يبدو أن الرموز الانتخابية هى لعنة كل انتخابات تجرى فى مصر سواء قبل الثورة أو بعدها، فبعد أن انتهى عصر «الهلال والجمل» اللذين كانا بمثابة رموز «ملاكى» لرجال النظام السابق. ظهرت رموز أخرى من عينة «البصلة، المسمار، السرنجة، المسدس» لتضفى على الانتخابات البرلمانية جوا من الفكاهة والمرح، الذى تحول فى كثير من الدوائر إلى اعتراضات وتهديدات من قبل المرشحين بالانسحاب ومقاضاة اللجنة العليا للانتخابات. أزمة اخرى انفجرت فى وجه اللجنة العليا تمثلت فى اعتراض الاحزاب والتحالفات على عدم تخصيص رموز موحدة للحزب الواحد، بعدما قررت اللجنة ان يكون رمز مرشح القائمة مختلفًا عن رمز المرشح الفردى حتى لو كان الاثنان فىحزب او تحالف واحد، الامر الذى أكدت القوى السياسية انه يتسبب فى ابطال العملية الانتخابية وتذبذب الناخبين الذين اعتادوا على تحديد شعار واحد لكل حزب وليس اكثر من شعار. ولأن النسبة الاكبر للناخبين فى مصر اعتادوا على الرموز لاختيار المرشحين وذلك لكثرة «الأميين» بين الناخبين، فإن الرموز تمثل رمانة ميزان الانتخابات، كما انها من الممكن أن ترجح كافة مرشح على آخر، وتتسبب فى تشويه سمعة مرشح خاصة وإن كان الرمز غير مألوف مثلما حدث فى أوائل التسعينات واختارت اللجنة القائمة على إدارة الانتخابات البرلمانية آنذاك رمز «البيضة» لأحد المرشحين فى إمبابة والذى انسحب من الانتخابات وقام برفع دعوى تعويض ضد اللجنة ووزارة الداخلية وحكم القضاء لصالحه. ويعود تاريخ استخدام الرموز الانتخابية فى مصر إلى 1956، عندما صدر قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956، وألزمت فيه المادة 29 بضرورة أن يقترن اسم كل حزب أو مرشح برمز انتخابى يحدد بقرار من وزير الداخلية، وبالفعل حدد وزير الداخلية فى ذلك الوقت فقط 30 رمزا انتخابيا تماشيا مع قلة عدد المرشحين، بالدائرة الواحدة. إلا أنه مع زيادة عدد المرشحين أصدر وزير الداخلية قرارا فى عام 1984 بزيادة الرموز الانتخابية إلى 100 رمز، ووصلت اليوم إلى 149 رمزا انتخابيا. وتعتبر مصر من الدول القليلة التى لاتزال تستخدم الرموز الانتخابية، لانتشار الأمية، مع الرغبة فى توسيع قاعدة المشاركة فى الانتخابات، حيث يسهل الرمز على المواطنين تمييز المرشح الذى يرغبون فى التصويت لصالحه. من جانبها حاولت الأحزاب والائتلافات قدر الامكان الربط بين اسمها والرمز الذى تريده، ونجح بعضها فعلا فى الربط، وحصل حزب الحرية والعدالة -الذراع السياسى لجماعة الاخوان المسلمين- على رمز الميزان، وحزب النور السلفى على الفانوس وائتلاف الثورة مستمرة على الهرم، وحزب السلام الاجتماعى على الحمامة وحزب الخضر على زهرة اللوتس، ونال الحزب العربى للعدالة والمساواة رمز الصقر، وحزب الاتحاد رمز الكتاب المفتوح. إلا أن الأحزاب الأخرى بجانب بعض المرشحين المستقلين اعتمدت اللجنة العليا للانتخابات لهم رموزا غريبة ، بعضها يثير الضحك، فاعتمدت اللجنة لهم نظرا لحاجتها رموز «البصلة، مضرب التنس ، خلاط، الكرافتة، الفستان الحريمى الجاكيت، البنطلون الذى حوى رقعا ظاهرة، سيارة الاسعاف وميكروويف، جيتار، آلة كمان، مدفأة، سى دى، سرنجة، ماكينة الطباعة، الفاكس، المروحة، السكينة، والجرس والشمسية وفنجان الشاى والمكواة. كما حصل حزب الثورة المصرية على فأس، ومصر القومى على صاروخ، والمواطن المصرى على كف». الانسحاب من الانتخابات أزمة اخرى يمكن ان تتسبب هى أيضا فى انسحاب أقوى الاحزاب من مارثون الانتخابات، بعدما رفضت اللجنة العليا للانتخابات طلب حزب الوفد بتوحيد رموز مرشحيها فى نظامى القائمة والفردى، وهدد الحزب بتصعيد يصل إلى حد الانسحاب من الانتخابات. وأكد حسام الخولى رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات بحزب الوفد، أن رفض المستشار عبد المعز ابراهيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات، للطلب المقدم من الحزب بشأن توحيد رموز مرشحيه، بعدما أقرت اللجنة العليا للانتخابات رمز «النخلة» لمرشحى قائمة حزب الوفد، فى حين حصل كل مرشحى الفردى للحزب على رموز فردية لكل مرشح، سوف يتسبب فى ازمة حقيقية فى الانتخابات المقبلة. وأوضح الخولى أن الحزب كان يريد توحيد رمزه فى القائمة والفردى، حتى لا تحدث «بلبلبة» للناخب داخل اللجان، خاصة اذا كان هناك 30% من الناخبين لا يقرأون ولا يكتبون. مؤكدا أن عدم توحيد الرموز سيؤدى الى إحداث نوع من البلبلة لدى الناخب، خاصة مع اتساع الدوائر، مما يمثل كارثة على جميع الأحزاب وليس حزب الوفد فقط. وأضاف الخولى أن رئيس اللجنة بررَ رفض طلب الحزب بعدم قانونية الطلب، مشيرا الى أن إصرار اللجنة العليا للانتخابات على عدم توحيد رموز المرشحين للحزب الواحد يعوق إجراء الانتخابات. فيما هددت أحزاب «الكتلة المصرية» بمقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة، ردا على رفض اللجنة العليا للانتخابات توحيد الرمز الانتخابى لها. وناشد ممثلو الكتلة الذى يضم «التجمع» و«المصريين الأحرار» و«المصرى الديمقراطى الاجتماعى» كلا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومة الدكتور عصام شرف بالتدخل، وذلك بعد أن أخفقوا فى مقابلة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات، وأكدوا أنه فى حال إصرار اللجنة العليا للانتخابات على حرمان الكتلة من حقها المشروع فى رمز انتخابى واحد فى كل مراحل العملية الانتخابية، فإن «الكتلة» قد لا تجد بديلا إلا إعادة تقييم موقفها من المشاركة فى انتخابات يسود إجراءاتها «التعسف والتحكم»على حد تعبيرها. وفى نفس السياق رفض مرشحو الشرقية الرموز الانتخابية التى حصلوا عليها بعد إعلان اللجنة العليا الكشوف النهائية للمرشحين خاصة الرموز التى لاقت رفضا من قبل بعضهم مثل (البصلة والونش والتمساح والترس والسرنجة وشبكة كرة القدم وخلاط السوائل والشوكة والريشة وشريط الكاسيت)، الأمر ذاته تكرر فى محافظة البحر الأحمر بعدما طعن المرشحون على رموزهم الانتخابية حيث تقدم محمد منصور محمد المرشح لمجلس الشعب فئات بطلب لتغيير الرمز الانتخابى من «رمز الخاتم» إلى رمز «الاتوبيس» كما تقدم عبد الباسط محمد حسن المرشح لمجلس الشورى عمال بطلب لتغيير رمز «البصلة» ليصبح «الونش»، ومحمد أبوبكر مرشح الشعب من مكنسة كهربائية إلى «عصا»، ومحمود منصور مرشح الشعب من «ثمرة التفاح» إلى سيارة . وحول أزمة الرموز قال المستشار يسرى عبد الكريم رئيس المكتب الفنى والمتابعة وعضو الأمانة العامة للجنة العليا للانتخابات، السبب يرجع إلى الكثرة غير المسبوقة للمرشحين ولذلك تم إضافة 101 رمز انتخابى جديد إلى جدول الرموز الانتخابية ليصبح عددها 250 رمزا انتخابيا، بدلا من 149 رمزا، كما تم توزيع 35 رمزا على القوائم الحزبية والتحالفات المختلفة إلى جانب توزيع 215 رمزا على المرشحين الفرديين،كما قامت اللجنة ايضا باستحداث 26 رمزا انتخابيا جديدا لتوزيعها على 26 حزبا وائتلافا سياسيا من الذين لم يختاروا رموزهم بعد. وأضاف عبدالكريم أن اللجنة على مدار أكثر من إجتماع بحثت أفضل الرموز مع استبعاد الحيوانات لعدم الاساءة للمرشحين. كما قررت من قبل مد فترة الحصول على الرموز الانتخابية للأحزاب لمدة يومين وذلك لعدم الاختلاف على أحقية الرموز او غيرها من المشاكل التى تظهر اثناء الانتخابات موضحا أن هذا القرار كان خاصًا بالأحزاب لمنحهم الفرصة للحصول على الرموز الخاصة بهما. وأشار إلى أن اللجنة العليا للانتخابات أرسلت خطابات للجان الانتخابية الفرعية بالمحافظات طالبتها فيها بتخصيص الرموز الانتخابية للذين لم تخصص لهم وفقا لأسبقية تقديم طلب الترشيح، إلى جانب النظر فى طلبات تغير الرموز، وكان يحق لأى مرشح طلب تغيير الرمز المخصص له خلال ثلاثة أيام من تاريخ تخصيص الرمز له وذلك من خلال تقديم طلب كتابى بذلك بشرط أن يكون الرمز الجديد غير مخصص لآخر وسوف يترتب عليه تغيير موقع المرشح ببطاقة إبداء الرأى وفقا للتسلسل الوارد بجدول الرموز الانتخابية. رموز ثورية من جانبه انتقد المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادى القضاة السابق الرموز الانتخابية التى تم تحديدها للمرشحين، مؤكدًا أن هذه الشعارات يجب ألا تسىء للمرشح وأنصاره، ويجب على اللجان المكلفة بإدارة الانتخابات أن تختار رموزا تعبر عن المرحلة الثورية الراهنة، ولا تهدف إلى الإيقاع بين المرشحين واللجنة المشرفة على الاقتراع التى اختارت الرموز . وأكد عبدالعزيز أن من حق أى مرشح رفع دعوى قضائية ضد اللجنة العليا للانتخابات اذا اختارت اللجنة له رمزا أساء لسمعته بين انصاره وتسبب فى تدهور شعبيته بين ابناء دائرته، مشيرا الى أن القانون يحفظ التعويض المناسب لأى مرشح تتم الإساءة له أو تشويه صورته، مثلما حدث مع أحد المرشحين فى التسعينات حيث قام برفع دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية وحصل على تعويض لإساءة الحكومة له ولأسرته بسبب منحه رمزا تسبب فى تدهور شعبيته والسخرية منه ومن عائلته . فيما انتقد الدكتور محمود خليل، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة طريقة اختيار الرموز الانتخابية والتى تسببت فى أزمة بين المرشحين، كما أساءت إلى شعبية بعضهم فى الدوائر الانتخابية، مضيفا أن البلبلة الحاصلة سوف تتسبب أيضا فى صعوبة اختيار المرشحين خاصة وان الناخبين اعتادوا على أن كل حزب له شعار موحد على عكس ما يحدث حاليا. وتابع خليل الرموز يجمعها وصف واحد وهو سوق الخضار، وجميعها دال على سلع لا تتوافر إلا فى الأسواق، مشيرا إلى أن هذه الرموز بمثابة مؤشر يؤكد نية القائمين على تدبير الأمور فى البلاد، على أن يكون مجلس الشعب القادم عبارة عن سوق خضار، الكل ينادى على سلعته. وقال الدكتور وحيد عبد المجيد المنسق العام للتحالف الديمقراطى، إن أزمة الرموز مع اللجنة العليا للانتخابات لن تؤدى ببعض الاحزاب الى الانسحاب، مؤكدا انها أزمة عابرة ومن السهل حلها، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أن الرموز تتسبب منذ العمل بها فى الخمسينات فى أزمة، حيث يرفض البعض الرمز الذى اختارته له اللجان القائمة على ادارة العملية الانتخابية، ومن ثم فإن الانتقادات التى تخرج دائما ضد هذه اللجان نسبية، فضلا عن أنه يسهل حلها. وقال عبد المجيد إنه من الصعب إلغاء العمل بالرموز خاصة وان المجتمع يعيش بداخله نسبة كبيرة جدا من الأميين أو الذين لايجيدون القراءة و الكتابة، ومن ثم فإن الرموز تمثل لهم طريقة سهلة وبسيطة لاختيار المرشحين. وأشار إلى أن التحالف تقدم بطلب لتكون رموز القوائم الخاصة به بالترتيب الميزان، العلم، الشعلة، وذلك لعدم إحداث بلبلة من البداية مع اللجنة، مفسرا تعطيل تسليم الرموز الانتخابية بحرص اللجنة العليا للانتخابات على تأخيرها حتى تكون مواكبة مع فتح باب الدعاية الانتخابية، وذلك حتى لا يقوم بعض المرشحين ببدء الدعاية مبكرا.