كان وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان- المحبوس حاليا- من أكثر وزراء النظام السابق الذين تثار حولهم الحكايات والروايات والشبهات تحت قبة مجلسى الشعب والشورى.. وذلك منذ اليوم الأول الذى جلس فيه على كرسى وزارة الإسكان فى عام 1993.. وحتى خروجه فى عام 2005.. باع فيها أراضى مصر بتراب الفلوس للمحاسيب والمحظوظين ورجال الأعمال.. وبنى لنفسه القصور والفيلات والشاليهات.. وترك أبناء دائرته الانتخابية فى الجمالية ومنشية ناصر والدويقة يعيشون فى المقابر والعشش وفوق الجبال والصخور! وقد بدأ نجم محمد إبراهيم سليمان فى البزوغ عندما كان يعمل مستشارا هندسيا لرئيس مجلس الشعب السابق د.فتحى سرور.. وشارك فى مناقشات لجنة الإسكان بمجلس الشورى أثناء زلزال 1992 الذى ضرب «أرض مصر» وكان أستاذا بكلية الهندسة جامعة عين شمس حتى تم اختياره وزيرا للإسكان والتعمير فى حكومة د.عاطف صدقى فى عام 1993. *** وقد تابعت خطوات هذا الوزير الأسبق منذ أن وطئت قدماه مجلسى الشعب والشورى، وكان الرجل متحمسا فى بداية عمله- أو شُبه لى ذلك- لتعمير سيناء وتنمية الصعيد.. وتحويل سيناء إلى جنة خضراء فى خلال ثلاث سنوات فقط! وكان سليمان يأتى إلى مجلسى الشعب والشورى ويحمل طاقم مكتبه الفنى خرائط ضخمة لشبه جزيرة سيناء.. ويقوم الوزير الأسبق بشرح خطته للنواب فى المجلسين لإنشاء مشروعات زراعية وصناعية ومناطق حرة وطرحها للمستثمرين للتمليك برأسمال مصرى أجنبى مشترك بنسبة 51% إلى 49% وسيكون هناك حق امتياز للمشاريع والأرض يمتد حتى 50 سنة فى سيناء. وكان يتعامل مع النواب بكل غطرسة وكبر وتعال.. وأذكر أنه فى أحد الاجتماعات بلجنة الإسكان بمجلس الشعب فى فبراير 1994 التى كان يرأسها النائب المحترم السيد سرحان- رحمه الله- أن الوزير الأسبق بمجرد أن دخل اللجنة سأل بانفعال وغضب شديدين عن زميلتنا المحررة البرلمانية بأخبار اليوم سعاد أبو النصر لأنها كتبت خبرا عن إلغاء بناء فندق لأعضاء المجلس فى الساحة المقابلة للقاعة بعد وضع حجر الأساس له بعد أن تبين أن هذا الفندق كان سيقام فوق مترو الأنفاق، وأن هذا الخطأ الهندسى لا يقع فيه طالب بالسنة الأولى بكلية الهندسة! وكتبت سعاد أبو النصر الخبر ولم تشر إلى مصمم المشروع إشفاقا عليه، ولكنه فضح نفسه بأنه هو المقصود بالخبر المنشور فى أخبار اليوم.. وشن هجوما ضاريا على محررة أخبار اليوم، وتحدث عنها بصورة غير لائقة فى غيابها! وفى نفس الاجتماع كان يتحدث مع النواب بغطرسة شديدة ويطالبهم بالصمت والهدوء وأنه لن يجيب عن أسئلتهم إلا بعد الانتهاء من حديثه، ويرفض المناقشة معهم، ولكن للحق فقد تصدى له النواب وقالوا له: «يا سيادة الوزير لا تعاملنا وكأننا تلاميذ فى المدرسة أو فى المدرج.. وتعامل معنا بالاحترام اللائق.. فنحن نواب الشعب»، وكان معهم كل الحق. وأمام هذه الأزمة استطاع رئيس اللجنة السيد سرحان تهدئة النواب وامتصاص غضبهم ومواصلة الاجتماع.. ولكن بسبب هجومه على زميلتنا «سعاد» قرر المحررون البرلمانيون فى ذلك الوقت الاحتجاج ومقاطعة الاجتماع والانسحاب منه احتجاجا على تصرفات هذا الوزير العصبى جدا! ولكن بعد الاجتماع ذهبت إلى رئيس اللجنة السيد سرحان وكان بيننا مودة وصداقة منذ أن كان محافظا لمدينة بورسعيد والذى قرر الرئيس السادات تحويلها إلى مدينة حرة لإنعاش اقتصادها بعد انتصار أكتوبر 1973. وطلبت من المرحوم السيد سرحان أن يعرفنى على هذا الوزير العصبى جدا مع النواب والصحفيين، وطلبت من الوزير إجراء حديث صحفى عن تعمير سيناء وأزمة الإسكان والمدن الجديدة. وقابلته فى مكتبه بالوزارة.. ونشرت الحوار الصحفى عن تعمير سيناء وبرنامجه عن حل أزمة الإسكان وعلاج الصرف الصحى على صفحات مجلة أكتوبر فى مارس 1994. *** ولكن كل ما قاله الوزير كان دخانا فى الهواء ولم يتحقق منه أى شىء على أرض الواقع.. ولم يحاسبه أحد على أقواله ولا أفعاله بعد أن جلس على كرسى الوزارة لمدة 12 عاما بسبب أنه تفرغ تماما للاستيلاء على أراضى مصر لنفسه ولزوجته وابنتيه وابنه القاصر وأقربائه وأقرباء زوجته فى التجمع الخامس.. وتوزيع الفيلات الفاخرة بمارينا على رجال الأعمال ورجال النظام السابق من الوزراء والمسئولين الذين كانوا يغدقون عليه الهدايا والعطايا.. وقد وجهت نيابة الأموال العامة له اتهامات بالتربح والإضرار بالمال العام له ول 4 من نوابه ورجل الأعمال مجدى راسخ صهر علاء مبارك نجل الرئيس المخلوع والذى أعفاه الوزير السابق من سداد مبلغ 13.8 مليون جنيه مقابل رسم التنمية الشاملة التى فرضها على جميع الشركات الأخرى على خلاف القواعد المقررة.. وغيرها من الاتهامات الخطيرة! *** وكان من أعجب ما شاهدته فى قاعة مجلس الشعب خلال السنوات العشر الماضية هو انتشار ظاهرة تبادل النواب- أثناء الجلسات- المسليات من اللب والفول السودانى والجوز واللوز والفستق والحلويات بجميع أنواعها.. وكنت أتحسر على أيام كانت القاعة مثالا للانضباط والاحترام! ويبدو أن الوزير الأسبق محمد إبراهيم سليمان قرر تسجيل سابقة برلمانية باسمه تحت القبة، فأحضر معه فى إحدى الجلسات كيس تفاح ليأكله بالقاعة.. وقد رأيته بعينى وهو يقضم التفاحة بصورة غريبة غير مبال بما يحدث حوله فى القاعة.. وكان يخفى وجهه بأحد الملفات التى أمامه مثل أى تلميذ مشاغب يخفى وجهه من معلمه أثناء أكله سندوتش الإفطار فى الفصل! وقد قام مصور الأخبار الفنان الكبير محمد سعيد بالتقاط صورة للوزير الأسبق وهو يقضم التفاحة.. وغادر القاعة متوجها إلى جريدته لطبع الصورة استعدادا لنشرها، ولكن الوزير الأسبق علم بتصويره واتصل برئيس تحريرها الأسبق جلال دويدار وتم منع نشر الصورة على صفحات «الأخبار»، ولكنها نشرت بعد ذلك فى إحدى جرائد المعارضة.. وكان الوزير الأسبق يحمل معه بعد ذلك كيس بقسماط ليتسلى به أثناء الجلسات الصباحية!