رحل نظام مبارك وخلف وراءه ترسانة من اللوائح والإجراءات والسياسات البيروقراطية التى أفرزت على مر السنين معدلات ائتمان ضعيفة وعراقيل أمام تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتى تمثل قاطرة التنمية فى العديد من الدول فضلاً عن التطبيق الخاطئ لسياسات الخصخصة. وبعد أن انتصر المصريون لكرامتهم فى ثورة يناير أصبح الشغل الشاغل للجميع هو كيفية بناء مصر الجديدة من خلال النهوض بالصناعة وبناء جسور الثقة بين رجال الأعمال وصغار المستثمرين من جهة وبين المؤسسات التمويلية من جهة أخرى، لدفع عجلة الإنتاج وزيادة الصادرات وتحقيق معدلات نمو تكفل حياة كريمة وعدالة اجتماعية لأبناء مصر الثورة. «أكتوبر» ناقشت أهم آليات النهوض بقطاعات الصناعة المختلفة ودور البنوك فى دعم وتمويل المشروعات الجادة فى سياق التحقيق التالى: د. يسرى طاحون أستاذ الاقتصاد جامعة طنطا يرى أن البنوك يجب أن تضع برامج تمويلية فاعلة للنهوض بقطاع الصناعة بمختلف مجالاتها وخاصة المشروعات المتعلقة بالطاقة والنقل والمواصلات والموانى، مؤكدًا أن نمو الصناعات الصغيرة ونجاحها يعتمد على وجود مثل هذه المشروعات الكبرى مشيرًا إلى أهمية تنمية الصناعات التجميعية مثل تجميع السيارات والأجهزة بمختلف أنواعها لأن هذه الصناعات تساعد تدريجيًا على تصنيع مثل هذه الآلات محليًا. ويوضح أن البنوك يمكن أن تلعب دورًا فاعلاً فى تطوير هذه الصناعات من خلال وضع تسهيلات ائتمانية للمشروعات التى تستطيع أن تنتج بعض المنتجات محليًا كما يمكن أن تضع ضمن شروط الائتمان شرطاً يتعلق بضرورة انتاج بعض الأدوات والآلات محليًا بعد مرور مدة زمنية محددة من بدء تنفيذ المشروع، مؤكدا ضرورة تمويل المشروعات المغذية للصناعات الثقيلة مثل انتاج بعض قطع الغيار وأنه لنجاح برامج الائتمان فى تطوير الصناعات المحلية يجب أن تضع البنوك ضمن شروط الإئتمان شرطا يتعلق بضرورة وجود فريق عمل جيد ومتخصص على أن تتم الاستعانة بأساتذة كليات الهندسة فى تخطيط وتنفيذ مثل هذه المشروعات. وحول قدرة البنوك على تمويل مثل هذه المشروعات، يؤكد د. طاحون أن الأزمة الاقتصادية فى مصر مفتعلة وأن وراءها الصف الثانى من المسئولين عبر مختلف قطاعات الدولة موضحًا أن اموال البنوك المصرية راكدة، وتحتاج إلى سياسات تمويلية أكثر جرأة فى تمويل مختلف قطاعات الأنشطة الصناعية كما أنها فى ذات الوقت يجب أن تراجع برامجها التمويلية المتعلقة بثقافة الاستهلاك وخاصة برامج قروض السيارات محذرًا من الاستمرار فى مثل هذه القروض ويصفها بغير الهادفة والتى يمكن أن تؤدى مستقبلاً إلى مشكلات عديدة فيما يتعلق بعملية السداد. ومن جانبها أكدت د. يمن الحماقى أستاذ الاقتصاد جامعة عين شمس ضرورة أن تضع البنوك برامج ائتمان أكثر جرأة فى تمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر مؤكدة أنها حجر الأساس فى تطوير الصناعة المصرية والنهوض بها مؤكدة ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التى استطاعت توظيف المشروعات المتوسطة والصغيرة فى تطوير صناعاتها والنهوض باقتصادياتها. وينتقد الخبير الاقتصادى محمود عليان السياسات التمويلية التى تتبعها البنوك فى إقراض الانشطة الصناعية والتى لا تتجاوز 5% من قيمة الائتمان، بالاضافة إلى وضع العراقيل الشديدة أمام إقراض المشروعات المتوسطة والصغيرة ممثلة فى الضمانات المطلوبة شديدة التعقيد، مشيرا إلى أنه نظرًا لهذه السياسات مازال الصندوق الاجتماعى للتنمية يلعب الدور الرائد فى تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ومن جانبه أكد فتحى ياسين رئيس بنك التجاريين سابقًا ضرورة التعاون الفاعل بين البنوك لوضع برامج ائتمان مدروسة تهدف إلى تمويل مشروعات قومية قادرة على استيعاب عدد كبير من العمالة وهو ما يساعد على النهوض بقطاع الصناعة وفى ذات الوقت الحد من البطالة مشيرًا إلى أن البنوك المصرية لها تجربة ناجحة فى هذا النوع من المشروعات وهى تجربة النهوض بصناعة الاسمنت خلال النصف الثانى من القرن الماضى ووصولا لوجود مثل هذه البرامج التمويلية يوصى بضرورة فريق مختص لدراسة برامج الائتمان على مستوى جميع البنوك على يتم فتح قنوات اتصال فيما بينهم بما يساعد على التعاون المشترك لدراسة جميع البدائل المطروحة للنهوض بالصناعة المصرية وصياغة البرامج التمويلية المشتركة. ويؤكد د. عبد الرحمن بركة رئيس مجلس إدارة بنك مصر رومانيا ضرورة تقدم البنوك المصرية تسهيلات ائتمانية فورية لتمويل المصانع والشركات التى توقفت عن العمل خلال الأحداث الأخيرة ثم دراسة المشروعات الجديدة التى يمكن أن تؤدى إلى زيادة الانتاجية واستيعاب عدد كبير من العمالة، مشددًا على ضرورة أن تضع البنوك ضمن أولياتها تمويل المشروعات الصناعية الصغيرة والمتناهية الصغر بما يساعد على دفع عجلة التنمية الاقتصادية ودعم قطاع الصناعة. ويقول طارق عامر رئيس البنك الأهلى إنه فى إطار الانتقال بتوصيات اتحاد بنوك مصر الخاصة بدعم النشاط الاقتصادى والنهوض بقطاعات الانتاج والصناعة المصرية إلى حيز التنفيذ وضع البنك الأهلى المصرى خطة شاملة لإنعاش الصناعة المصرية ودعم كافة الانشطة الاستثمارية وتقوم هذه الخطة على الزيارات الميدانية لمختلف قطاعات النشاط الصناعى والاستثمارى على مستوى الجمهورية وعقد المناقشات مع القائمين على هذه الأنشطة وجميع الجهات المعنية وذلك بهدف وضع رؤية فعالة لطبيعة المساعدات التى يمكن أن يقدمها البنك لدعم هذه الأنشطة وحول ما تم تنفيذه من هذه الخطة. ويضيف أنه تم الاتفاق على تخصيص 500 مليون جنيه لدعم مستثمرى طابا لحل المشاكل التى تواجه استكمال هذه المشروعات سواء فى إطار مشاركة البنك فى رأس مال هذه المشروعات أو فى إطار توفير التمويل اللازم لاستكمالها، مؤكدا التزام البنك الأهلى المصرى بمساندة أصحاب المشروعات الاستثمارية التى لم تكتمل على الاستمرار فى تنفيذ مشروعاتهم واستكمالها فى أسرع وقت ممكن. وفيما يتعلق بدعم الانشطة الصناعية، أكد عامر أن البنك الأهلى يقف بقوة وراء رجال الصناعة والمستثمرين الجادين فى مصر مستخدماً قدراته المالية الكبيرة وخبراته الفنية للوصول بالإنتاج والنشاط الاقتصادى لأقصى معدلاته وتذليل كافة العقبات لتحقيق هذا الهدف، وشدد على التزام البنك بمساندة قطاع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى واستعداده لتقديم حلول غير تقليدية لدعم هذا القطاع وتوفير السيولة اللازمة لتشغيل المصانع والشركات بطاقتها القصوى لصالح الاقتصاد الوطنى. وأوضح أنه فى ضوء ذلك قرر البنك عقب اجتماع موسع مع القائمين على صناعة الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، خفض أسعار القروض الممنوحة بالجنيه المصرى للمصدرين، وتأجيل أقساط القروض الخاصة ببعض المصانع التى تواجه صعوبات، وإتاحة الاقتراض بالعملة الأجنبية للمصدرين مع تثبيت سعر العملة الأجنبية، واستعداد البنك لتقديم خدمات ضمان المخاطر بنفس النسبة التى تقدمها شركة ضمان الصادرات بواقع 1,25%، فضلاً عن إعادة النظر فى نسبة غطاء الاعتمادات المستندية المطلوبة لاستيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج. وأكد رئيس البنك الأهلى استعداد البنك للتعاون مع جمعية المستثمرين بالمحلة الكبرى فى وضع تصور شامل لكيفية النهوض بصناعة الغزل والنسيج والمشاركة برؤوس الأموال لوضع هذا التصور موضع التنفيذ، بما فى ذلك إتاحة الفرصة للمصنعين للنفاذ إلى الأسواق الدولية من خلال الاشتراك فى المعارض والاستفادة من خبرات الشركات الأجنبية واستجلاب الخبراء، وإتاحة الدراسات السوقية للمصدرين لمساعدتهم على فتح أسواق جديدة للتصدير. وأكد عامر التزام البنك بالحفاظ على صناعة الأثاث بدمياط لأهميتها للتصدير وللسوق المحلى، وأن البنك على استعداد لدراسة المشاركة فى تمويل ميناء الصيد الجديد بدمياط، وأن البنك قرر عقب الاجتماع الذى عقده البنك مع القائمين على صناعة الأثاث بدمياط اتاحة القروض لشراء الأثاث للأفراد على مستوى الجمهورية، على أن يتم البدء بالموظفين خلال الفترة المقبلة بضمان تحويل المرتب لتنشيط الطلب على الأثاث ودعم المصنعين لمواجهة الظروف الحالية، علاوة على تمويل الصناعات الصغيرة بالمحافظة بقروض ميسرة بالتعاون مع الصندوق الاجتماعى، مع رفع حد التمويل لصغار الصناع من 20 الف جنيه إلى 50 ألف جنيه بنفس الشروط وبدون شرط الترخيص، وهم يمثلون 90% من إجمالى الصناع، بالاضافة إلى إتاحة الاقتراض بالعملة الأجنبية للمصدرين، وتمويل اعتمادات التصدير بنسبة 95%، وخفض غطاء الاعتمادات المستندية لتخفيف العبء على الصناع من 50% إلى 15%. وذكر أنه فى ضوء الالتزام بدعم الأنشطة الصناعية والاستثمار فى محافظة سوهاج قرر البنك خفض سعر الفائدة على قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمقدار 1,5% وفقاً لتوجيهات البنك المركزى وقراره بإعفاء البنوك من الاحتياطى النقدى لقروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كما تمت الموافقة على رفع الحظر عن المصانع والشركات التى قامت بتسوية مديونيتها لدى البنوك، وإلغاء الدعاوى القضائية المدنية المرفوعة ضد المستثمرين الجادين والمتعلقة بحالات التعثر، ومنح المستثمرين المتعثرين فترة سماح تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات على أن يتم بعدها البدء فى سداد مديونياتهم بعد دراسة وضع هذه الشركات التى تتمتع بمقومات الاستمرار وقدرتها على السداد، وفتح الاعتمادات المستندية للمصدرين، بالإضافة إلى توفير رأس المال العامل اللازم للمصانع لشراء الخامات وتوفير تكاليف التشغيل حتى تتمكن من العمل بكامل طاقتها الإنتاجية مما يسهم فى توفير المزيد من فرص العمل، وسرعة توفير الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان لاستيراد الخامات ووسائل الإنتاج، كما سيتم اتخاذ الخطوات اللازمة لتبسيط الإجراءات والضمانات وتقليص حجم المستندات المطلوبة من المستثمرين.