إذا كان الشعب المصرى بكل أطيافه يفكر فى المصير المجهول الذى ينتظر مبارك فى قضايا قتل المتظاهرين وإفساد الحياة السياسية، وتصدير الغاز لإسرائيل فإن فريد الديب -محامى الرئيس السابق- يفكر فى شئ آخر.. يفكر فى إنقاذ رقبة مبارك من حبل المشنقة.. يعكف الآن على رصد الثغرات القانونية التى يمكن أن تبرىء الرئيس المخلوع.. «أكتوبر» استطلعت رأى فقهاء القانون.. فكان هذا التحقيق.. وكانت المفاجأة الكبرى أن قانون الكسب غير المشروع الذى حبس مبارك ورجاله فى سجن طره هو نفسه الذى تضم بعض مواده ثغرات قانونية تعفى مبارك وعائلته من المحاكمة. الثغرة الأولى المستشار حسام مكاوى، رئيس محكمة جنوبالقاهرة، كشف أن قانون الكسب غير المشروع يتضمن فى إحدى مواده إعفاء المتهمين من رموز النظام السابق من المحاكمة. موضحاً أن المادة 18من قانون الكسب غير المشروع، تنص على إعفاء الخاضع لمحاكمة بسبب كسب غير مشروع من العقوبة إذا ما قام برد المال المتضخم فى ثروته والعقارات التى ثبت حصوله عليها بطريقة غير مشروعة، على أن تكتفى المحكمة بتطبيق عقوبة الرد فقط ولا يجوز سجنه أو تغريمه أموالاً إضافية. وأكد مكاوى أن العلة من هذا النص هى استرداد الأموال المكتسبة بطريقة غير مشروعة، خاصة أن الدولة لن تستفيد شيئاً من صدور حكم بالسجن ضد المتهم دون أن تحصل منه على ثروته المتضخمة، خاصة وأن المتهم هو الوحيد الذى يعلم أرقام حسابات أرصدته فى البنوك والشركات التى يتعامل معها فى غسيل الأموال، وبالتالى يسعى إلى رد الأموال لإعفاء نفسه من السجن. وعن المسار الطبيعى فى الأساس لهذه المحاكمات قال مكاوى إن أهم التهم الموجهة لمبارك ورجاله هى الكسب غير المشروع وتضخم الثروة بسبب استغلال النفوذ وهى جريمة جنائية مشددة تتراوح عقوبتها ما بين 3 - 15 سنة، مشيرًا إلى أن العفو لن يتم إذا ما كانت هناك شبهة جنائية فى الحصول على الأموال وهو الأمر الذى من الممكن أن يقف حائلا أمام العفو عن مبارك ورجاله، أما الجرائم الأخرى -والكلام لمكاوى- فتتمثل فى الاستيلاء بغير حق على مال عام وتسهيل الاستيلاء والحصول على ربح ومنفعة من النفوذ السياسى وعقوبتها السجن المشدد 15 سنة ورد المبلغ المستولى عليه إلى جانب الغرامة وعقوبات تبعية وهى الحرمان من الوظيفة العامة مدة لا تزيد على 3 سنوات وحظر مزاولة النشاط الاقتصادى الذى وقعت الجريمة بسببه مدة لا تزيد على 3 سنوات، مضيفاً أن جريمة استغلال النفوذ حتى لو عن طريق الإيهام والحصول على منفعة من أى سلطة أو هيئة تحول إلى الجنايات ويعاقب المُدان فيها بالسجن المشدد. وعن جرائم التزوير قال مكاوى إن التدخل فى مسار نتيجة استفتاء شعبى أو تزوير انتخابات أو التدخل فى شئونهما بقصد التأثير على النتيجة أو التأثير على عمل القضاة هى اتهامات وجرائم سياسية يعاقب عليها بموجب قانون خاص بمحاكمة المسئولين كان مفعلاً فى عام 1958 وتم تعطيله الآن لكن بدون تفعيل هذا القانون الآن لن يحاكم أحد على أى من هذه الجرائم السياسية. وأضاف مكاوى أن جريمة الكسب غير المشروع تتطلب صورتين: الأولى استغلال الوظيفة أو النفوذ للحصول على مال، والثانية أن يكون هناك مال زيادة أو تضخم فى الثروة يعجز الموظف عن إثباته، موضحا أن عقوبة ذلك وفقا للمادة 18 «نفسها المذكورة سابقا»من قانون الكسب غير المشروع هى العقوبة بالسجن المشدد وغرامة تساوى المبلغ المستولى عليه فضلا عن رد المبلغ كاملا وفى حالة وفاة المتهم تنقل الغرامة إلى ورثته. الثغرة الثانية ثغرة أخرى تنضم إلى ترسانة ثغرات القوانين المصرية أشار إليها المحامى والناشط الحقوقى نجاد البرعى فى قانون الكسب غير المشروع الذى يتضمن ثغرة قانونية تفتح الباب أمام جميع رموز النظام المحبوسين بمزرعة طرة للطعن على الأحكام الصادرة بحقهم والحصول على البراءة بداية من نجلى الرئيس السابق علاء وجمال مبارك وصفوت الشريف وزكريا عزمى وفتحى سرورا»،مشير فى هذا الصدد إلى قضية عبدالحميد حسن، محافظ الجيزة الأسبق ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، الذى حصل على حكم نهائى بالبراءة من محكمة النقض من التهم المنسوبة إليه بالكسب غير المشروع وتضخم ثروته بقيمة بلغت 556 ألف جنيه و22 ألفا و798 دولارًا أمريكيا، استناداً إلى تلك الثغرة القانونية الموجودة فى المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع. وأوضح البرعى أن قانون الكسب قد سقط عمليا بحكم محكمة النقض فى أبريل 2004، والذى أقر ببطلان المادة الثانية -العمود الفقرى للقانون- وعدم دستوريتها، وذلك لهدمها قرينة البراءة ونقلها عبء دليل الاثبات من النيابة العامة إلى المتهم، مما يعد مخالفة صريحة للمبادئ الأساسية المقررة بالمادة 67 من الدستور والمادة 15 من الإعلان الدستورى الأخير. وأشار البرعى إلى أن محكمة النقض قالت فى أسباب حكمها فى قضية الكسب غير المشروع الشهيرة لعبد الحميد حسن، محافظ الجيزة الأسبق: إن الدستور قد نص على أن الأصل فى الإنسان البراءة، فى حين تنص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 62 لسنة 1975 الخاص بالكسب غير المشروع على «أن كل زيادة فى الثروة تطرأ على الموظف بعد تولى الخدمة أو على زوجته وأولاده القصر لا تتناسب مع مواردهم، وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها، تعد أمرا مؤثما»بالمخالفة لما نصت عليه المبادئ الأساسية بالمادة 67 من الدستور من أن الأصل فى الإنسان هو البراءة، فضلا عن أن قانون الكسب نقل عبء الإثبات على عاتق المتهم بدلا من أن يكون على عاتق سلطة الاتهام، بمعنى أن يقدم المتهم بما يثبت مصادر عدم مشروعية ثروته دون أن يتولى الكسب تقديم مصادر عدم المشروعية بما يجعل قانون الكسب غير دستورى. يتفق معه المستشار هشام جنينة. نائب رئيس محكمة النقض. مضيفا أن تشكيل جهاز الكسب غير المشروع يشوبه العوار و يتناقض مع المبدأ الدستورى المتعارف عليه بأن المتهم برىء حتى تثبت إدانته والجهاز يعمل عكس المبدأ الدستورى ويطبق مبدأ أن المتهم مدان حتى تثبت براءته ويحبس المحقق معهم بالجهاز 15 يوماً مما يمكن محامى المتهم من الطعن على سير عملية التحقيقات بسهولة، كما أن تطبيق هذا النص العكسى يؤدى إلى براءة أى متهم يمثل للتحقيق أمام الجهاز إذا ما قام بالطعن أمام المحكمة فى قرار التحقيق معه، لافتا إلى أن الجهاز الذى يشكل دوراً مهماً فى تلك اللحظات من التحقيق مع رموز النظام السابق الذى من السهل قانونيا ودستوريا أن يطعنوا على الأحكام الصادرة لأن الجهاز يعتمد بشكل أساسى على تقارير الأجهزة الرقابية ولا يعتمد على التحقيقات القضائية ومواجهة المتهمين بالأدلة والمستندات. الثغرة الثالثة ثغرة أخرى تعفى عصابة الكبار من السجن ولكنها هذه المرة لاتخص قانون الكسب ولكن قوانين تنظيم السجون حيث تعتبر المادة 36 من قانون تنظيم السجون بمثابة مفتاح قانونى جديد للإفراج عن الرئيس السابق محمد حسنى مبارك وزوجته إلى جانب كبار السن من النظام السابق وذلك فى حالة الحكم عليهم بالسجن فى التهم الموجهة إليهم، حيث إنه ووفق قانون تنظيم السجون، والذى يحمل رقم 396 لسنة 1956، يمكن الإفراج عنهم صحيا، و تؤكد المادة 36 فيه أن كل محكوم عليه يتبين للطبيب أنه مصاب بمرض يهدد حياته بالخطر، أو يعجزه عجزا كليا يعرض أمره على مدير القسم الطبى للسجون لفحصه بالاشتراك مع الطبيب الشرعى للنظر فى الإفراج عنه, كما ينفذ امر الافراج بموافقة من النائب العام، وتخطر بذلك جهة الإدارة والنيابة المختصة، بشرط أن يتعين على جهة الإدارة التى يطلب المفرج عنه فى دائرتها عرضه على طبيب الصحة لتوقيع الكشف الطبى عليه كل ستة أشهر، وتقديم تقرير عن حالته، يرسل إلى مصلحة السجون لتبين حالته الصحية مقدمة لإلغاء أمر الإفراج عنه إذا اقتضى الحال ذلك. وبحسب المادة فانه يجوز لمدير عام السجون ندب مدير قسم طبى السجون والطبيب الشرعى الكشف على المفرج عنه، لتقرير حالته الصحية، ويعاد المسجون الذى أفرج عنه إلى السجن لاستيفاء العقوبة المحكوم بها عليه بأمر من النائب العام، أما إذا تبين من إعادة الفحص التى يجريها، أن الأسباب الصحية دعت إلى إقامته فى المستشفى أو الإفراج الصحى فإن المريض يقضى المدة خارج السجن. وعن هذا قال المستشار عادل عبد الحميد رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى السابق إن المادة 36 من قانون تنظيم السجون مادامت موجودة فى القانون فهى تنطبق على أى شخص بغض النظر عن الرئيس السابق مبارك، فلا يوجد تعارض بين الحكم القضائى وهذه المادة، حيث إن تفعيلها يعتبر خطوة بعد الحكم والفيصل فيها الجهات التنفيذية الطبية فى السجن فهى ليست مسئولية القاضى، حيث إنها تنطبق على الحالات التى يهدد الحبس حياتها بشكل حقيقى، وهى الحالة التى يقدرها المسئولون الطبيون والذين حددتهم المادة. فالمشرع نظم حالة الإفراج الصحى على المحكوم عليه تنظيما يجمع بين حق الإنسان فى الحياة ومقتضيات الصالح العام الذى يتطلب ألا يفلت المحكوم عليه من تنفيذ حكم القضاء جزاء على ما ارتكبه من جرائم حتى يتحقق الردع العام فى المجتمع. موضحا أن سيناريو الإفراج الصحى عن الرئيس السابق محمد حسنى مبارك وكبار السن من المتهمين مثل زكريا عزمى وصفوت الشريف وفتحى سرور وأحمد نظيف مقرر أن يكون وفق المادة 36 لان أى محكوم عليه يتبين لطبيب السجن إصابته بمرض يهدد حياته بالعجز الكلى يعرض أمره على مدير القسم الطبى فى السجن، والذى يقوم بفحصه بالاشتراك مع طبيب شرعى للنظر فى أمر الإفراج الصحى عنه، والذى يجب أن يعتمده كل من مدير عام السجن والنائب العام. ولكن فكرة الإفراج الصحى ليس معناها تحرر المحكوم عليه من العقوبة فالمشرع ألزم جهة الإدارة بأن المفرج عنه صحيا يجب أن يخضع للكشف للطبى بشكل دورى كل ستة أشهر عن طريق طبيب الصحة، فى مقر إقامته ليقدم تقريرا طبيا إلى مصلحة السجون بحالته والذى وفقا له من حق المصلحة أن تأخذ قرارا بإلغاء الإفراج الصحى فى حالة تحسن حالة المحكوم عليه صحيا. ومن ثم لا يتخذ قرار الإفراج الصحى إلا فى وجود طبيب منتدب من الطب الشرعى وفق المادة 36 من قانون تنظيم السجون. الثغرة الرابعة وهى تنضم لترسانة الثغرات التى تمكن مبارك ورفاقه من الخروج بسلام من السجن وتختص بتحريات الرقابة الادارية والاجهزة الرقابية والتى يعتمد عليها جهاز الكسب غير المشروع فى القبض على المتهمين وعن هذه الثغرة أوضح المستشار هشام جنينة أن هذه الثغرة تمكن أتباع النظام السابق من الطعن بعدم دستورية الأحكام وتمكنهم من الخروج مما وجه إليهم من اتهامات عن تضخم ثرواتهم بكسب غير مشروع، موضحا أن تحريات الجهاز تعتمد على تقارير الأجهزة الرقابية والتى اعتبرها تخضع للخطأ والصواب، كما أنها ليست دليل اتهام لأنها تخضع لأهواء المتحرى. من ناحيته نفى الدكتور شريف كامل أستاذ القانون الجنائى بجامعة القاهرة أن تعفى بعض ثغرات القوانين رموز النظام السابق من المحاكمة الجنائية، مشير إلى أن جريمة قتل المتظاهرين والتى يحقق فيها حاليا يعاقب المدان عليها بالسجن المؤبد أو المشدد وتصل العقوبة فى بعض الأحيان إلى الإعدام إذا كان الفاعل أصليا (قام بالقتل أو حرض عليه بشكل مباشر)، موضحا أن المشرع قال أيضا إنه فى هذه الحالة فإن الحرية للقاضى بتوقيع الإعدام على المحرض أو السجن المؤبد، أما تهمة تضخم المال بطرق غير مشروعة والتى يباشرها جهاز الكسب غير المشروع فيقول «كامل» إنها تدخل ضمن صور الاستيلاء «البسيطة» وتكون العقوبة السجن المشدد، أما إذا كان الاستيلاء باستعمال محرر مزور تصل إلى المؤبد. بينما يرفض المحامى ورئيس استئناف القاهرة الأسبق المستشار فريد نصر ما يثار عن أن العفو يمكن أن يكون من نصيب رجال مبارك إذا ما تنازلوا عن أموالهم، مشيرا إلى أن التهم الموجهة لرموز نظام مبارك تدخل ضمن ما هو معروف فى قانون العقوبات بتهمة تسهيل الاستيلاء للغير والإضرار عمدا بأموال الجهة التى يمثلها، وهذه التهمة «جناية» عقوبتها السجن أو السجن المشدد من 3-15 سنة وبالتالى فهى قضايا جنائية يمكن التنازل عن الممتلكات ولكن تبقى فى النهاية المساءلة الجنائية لعقاب المتهمين.