من حق كل إنسان.. فى كل الأديان.. أن يحظى بمساحة تتراوح من 46 سنتيمتراً إلى متر لأداء العبادات والشعائر الدينية.. وفقاً لميثاق الحق فى العبادة الذى أصدرته الأممالمتحدة.. وبهذا المعيار فإن المسلمين يحتاجون إلى نحو 37 مليون متر مربع - كحد أدنى - و72 مليون متر مربع كحد أقصى لبناء المساجد! وبذات المعيار يحتاج المسيحيون إلى 3.6 مليون متر - كحد أدنى - إلى 8 ملايين متر كحد أقصى لدور عبادتهم!! علماً بأن عدد الكنائس فى مصر يبلغ 31126 كنيسة دون الأديرة.. ومساجدنا تقترب من 93 ألف مسجد!! وبغض النظر عن التفاصيل والإحصاءات الرسمية وغير الرسمية.. فإن مرسوم قانون بناء دور العبادة يثير العديد من التساؤلات الحيوية.. أولها أنه جاء وفق ظروف غير طبيعية ونتيجة ضغوط وأحداث طارئة وملتهبة، لذا فإن صياغته قد تأثرت بكل تأكيد بهذا المناخ غير المواتى، وحتى نعالج قضية بمثل هذا القدر من الحساسية.. فإننا بحاجة إلى مناخ مختلف.. أكثر هدوءاً وتآلفاً وتسامحاً، فالأحداث الساخنة التى شهدتها مصر بعد الثورة يجب ألا تكون هى الدافع الأول والمحرك الأساسى لمعالجة هذه القضية. كما أن قضية بمثل هذه الحساسية تتطلب استكمال العملية الديمقراطية وإنشاء المؤسسات التشريعية التى تستطيع معالجة هذا الأمر.. بمشاركة كافة الأطراف دون حساسيات وبلا استثناء، فنحن نريد التأسيس لمستقبل الوطن على قواعد راسخة، وحتى يتحقق ذلك.. ويجب ألا تكون الدوافع طارئة أو ساخنة أو ملتهبة، وليس أدل على هذا من أن إصدار مثل هذا المرسوم قد يتعرض للتعديل والتغيير.. وربما الإلغاء.. إذا تناوله البرلمان القادم. المحور الثانى لهذه القضية هو أننا يجب ألا ننزلق إلى هاوية الفتنة مرة أخرى، فأعداؤنا يريدون أن ننشغل بمثل هذه القضايا الفرعية، وأن نقوم بتضخيمها وتعظيمها حتى تتحول إلى كرة من اللهب التى تزداد اشتعالاً بمرور الوقت، إنهم يريدون أن ننصرف عن قضايانا الأساسية.. قضايا التنمية والإصلاح والنهضة الاقتصادية، بل إنهم يريدون أن تكون هذه المسألة إحدى وسائل تدمير الثورة المصرية وانحرافها عن مسارها! هذا هو الهدف.. فهل نحققه لهم.. بأيدينا؟! ولنا أن نتساءل: هل امتلأت مساجدنا وكنائسنا عن آخرها ولم تعد تتسع لمريديها وزوارها؟! أم أن المسألة تنافس على بناء دور العبادة كمظهر من مظاهر التحدى وإثبات الذات والقوة والنفوذ والغلبة؟ المحور الثالث هو أن مبدأ الديمقراطية يؤكد على حق الأغلبية فى اعتماد رأيها ووجهة نظرها دون إهدار لحقوق الأقليات أو التقليل منها، وبما أن مصر دولة إسلامية، كما نص الدستور على ذلك ويؤكده الوقع.. فمن المنطق والطبيعى أن يكون للأغلبية دور العبادة التى تتناسب مع واقعها وعددها وتاريخها، علماً بأن الإسلام - ومصر المسلمة تحديداً- شهدت أزهى عصور التآلف والانسجام بين أبنائها.. مسلمين وأقباط.. دون تمييز أو إجحاف، باستثناء بعض الحوادث المتفرقة التى صنعها النظام السابق أو التى أشعلتها بعض الأطراف المتطرفة.. من الجانبين، بل إن الإسلام كان هو الملاذ الآمن للإخوة الأقباط الذين اضطهدهم الرومان ولجأوا إلى الجبال والكهوف.. هربا من ظلمهم.. هذه حقائق تاريخية مشهودة.. ويؤكدها الواقع الحديث.. رغم ارتفاع بعض الأصوات النشاز. ونحن نريد أن تنساب العلاقة بين كافة أبناء الوطن مثل مياه النيل التى تجرى منذ آلاف السنين.. رقراقة.. وهادئة.. تنشر الأمن والأمان.. الكل يصلى ويتعبد وفقاً للنص القرآنى الخالد (لكم دينكم ولى دين) و(لا إكراه فى الدين)، لماذا يثير البعض قضايا من العدم ويصعدونها فى هذا التوقيت تحديداً؟ هل يريدون إثارة المشاكل الداخلية والخارجية لمصر؟ هل يريدون تدخلاً أجنبياً؟ من يفعل ذلك ويستقوى بالخارج لن يضر إلا نفسه وأهله ووطنه.. فنحن جميعاً فى مركب واحدة.. ندعو الله أن تسير بنا وأن نسير بها.. إلى بر الأمان، ولنترك الحديث عن منظمات حقوق الإنسان والكونجرس وإسرائيل.. إلى آخر الخزعبلات الجوفاء التى يرددها البعض.. وسوف تحرق أصابعهم فى نهاية المطاف. *** نعود إلى بعض تفاصيل مرسوم دور العبادة الموحد.. لنكتشف عدة حقائق مهمة: *إن كثيراً من المسيحيين والمسلمين يرفضون المرسوم ولديهم تحفظات عليه.. رغم أنه عالج نقاط الخلل ويعد نقلة نوعية.. خاصة بالنسبة للأخوة الأقباط، ولكن البعض مازال يطبق المبدأ القائل، كلما زادت الضغوط.. زادت المكاسب!! فالمسيحيون - على سبيل المثال - يرفضون الاحتكام إلى رئيس الجمهورية فى حالة رفض بناء أو ترميم كنيسة.. كما يرفضون حبس المخالفين الذين يحولون مساكنهم إلى دور للعبادة. *ومن مفاجآت القانون أنه خلا تماماً مما أشيع عن خضوع تمويل الكنائس للرقابة.. كما أنه لم يتضمن فرض غرامات على طلبات الترخيص والتعلية، وقضية التمويل أثارت لغطاً كثيراً واعتراضاً أكبر من الإخوة الأقباط.. دون وجه حق فالمساجد تمويلها وأنشطتها وأبوابها مفتوحة.. دون أسوار أو أسرار، كل ما فيها مكشوف ومعروف، ومن منطلق المساواة وعدم التمييز والتزاماً بمبدأ الشفافية والرقابة على كل أجهزة الدولة.. لا مانع من معرفة تمويل وأنشطة الكنائس بكل رقائقها، فنحن أبناء وطن واحد.. ليس لدينا ما نخفيه.. أو نخشاه.. مادام يتم وفق القانون والدستور وفى إطار المؤسسات والقنوات الشرعية، لا مانع مطلقاً من معرفة أنشطة الكنائس والمساجد، وهذا لمصلحة كل الأطراف.. ولمصلحة مصر فى نهاية المطاف. *أثارت مسألة الكثافة السكانية.. والمسافة بين دور العبادة الكثير من الجدل والخلاف، فالمسلمون اعتبروا أن مسافة الألف متر سوف تضر كثيراً من المناطق ذات الأغلبية المسلمة وذات الكثافة العالية فى ذات الوقت.. ولا يكفى ألف متر - بين كل مسجد وآخر - لاستيعاب الأعداد الهائلة من المصلين المسلمين، كما أن بعضهم قد يضطر للسير مسافات طويلة لإيجاد مسجد للصلاة.. رغم أن حديث النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «جُعلت لى الأرض مسجداً.. وترابها طهوراً». *مسألة الوفاء بالحاجة الفعلية لممارسة الشعائر الدينية.. كلمة مطاطة ويمكن أن تثير الخلاف.. فحاجة كل طائفة تختلف وفق رؤيتها ومصالحها.. وأيضاً وفق الظروف السائدة وقتها!! وعندما نتناول زوايا العمارات نلاحظ أنها لن تكون مشروعة وفقاً لهذا المرسوم.. رغم أن عددها بعشرات الآلاف.. وهى مطلوبة بإلحاح فى المناطق العشوائية والقرى.. وأيضاً بسبب التكلفة الباهظة لبناء مسجد على مساحة ألف متر، وقد تمتلك إحدى الطوائف قدرات تمويلية أعلى.. فتصبح مساحة الألف متر أو تزيد.. ميزة لها لا عليها! *ضرورة وجود دور أرضى للخدمات.. من الشروط الصعبة.. فالمساجد الصغيرة لا تحتاج مثل هذا الشرط.. خاصة إذا كان حجم المسجد أو الزاوية أقل من طابق الخدمات!! ومن إيجابيات المجلس العسكرى أنه تم نشر بنود المرسوم حتى يطرح للنقاش العام وتبرز سلبياته وإيجابياته.. ثم يتم التوافق على أغلب بنوده.. وليس كلها بطبيعة الحال، وهذا أمر مطلوب فى هذه المرحلة، مطلوب أن يتحقق الحد الأدنى من الاتفاق والوفاق.. من أجل مصلحة الوطن.. وتقديراً للظروف الحرجة التى نمر بها.