أشرنا فى الخواطر الماضية إلى التعديلات الدستورية الأولى التى تمت على دستور 1971.. ووافق عليها مجلس الشعب فى فصله التشريعى الثالث (1979 -1984) وأوضحنا أن أهم هذه التعديلات هو تعديل المادة (77) التى أطلقت مدد منصب رئاسة الجمهورية بعد أن كانت تنص على أنه يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة تالية ومتصلة. ورغم أن السادات صاحب هذا الاقتراح.. لكن للأسف الشديد لم يستفد من هذا التعديل.. ولم يمهله القدر للاستفادة من هذه المادة.. فبعد 16 شهرا تم اغتياله فى السادس من أكتوبر 1981. وأحسب أن هذا التعديل كان أعظم هدية قدمها الرئيس السادات لنائبه حسنى مبارك واستطاع استغلال هذا التعديل فى حكم مصر من أكتوبر 1981 حتى تنحيه فى 11 فبراير 2011 بعد قيام ثورة 25 يناير العظيمة. أما التعديل الأهم أيضا للدستور الدائم فكان للمادة الثانية والتى أكدت على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع بعد أن كان النص قبل تعديله: «..... ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسى للتشريع». وأذكر أن الرئيس السادات رغم أنه كان يؤكد مع كل فتنة طائفية أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة.. لكنه لم يكن يسمح بالتجاوز بين عنصرى الأمة.. لأننا جميعا نسيج واحد ونعيش على أرض مصر منذ آلاف السنين. *** وفى نفس الوقت كانت الجماعات الإسلامية لا ترضى عن شعار السادات الذى كان يردده دائما أنه لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة.. وكانت قيادات هذه الجماعات الإسلامية ترفض هذا الشعار وتهاجمه بكل ضراوة وقوة.. وقررت فى النهاية أن يكون اغتيال السادات هو الحل. وسط جنوده وضباطه فى ظهر 6 أكتوبر قبل 30 عاما. وأذكر أن المهندس سيد مرعى رئيس مجلس الشعب الأسبق والبرلمانى القدير قد أصيب أثناء حادث الاغتيال فى المنصة فى فخذه الأيمن برصاصة غادرة وترتب على هذه الإصابة تهتك شديد فى عضلات الفخذ، واستمر علاجه لمدة سنة كاملة. وقد اعتزل العمل السياسى من يومها حتى فاضت روحه الكريمة إلى بارئها فى 22 أكتوبر 1993 بعد حياة حافلة بالعمل السياسى والبرلمانى والزراعى على مدى 36 عاما، قدم فيها كل العطاء والجهد لمصر.. رحمه الله وأسكنه جنات النعيم. عموما فإن أيام السادات الأخيرة كانت أياما عصيبة على مصر.. وتوترت علاقته مع كل قوى المعارضة ووصلت إلى الحد أن يصدر أوامره لنبوى إسماعيل وزير الداخلية فى ذلك الوقت فى 5 سبتمبر 1981 باعتقال أكثر من 1500 معارض من كل القوى السياسية والحزبية.. وكانت هذه الاعتقالات أحد أخطاء السادات التى لم تغفرها له كل هذه القوى المعارضة حتى اليوم! وقد وصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل هذه الأيام العصيبة من تاريخ مصر بكل دقة فى كتابه «خريف الغضب» واقتص من الرئيس السادات عندما تعرض لسيرته الذاتية! وبعد حادث الاغتيال تولى د. صوفى أبو طالب رئيس مجلس الشعب الأسبق رئاسة الجمهورية لمدة ثمانية أيام من 6 إلى 14 أكتوبر 1981 طبقا لنص الدستور.. وأذكر أنه قال للمحررين البرلمانيين فى إحدى محاضراته فى يناير 1995 إنه سلم الرئاسة إلى حسنى مبارك بكل هدوء.. وطبعا هذه العبارة كانت لها مغزى كبير عندنا! *** وبعد أن تولى الرئيس المخلوع حكم مصر - الذى لم يكن يحلم فى يوم من الأيام بهذا الشرف العظيم.. حيث كانت أقصى أحلامه أن يكون سفيرا فى أوروبا أو رئيسا لشركة مصر للطيران- شرع فى الإفراج عن كل المعارضين الذين سجنهم السادات واستقبلهم فى أول نوفمبر 1981 بقصر الرئاسة وأجرى معهم حوارا وديا. وبدأ مبارك وكأن مصر سوف تدخل مرحلة سياسية جديدة.. فقد كانت كل العلاقات «المصرية- العربية» شبه مقطوعة بسبب كامب ديفيد ومعاهدة السلام والمشكلات الاقتصادية تحيطنا من كل مكان. ورغم أن كل الأصوات المعارضة فى أحزاب العمل والتجمع والوفد والأحرار كانت تطالب بأن يكون الرئيس رئيسا لكل المصريين بعيدا عن الأحزاب.. لكنه قبل رئاسة الحزب الوطنى فى نهاية فبراير 1982.. وأصبح د. فؤاد محيى الدين أمينا عاما، بالإضافة إلى اختياره رئيسا للوزراء.. وأبقى المخلوع كل رجال الحزب الوطنى فى مواقعهم كما كانوا أيام السادات.. وأعطى كل الاطمئنان لأعضاء مجلسى الشعب والشورى أنهم باقون وأنه لا يرى داعيا إطلاقا لانتخابات جديدة -على حد تعبيره- فهو يسعى للاستقرار والتهدئة.. وأن التغيير سيتم كلما اقتضته الظروف وبعد دراسته جيدا. وأذكر أول خطاب فى مجلس الشعب قال فيه بالحرف الواحد: «لن أقطع على نفسى عهدا لا أستطيع تنفيذه ولن أخفى الحقيقة عن الشعب ولن أتهاون مع الفساد والفوضى وانتهاك القانون». *** ومرت السنون.. وتغير الحال.. وأصبح الكفن له جيوب عند مبارك وأسرته وعصابته.. وسنواصل كشف الحقائق فى الخواطر القادمة إن شاء العلى القدير.