وسط حالة من الزخم الشعبى والسياسى حول مستقبل العلاقات المصرية – الإسرائيلية اتساقا مع تلك الأحداث الاخيرة ظهرت مطالبات عديدة تراوحت ما بين إلغاء معاهدة السلام المبرمة فى 26 مارس 1979 وإعادة النظر فى تلك المعاهدة والعمل على تعديلها وما بين قطع وإنهاء كل العلاقات مع إسرائيل وتخفيض التمثيل الدبلوماسي ومراجعة الاتفاقيات التجارية.. ومن هنا سارع المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية لعقد مؤتمر فى هذه المرحلة الحساسة داعيا مجموعة من كبار العلماء والمتخصصين لإعادة قراءة العلاقات المصرية – الإسرائيلية فى ظل المتغيرات الإقليمية الحادة . بداية أكد اللواء محسن حمدى - عضو مفاوضات السلام بواشنطن ورئيس اللجنة العسكرية السابق للإشراف واستلام سيناء من إسرائيل - أنه لا توجد بنود سرية فى اتفاقية كامب ديفيد وأن إسرائيل لم تفرض على مصر أى ترتيبات أمنية، مشيرا إلى أن السلطات المصرية هى التى قررت حجم القوات فى سيناء,و إن ما يتردد كثيرا هذه الأيام حول القوى الدولية الموجودة على الممرات فى سيناء الآن وسيطرتهاعلى سيناء هذا الكلام غير صحيح، مؤكدا أنها قوة مراقبة وإبلاغ وليست قوة قتالية ومصر قامت بتحديد مهامها وتقوم وزارة الدفاع ممثلة فى جهاز الاتصال المنصوص عليه بالمعاهدة بالإشراف على كافة أمور هذه القوات ومراقبة تصرفاتها بالرغم من أن إسرائيل ضغطت على الأمريكان لزيادة مهام هذه القوات وبالتالى هذة القوات ليس لها أى دور آخر فى سيناء. ومن جانبه أكد اللواء أحمد فخر رئيس مجلس أمناء المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية - خلال المؤتمر أن العلاقات المصرية الإسرائيلية تمر بأزمة فى الوقت الراهن، معتبرا أن حل هذه الأزمة يتوقف على تصرفات أطرافها والضغوط المحلية والخارجية التى تمارس عليها.موضحا أن هذه الضغوط ستدفع الأزمة الحالية إلى اتجاه تأكيد السلام أو إلى الاتجاه المعاكس. واكد السفير نبيل فهمي- سفير مصر بالولاياتالمتحدةالأمريكية سابقاً - إن العلاقات المصرية الإسرائيلية اختلفت بعد ثورة 25 يناير؛ فهناك متغيرات كثيرة جدت فى منطقة الشرق الأوسط قد تدعو إسرائيل الى التفكير فى التعامل ليس فقط مع حكومات الدول والأنظمة الحاكمة بل تبدأ فى التعامل أيضاً مع الشعوب خاصة بعد رد فعل الشارع المصرى بعد الأحداث الأخيرة التى وقعت على الحدود المصرية والتى أسفر عنها استشهاد بعض المصريين على الحدود. وأشار السفيرالى معاهدة السلام المصرية إسرائيلية موضحا ان هناك العديد من السيناريوهات المقترحة فى الوقت الراهن، السيناريو الأول إلغاء المعاهدة وهذا لا يعنى بالضرورة الحرب مع اسرائيل ولاهو قرارخطير يصعب تنفيذه والسيناريو الثانى استمرار الوضع كما هو عليه والثالث يتعلق بتعديل بعض البنود الخاصة بها وهو السيناريو الأكثر واقعية وملاءمةً للوضع فى مصر؛ خاصةً أن السلام مع إسرائيل يأتى فى المقام الأول لخدمة المصلحة المصرية وهو إعادة النظر فى عملية الترتيبات الأمنية على الحدود المصرية الإسرائيلية. ومن جهته اتفق د. عز الدين شكرى – استاذ العلاقات الخارجية بالجامعة الامريكية – مع السفير فهمى حول العلاقات المصرية – الاسرائيلية ووصفها بانها شديدة التعقيد فضلا عن ان شباب 25 يناير لن يوافق على السياسة الخارجية المصرية السابقة التى كانت لديها قناعة بالعجز فى التسوية السلمية أو العسكرية فى الصراع العربى الاسرائيلى ولذلك على السلطات المصرية الان التعامل من منطلق القوة والارادة الحقيقية وفتح كافة الملفات المغلقة خاصة فيما يتعلق بمعاهدة السلام مع اسرائيل والاتفاقيات الامنية معها وذلك من أجل رسم سياسة خارجية مصرية جديدة فى التعامل مع اسرائيل. و طالب السفير إيهاب وهبة - مساعد وزير الخارجية الأسبق – خلال المؤتمر من الحكومة المصرية بضرورة العمل على إعادة ترتيبات الأمن مع إسرائيل خاصة فى المنطقة «ب» و «ج» و «د» بسيناء وفقا لاتفاقيات الامنية الموقعة مع الكيان الصهيونى وعلى الجانب الاخر الرد على الجانب المصرى خلال 3 اشهر موضحا ان موافقة اسرائيل على دخول قوات عسكرية إلى بعض المناطق فى سيناء غير كاف. وأيد جمال الغيطاني- المفكر والأديب المصرى – مطلب السفير وهبة حول إعادة النظر فى تعديل اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل فى ضوء الأوضاع الحالية فى المنطقة، وقيام الثورات العربية موضحا ان الوضع الآن داخل إسرائيل فى صالح مصر، لأننا نعيش فى حالة جديدة، وإسرائيل تحتسب لها، لذلك يجب استغلال الوقت وتعديل بنود الاتفاقية بما يتناسب مع الوضع الحالى. وطالب بإعادة النظر فى معنى التطبيع بما يكفل وسائل المعرفة للإحاطة بالطرف الآخر فى الصراع، فعندما بدأ المركز القومى للترجمة مشروعا بترجمة الأعمال الأدبية الإسرائيلية، رماه البعض بالتطبيع، وهذا فهم خاطئ، فالتطبيع يعنى الدخول فى علاقات مباشرة ولكن المعرفة شىء آخر، ولكن التطبيع أصبح مصطلحا هلامياً غير واضح الأصول والمعالم بعكس الموقف فى الثمانينيات. وركز على أهمية أن تزداد اتجاهات المعرفة بالداخل الإسرائيلى خاصة فى الصحف، وطالب بزيادة المساحة لعرض الآراء الإسرائيلية من الداخل، خاصة أن الصحف المصرية لا يوجد بها الكثير لينقل ما يقال داخل إسرائيل، مشيراُ إلى أنه يتابع ملحق جريدة القدس التى تنشر صفحة يومية عما يدور داخل إسرائيل. ومن جهته اكد د.عادل سليمان - المدير التنفيذى للمركز ان النظم السابقة كانت حريصة على تغييب الشعب فيما كان يقدمونه من معلومات تتعلق باسرائيل ولكن بالرغم من ذلك فان اسرائيل تعرف جيدا أنه إذا قامت لشن حرب على مصر فإنها تفتح بابا لن تستطيع إغلاقه ولو احتلت ارضا مصريا مئات السنين فان المصريين لن يرتضوا إلا بإعادة الأرض المحتلة. وقبل انتهاء المؤتمر اثناء المداخلات واستعرض د. محمد عبدالسلام- رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية - التوازن الاستراتيجى وإدارة العلاقات المصرية - الإسرائيلية بين الحرب والسلام.. مشيرا إلى أن التوازن الاستراتيجى كان يميل لصالح الطرف العربى طوال الوقت، بفضل موارد الدول العربية القوية ولكنها لا تستطيع تحويل ما لديها إلى أدوات قوة لكن ميزان القوة العسكرية كان لصالح إسرائيل القادرة على احتلال سيناء لكنها غير قادرة على احتلال مصر ولن تتمكن. وعلى الصعيد الاقتصادى أكد الدكتور أحمد غنيم - أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة- أن الاقتصاد المصرى لا يستطيع أن يحمل خسائر جديدة بإلغاء اتفاقية الكويز، التى نادى بها البعض، لأن الاتفاقية أنعشت سوق تجارة الملابس الجاهزة بمصر، وفتحت مجالا لها فى السوق الأمريكى بسبب تداخلها مع الصناعة الإسرائيلية.مع العلم ان إلغاء الاتفاقية لن يسبب الضرر الا على الجانب المصرى فاسرائيل لاتربح من هذه الاتفاقية وبالتالى فإن هذه الاتفاقية لصالح الاقتصاد المصرى وأدت إلى زيادة الاستثمار المصرى، مشيرا إلى أن الصادرات المصرية إلى أمريكا لم تتأثر فى الوقت الذى انخفضت فيه واردات الولاياتالمتحدة بشكل كبير بالنسبة للسلع الآسيوية. و تحدث د. عماد جاد - رئيس تحرير مختارات اسرائيلية بالأهرام - عن ان إسرائيل أدركت تماماً أن معادلة التطبيع التى اتضحت فى اتفاقية الكويز وبروتوكول تصدير الغاز الى اسرائيل قد تغيرت بعد «حركة الاصلاح والتغيير» التى قادها شباب 25 يناير، مشيراً الى انه من الصعب إلغاء معاهدة السلام ولكن اسرائيل لن تحاول العبث مرة أخرى بأمن مصر خاصة بعد رد الفعل المصرى الذى استمر امام مقر السفارة الاسرائيلية ليعبر عن غضب الشعب المصرى من الممارسات الإسرائيلية.