تحدثنا فى الخواطر الماضية عن وزير الإسكان الأسبق د. محمد إبراهيم سليمان الذى كان أحد رموز النظام السابق.. وأحد مخالبه التى كان يستخدمها للاستيلاء على أراضى مصر وتوزيعها على رجال الأعمال والمحاسيب والمحظوظين.. ويبنى لنفسه القصور والفيلات والشاليهات! ومنذ أن جلس الوزير الأسبق على باب مغارة وزارة الإسكان وحتى خروجه منها بعد 12 سنة.. وبالتحديد منذ عام 1993-2005.. كان مغرماً بإشعال الحرائق تحت قبة البرلمان والدخول فى معارك وهمية مع الرأى العام. وتفرغ د. سليمان لهذه القضايا الهامشية بدلاً من التفكير فى حل أزمة الإسكان أو توفير مأوى لساكنى القبور والعشوائيات.. أو توفير كوب ماء نظيف.. أو حل مشكلة الصرف الصحى فى المحافظات والقرى والنجوع! وأذكر أن من أخطر القضايا التى فجّرها سيادة الوزير الأسبق فى منتصف الدورة البرلمانية الأولى من الفصل التشريعى الثامن تحت القبة.. وورط فيها رئيس الوزراء الأسبق د. عاطف عبيد فى أبريل 2001 عندما أقنعه سليمان بأهمية جزيرتى الذهب والوراق.. وأن الحكومة يمكن استثمارهما فى إقامة مشاريع سياحية وفندقية ومنتجعات صحية.. وأن تقوم الحكومة ببيع أراضى الجزيرتين للمستثمرين العرب والأجانب ورموز النظام السابق.. لأن هاتين الجزيرتين (الذهب والوراق) هما عبارة عن طرح نهر.. وأن كل ما يتكون من طرح النهر فهو ملك للدولة.. وأن الأهالى الذين يقيمون على أراضى هاتين الجزيرتين هم مغتصبون لها.. وليس لهم الحق فى هذه الأراضى التى يعيشون عليها فى عشوائيات.. ويشوهون الصورة الحضارية لنهر النيل.. وأن الحكومة يجب أن تتصدى لهؤلاء المغتصبين.. وتستعيد هذه الجزر المسلوبة.. وتحررها من يد الغاصبين! وبلع د. عاطف عبيد الطُعم الذى وضعه له سليمان فى السنارة - كما كشفت الأحداث بعد ذلك - ولم يحاول د. عبيد أن يسأل مستشاريه وخبراءه من كل صنف ولون وكانوا يملأون أروقة مجلس الوزراء ويتقاضون ملايين الجنيهات كل عام عن حكاية الجزيرتين وتاريخهما وأهميتهما. *** المهم.. فبعد أن بلع عاطف عبيد الطُعم وصدق رئيس الوزراء الأسبق كلام وزيره.. أصدر عبيد القرار 542 لسنة 2001 وبالتحديد فى 25 أبريل وتقول مادته الأولى بكل بساطة وبالنص: يعتبر من أعمال المنفعة العامة أراضى جزيرتى الذهب والوراق. وتقول المادة الثانية: يعمل بالقانون من تاريخ صدوره فى 25 أبريل 2001. وكان هذا القرار الغامض رقم 542 من أعجب القرارات التى صدرت فى عهد حكومة عبيد، لأنه يقول إن القرار ينفذ فور صدوره، رغم أن العُرف السائد فى إصدار القوانين والقرارات الإدارية أن ينص دائماً على بدء العمل بالقانون أو القرار بعد شهر من نشره فى الجريدة الرسمية! أما المذكرة الإيضاحية التى قدمها وزير الإسكان الأسبق لرئيس الوزراء فتقول: إنه بخصوص تقرير المنفعة العامة لأراضى جزيرتى الذهب والوراق.. تعتبر جزر النيل بالقاهرة الكبرى من الواجهات الحضارية لمصر بحكم موقعها المتميز، وإيماناً بإمكانيات الجزر التى تمتد إليها التنمية الحضارية، فقد رأت الوزارة إعداد برنامج شامل لتنمية جزيرتى الذهب والوراق، والتى زادت أهميتها بإنشاء الطريق الدائرى المار بها.. وكذلك لمحاربة العشوائيات والتى بدأت تظهر على الجزر. وتقول المذكرة إن اللائحة التنفيذية معروضة على رئيس الوزراء لتنفيذ قرار نزع ملكية الجزيرتين للمنفعة العامة حتى يتسنى للأجهزة المختصة دخول المواقع والعقارات والرفع المساحى وتحديد التعويضات للأهالى. *** ومن الأمور العجيبة والغريبة أن هذا القرار الغامض لم يعلم به محافظ الجيزة فى ذلك الوقت المستشار محمود أبوالليل والذى من المفترض أن تتبعه الجزيرتان.. وقد فوجئ المحافظ بالقرار وكان آخر من يعلم مثله مثل الأهالى تماماً! وعرف الناس فى الجزيرتين هذا القرار السرى بعد نشره فى الجريدة الرسمية.. والذى أصدره مجلس الوزراء للاستيلاء على الجزيرتين.. تحت دعوى تطويرهما ومحاربة العشوائيات بهما.. ومدهما بالمرافق والخدمات! وطبعاً يتعارض هذا الكلام كله مع قرار نزع الملكية للمنفعة العامة.. وتحديد تعويضات للأهالى! *** وقامت الدنيا ولم تقعد.. وبدأت ثورة الغضب تجتاح الجزيرتين.. وانتشرت الشائعات بأن الحكومة قادمة بكل ثقلها لتنفيذ هذا القرار لصالح مشروع سياحى عالمى يحمل اسم «جزيرة الأحلام» بمساحة جزيرة الذهب كلها وتبلغ 337 فدانا وطرد أهلها البالغ عددهم 4500 نسمة والذين يعملون بالزراعة ويمدون القاهرة والمحافظات التى حولها بالخضر والفواكه والألبان.. وسوف تختفى من خريطة مصر جزيرة الذهب التى تشتهر بزراعة الشمام الأصفر الذى يتلألأ فى الشمس كالذهب ولهذا أطلقوا عليها منذ مئات السنين «جزيرة الذهب».. وذلك كله لصالح سلطان بروناى والملياردير محمد الفايد وغيرهما من الشركاء الكبار الذين سوف يشترون الجزيرة! وينطبق نفس الكلام على جزيرة الوراق التى تقع فى قلب النيل أمام مستشفى معهد ناصر ومساحتها 1470 فداناً منها 48 فداناً لأملاك الدولة و10 أفدنة لهيئة الأوقاف والباقى ملكية خاصة للأهالى أقاموا عليها 3 آلاف مسكن ويعملون فى الزراعة وتربية المواشى. *** ولكن ماذا حدث فى الجزيرتين؟.. وما هى قصة اعتصام المخرج العالمى يوسف شاهين مع الأهالى احتجاجاً على قرار الحكومة؟. وما هو موقف مجلس الشعب ونوابه من قرار عبيد الذى ورطه فيه سليمان؟! هذا ما سنكشف عنه فى الخواطر القادمة إن شاء الله تعالى.