط من الائتمان المصرفى فى حين أن القطاع الخاص حصل على 76%.. وأنهم كانوا يضعون القطاع العام فى منافسة غير عادلة مع القطاع الخاص والأجنبى على حد تعبير النائب الجعفرى. وأشهد أن نواب التسعينيات كانوا أول من نهبوا إلى خطورة هذه الخصخصة على الاقتصاد المصرى وانعكاستها السلبية على المواطن.. وأذكر أن النائب القدير خالد محيى الدين رئيس حزب التجمع السابق حذر فى بيان عاجل له فى ديسمبر 1993 من توقف مصنع الحرير الصناعى بشركة إسكو بشبرا الخيمة بسبب تراكم المخزون من الإنتاج والاستيراد الأجنبى والسحب على المكشوف الذى وصل إلى 137 مليون جنيه بفائدة 4 ملايين جنيه شهريا.. وأن خسائر الشركة وصلت إلى 52 مليون جنيه.. وأن العمال لا يأخذون حوافزهم مما يؤدى إلى انخفاض الإنتاج وتزداد حياتهم صعوبة على حد قوله. واستمعت فى نفس الجلسة إلى النائب محمود الطويل وهو يحذر بكل انفعال من الأيادى الخفية التى كانت تسعى لتصفية الشركة العامة للبطاريات وتشريد 1300 عامل بها.. وأنها كانت من الشركات الناجحة تماما وكان إنتاجها يصدر إلى جميع أنحاء العالم، ولكن الشركة تعثرت بسبب وجود قيادات غير مؤهلة أدت بالشركة إلى هذا التعثر! ويبدو أن النائب الطويل كان يعلم ما سوف تتبعه الحكومات المتعاقبة فقال بالحرف الواحد: «إن ما يحدث هو بداية خطيرة جدا لشركات قطاع الأعمال أن تحاول تصفية هذه الشركات بطريقة متدرجة وأول هذه الشركات هى الشركة العامة للبطاريات.. وهى حاليا لا تعمل»! وقد حدث ما تنبأ به النائب محمود الطويل وتم تصفية مئات الشركات تحت دعوى الإصلاح الاقتصادى لها وبنفس السيناريو. *** ولكن ما هى بداية الخصخصة فى مصر التى أفصح عنها فؤاد سلطان وزير السياحة الأسبق فى عام 1988 فى جلسة شهيرة.. وأن مجلس الوزراء يوافق على هذه السياسة مما أثار النواب ود.رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب فى ذلك الوقت ضده وشنوا عليه هجوما حادا. نكشف عنه فى الخواطر القادمة إن شاء الله العلى القدير.