كشفنا فى الخواطر الماضية أن حكم مصر آل إلى الرئيس المخلوع مبارك بعد اغتيال السادات فى أكتوبر 1981.. وأن مبارك لم يكن يحلم فى يوم من الأيام بهذا الشرف العظيم.. وأن أقصى أمانيه كانت أن يكون سفيرا فى دولة أوروبية أو رئيسا لشركة مصر للطيران.. ولكن الأقدار كانت أقوى من الجميع أن يكون محمد حسنى السيد مبارك رئيسا لمصر بعد السادات وجمال عبدالناصر.. ولله الأمر من قبل ومن بعد. وبدأ مبارك حكمه بالإعلان عن أنه سوف يتصدى للفساد والفوضى أو الخروج على القانون.. وكانت أولى قراراته هى تحويل بعض أقارب الرئيس السادات إلى محكمة القيم للتحقيق معهم فى مصادر أموالهم وثرواتهم التى تضخمت بصورة غير طبيعية.. واستغلال نفوذهم فى تكوين هذه الثروة! وبعد عدة أشهر من بداية حكمه قال مبارك قولته الشهيرة «الكفن.. مالوش جيوب».. دليل على طهارة يده وقناعته وزهده فى الحكم.. ولكن أثبتت الأيام والسنون أن كفن مبارك وأبنائه ورجال عصابته كان له ألف جيب.. تمتلأ جميعا بملايين الجنيهات والدولارات استحلها هو وعصابته من دم الشعب الغلبان الذى كان ومازال يتقاتل من أجل كسرة خبز! وأنا هنا استشهد بما قاله أستاذنا الكبير أنيس منصور- شفاه الله وعفاه- فى مقاله الذى نشره فى جريدة (الشرق الأوسط) فى 29 مارس 2011 باعتباره أحد شهود عصر السادات ومبارك. يقول الأستاذ أنيس: إن مبارك قال له «إنه عنده مليارات من الجنيهات.. وعندما تتورط الحكومة.. فإننى أخرج لها حبة فلوس». وأضاف فى الحوار الصحفى الذى أجراه معه الزميل مجدى عفيفى فى جريدة (أخبار اليوم) فى نهاية أبريل الماضى: أن مبارك لم يكن زعيما وورث ثروة مصر بدون أى مجهود.. مثله مثل واحد يجلس بجوار سائق تاكسى.. وفجأة ضرب هذا السائق بالنار فأخذ مكانه! لقد تسلم مصر جاهزة فلم يقل شيئا ولم يفعل شيئا.. فقط رفع العلم على طابا.. وأشهد أن حكاية الضربة الجوية لم يكن له فيها دور.. فقد كانت طلعة جوية عادية.. «مافيش حاجة اسمها الضربة الجوية».. وقد سأله فى مؤتمر صحفى عالمى صحفى إسرائيلى أنه لم يسمع أحد عن هذه الضربة وطلب منه معلومات عنها؟!. فأجابه: بعدين ح تسمع! وكانت هذه هى حقيقة الرئيس السابق المخلوع كما قالها أستاذنا أنيس منصور عن مبارك الذى جثم على صدورنا 30 عاما هو وعصابته! *** وعلى الجانب الآخر استكمل مجلس الشعب الذى عاصر اغتيال السادات فى أكتوبر 1981 فترته الدستورية حتى 4 مارس 1984.. وقد شهدت هذه المدة أيضا تولى د. كامل ليلة رئاسة المجلس خلفا للدكتور صوفى أبو طالب اعتبارا من يوليو 1983 وحتى نهاية الفصل التشريعى.. وكانت أقصر مدة يتولى فيها رئيس مجلس الشعب الرئاسة. وأذكر أن هذا المجلس قد أصدر قانون الانتخابات بالقائمة الحزبية رقم 14 لسنة 1983 واستبعد فيه المستقلين من الترشيح حرصا على سيطرة الحزب الوطنى على مقاعد البرلمان. وقد أجريت أول انتخابات تشريعية فى عهد الرئيس السابق فى مايو 1984 بنظام القائمة الحزبية كبديل للنظام الفردى.. وتم تقسيم الجمهورية إلى 48 دائرة انتخابية لانتخاب 448 عضوا، بالإضافة إلى عشرة أعضاء يعنيهم رئيس الجمهورية، كما حدد القانون 31 دائرة خصص لكل منها مقعدا إضافيا للمرأة. وفى هذه الانتخابات احتل الحزب الوطنى المنحل مقاعد الأغلبية، بينما احتل فيها تحالف الوفد والإخوان المسلمين 57 مقعدا. *** وتولى رئاسة هذا المجلس د. رفعت المحجوب الذى كان من ضمن العشرة المعينين وكانت هذه سابقة برلمانية أن يتولى رئاسة مجلس الشعب عضو معين وليس منتخبا.. وكان د. المحجوب الأمين العام السابق للاتحاد الاشتراكى.. وكان صاحب تعبير «القطط السمان» والذى أطلقه على أصحاب الملايين الذين تضخمت ثرواتهم.. وأصبحوا كالقطط التى تأكل قوت الشعب. وكان المحجوب صاحب اقتراح تغيير اسم المنابر إلى تنظيمات وأن يكون أعضاء هذه التنظيمات أعضاء فى الاتحاد الاشتراكى، وذلك أثناء مناقشات تطوير الاتحاد الاشتراكى والاتجاه أن تكون داخل هذا التنظيم الواحد تنظيمات متعددة.. وذلك قبل أن تتحول هذه التنظيمات إلى أحزاب فى عام 1976. وأذكر أن د. المحجوب جلس على منصة مجلس الشعب لأول مرة فى 23 يوليو 1984 واستمر هذا الفصل التشريعى الرابع حتى 13 ديسمبر 1987.. أى أن هذا الفصل التشريعى لم يستكمل مدته الدستورية بسبب حل هذا المجلس بسبب حكم المحكمة الدستورية العليا الذى صدر فى عام 1986 والذى أكد فيه بطلان الانتخابات التى جرت فى عام 1984 لأنها أهدرت مبدأ المساواة الذى نص عليه دستور 1971 فى المادة (40) حيث إن نظام الانتخاب بالقائمة أهدر حق المستقلين فى الترشح، وقد دعا الرئيس السابق مبارك إلى استفتاء لحل مجلس الشعب فى فبراير 1986.. كما أصدر القانون رقم 188 لسنة 1986.. وقام فيه بتعديل نظام الانتخاب ليجمع بين القائمة والفردى. وقد جرت انتخابات 1987 وفقا لهذا النظام الجديد المعدل.. وأذكر أن هذه الانتخابات قد شهدت نجاح أكبر عدد من أحزاب المعارضة لدخول مجلس الشعب.. واحتل الحزب الوطنى المنحل مقاعد الأغلبية بعد انضمام عدد كبير من المستقلين له. *** .. ولكن ما هى أهم الأحداث والملامح التى يتميز بها برلمانى 1984 و1987 والتى رأسهما د. رفعت المحجوب قبل اغتياله فى نهاية 1990.. وهذا ما سنتعرض له فى الخواطر القادمة إن شاء الله تعالى.