حوارية لا تنقطع وديالوج ذاخر تتجه إيقاعاته نحو إنسيابية مفرطة تطرح عمق الاختلاف الهادر وقشور ذلك التوافق السطحى الطفيف فى تلك البانوراما التاريخية المتألقة بين الغرب والشرق باعتبارها الركيزة الكبرى التى تنطلق منها حمم القضايا وينهض الباحثون لمناطحتها إنصافا وغبنا. .. ولقد مثل تقرير «غالوب» مجددا أطيافا من تلك العلاقة حين أثار تلك القضية ذات الحساسيات الخاصة والتى استقرت سلبيات مشاهدها فى العقل العربى والغربى على السواء، وهى قضية الاسلام والغرب ليس على مستوى التأصيل والمنهجة وإنما على صعيد الاستبيانات والأرقام والنسب الدالة على معان جديدة فى إطار التصورات المعاصرة لأطوار تلك العلاقة والمشيرة إلى تصاعد نسبة القبول لأن تكون للولايات المتحدة أحقية القيادة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط ولعل ذلك بجانب المصداقية وبشكل صارخ إذ كيف للولايات المتحدة وهى تنفق المليارات حفاظا على سمعتها وكرامتها بل وتبذل من الجهود والمساعى الدءوبة نحو محو تلك البشاعة والكراهية المقيتة القابعة فى ذهنية الشعوب العربية والاسلامية، بينما تكون النتيجة متناقضة تناقضا حادا مع تلك المقدمة القاتمة ذات الآثار والتفصيلات والمدى الزمنى المستغرق وهو ما لا يسمح بالطبع حتى بالقبول النسبى، فضلا عن القبول المطلق باعتباره أمراً غير منطقى يحال استساغته على الصعيد السياسى والمعرفى والسيكولوجى أيضا. وإذا كان العالم العربى والإسلامى قد توسم سذاجة أن تغير الولاياتالمتحدة مسارات سياساتها الخارجية وتوجهاتها الاستراتيجية وطابعها الثقافى تجاهه إثر مجىء أوباما، فان أوباما بذاته لم يحد عن تلك المسارات القديمة المكرسة لجوهر الشخصية الأمريكية فى نزعاتها السادية الممددة عبر ماضيها القريب والبعيد أيضا. ولقد خاض تقرير «غالوب» نحو منحى آخر يرتبط بتشخيص طبيعة الصراع هل هو دينى أم ثقافى أم سياسى؟ غير متطرق للبعد الاقتصادى، بينما لهذا الصراع ذاتية متفردة إذ تكتمل وتتشابك فيه كافة مفردات الصراع بالشكل والطريقة التى تجعله صراعا أبديا مستحكما تفشل كل النظريات والأفكار والرؤى فى تقديم مقترحات تحول دائما بين الاقتراب من لحظات الانفجار العام، وذلك عكس ما تسعى إليه كافة السياسات الغربية سعيا حثيثا وإن كانت تظهر دائما تلك الأقنعة السحرية الجذابة الباحثة عبثا عن وجه العدالة الإنسانية وتعتقلها فى ذات الآن. وقد سرد التقرير فكرة اختراق الشفرات الخاصة بين الشرق والغرب مسجلا نواة استراتيجية تقليدية تكمن فى تحريك ميكانيزمات التفاعل والتواصل والاندماج، ولكن دون سرد أسس هذا التفاعل وطبيعة المنطق الذى تبنى عليه تلك الأسس. ولقد طرح الكاتب الأمريكى «جراهام فوللر» الجدليات المزدوجة لتلك الإشكالية متمثلة فى المعضلات التى يفرضها العالم الاسلامى على الغرب على غرار: الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، الهجرة والتلاحم الاجتماعى، القومية والصراع العرقى، علاقات الشمال والجنوب «الأغنياء والفقراء»، عدم استقرار العالم الإسلامى كخطر على النظام العالمى، وكذلك العامل الإسلامى فى الأمن الأوروبى، انتشار الأسلحة والتوازن العسكرى بين الشمال والجنوب، وعلى العكس من ذلك طرح أيضا تلك المعضلات التى يفرضها الغرب على العالم الإسلامى على مستوى الضغوط السياسية، الخلافات الاقتصادية، المجتمعات المحلية الإسلامية فى الخارج. ولعل كل ذلك إنما يستفز بروز العديد من التساؤلات مثل:هل يعمل الغرب فى لحظته الآنية على احتواء ذلك الصراع الأيديولوجى والحضارى تخفيفا لوطأته التاريخية؟ وما هى الفاعليات التى تدعو الغرب نحو ذلك؟ وهل تفرض اللحظة الحضارية التى يحياها الإنسان المعاصر ضرورات نسف جذور الصراع أملا فى شيوع مفهوم الوحدة الإنسانية؟ ولماذا يصر الغرب على ترسيخ مفهوم صراع الحضارات بكافة الوسائل والسبل بينما يطرح الشرق العربى مفهومات الحوار الثقافى والحضارى؟ وهل بلغ الصراع شأوا يحاول تجاوزه والدخول لدوائر الارتقاء الكونى؟ وهل للشرق العربى أن يعمل قدر ما يستطيع على تفويت فرص الصدام والاحتدام؟ وهل لهذا الشرق أن يتوجه نحو مسارات الصعود الحضارى بالشكل الذى لا يجعل نتائج الصراع محسومة دائما لصالح الغرب؟ ألا تفكر الكتلة الغربية مستقبلا فى ذلك المدى الزمنى المنتظر استغراقه فى وضع الخطط والاستراتيجيات استكمالا لمسيرة الصراع؟ وهل تتسق جذور الصراع وأسبابه مع ذلك المدى الزمنى المستقبلى؟ إن تقرير «غالوب» وعلى إجماله لم يطرح تصورا جديدا عن الصراع المستحكم بين الغرب والشرق أو بين الغرب والإسلام حتى فى إطار الحساسيات المستحدثة والتى جعلت الغرب يتخذه كذريعة إدانة انطلاقا من اقترانه كهوية دينية بذلك الإرهاب الأسود، من ثم لم يهدأ ذلك الصخب الغربى على تأكيد تلك العلاقة الشوهاء التى لم تكن محل نظر واعتبار بمثل ما صارت فى أزمنة ما بعد الحداثة وما بعد المعلوماتية وما بعد التاريخ هى قضية القضايا لكنها بالفعل كانت المشيرة الى مدى التأزم والكبت السياسى للعقل الغربى.