لم يترك أنيس منصور شيئا عن نفسه إلا كتبه فى حياته، ولذلك فمن الصعب أن تجد شيئا جديدا تقوله أو تكتبه عنه، فقد كان يتنفس كتابة، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة عن عاداته أو اهتماماته أو قراءاته أو علاقاته بالرؤساء والأدباء العالميين والمحليين إلا وكتبها. وعن علاقته بالفن والفنانين، تحدث الأديب والصحفى الكبير الراحل فى أكثر من برنامج إذاعى وتليفزيونى وحوار صحفى عن هوايته للغناء، ولقائه الشهير بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وإصراره على الغناء أمامه، ورد فعل عبد الوهاب المجامل، وإشادته بصوته، لدرجة أنه فكر أن يترك الجامعة والصحافة ويحترف الغناء. وحكى أيضا عن مغامراته فى الغناء فى أفراح الأصدقاء، مقابل بعض المال، وكيف طرده المعازيم وضربوه لرداءة صوته، وهى رواية تذكرنا بحكاية تكاد تكون متطابقة مع رواية شبيهة حكاها العبقرى الراحل د.مصطفى محمود عن نفسه، حين قال إنه كان يغنى ويعزف على الطبلة فى الأفراح، عندما كان ما?يزال طالبا فى كلية الطب. والفحوى أن كلاً من هؤلاء العمالقة، كان يحمل فى داخله عقل مفكر وروح فنان تلهمه، وتجعله يترك كل شئ ويجرب نفسه فى الإبداع الفنى، وهكذا قدم لنا العقاد روايته الوحيدة التى لم تتحول بعد إلى فيلم أو مسلسل، وكتب طه حسين رواياته الخالدة الاجتماعية والدينية التى تحولت جميعها تقريبا إلى أعمال فنية، وخاض مصطفى محمود هو الآخر تجربة الكتابة الدرامية من المسرح إلى التليفزيون وحتى السينما، وهو نفس ما فعله أنيس منصور، الذى كان أقلهم حظا مع السينما، حيث لم يتحول أى عمل له إلى فيلم، وأكثرهم توفيقا فى التليفزيون، حيث حققت رواياته وأعماله القصصية التى تحولت إلى مسلسلات نجاحا كبيرا، وخصوصا مسلسلى «من الذى لا يحب فاطمة»، و«غاضبون وغاضبات»، فيما لم يقدم له المسرح سوى عمل واحد هو «حلمك يا شيخ علام» بطولة نجم الكوميديا الراحل أمين الهنيدى. أما ما لا يعرفه الكثيرون عن أنيس منصور، فهو أنه كان أيضا ناقدا فنيا من الطراز الرفيع، ومقالاته فى نقد وتحليل بعض الأعمال والظواهر الفنية، والموجودة فى عدد من كتبه، تستحق أن تقرأ وتدرسّ. لقد كان الراحل المبدع موسوعة ثقافية وفكرية وفنية وصحفية وإنسانية متحركة على قدمين، وكان صحفيا يهوى الأدب، أو أديبا يحترف الصحافة، كما قال لسيدة الشرق أم كلثوم، معرفا نفسه، فى حوار له معها..أما أصدق ما قيل فى وصفه، فهو ما قاله لنا الكاتب الصحفى الراحل صلاح الدين حافظ، حين كان يدرس لنا المقال الصحفى بكلية الإعلام..وقال عن عمود أنيس «مواقف»..أنت تستطيع أن تختلف معه، لكنك لا تستطيع أبدا أن تتخطاه أو تتجاهله أو تمنع نفسك من قراءته.