نحن نريد المجلس العسكرى.. نحن نريد مجلس حكم مدنيا.. نحن نريد أن يحمى الجيش طلبات ومكتسبات الشعب.. نحن لا نريد أن يكون للجيش دور سياسى.. نحن نريد رئيسا قادما من المؤسسة العسكرية.. نحن نريد رئيسا مدنيا.. الجيش يحمى السلفيين والإخوان.. الجيش «دلّع» الأقباط وكان من اللازم أن يتعامل بقسوة مع الذين واصلوا الاعتصام منهم عند ماسبيرو بعدما دعاهم البابا شنودة لفض الاعتصام فلم يستجيبوا.. ما هذه المتاهة؟! ما هذه الديلما؟! التى يريد كل صاحب مصلحة أن يضع المؤسسة الوحيدة والعمود الفقرى الذى استندت إليه الدولة المصرية فى الأيام والأسابيع والشهور المنقضية منذ يوم 28يناير تحديدا وحتى اللحظة الراهنة ولم تنهر. لماذا هذا الإصرار على إسقاط صمام الأمان الأخير ضد معادلة الفوضى المطلوبة وإخراج اللاعب الحاكم من اللعبة وتركها مفتوحة للغرماء؟! -1- هناك نكات يتداولها المصريون أو الغالبية العظمى منهم الآن تعلن الإحباط والصدمة فى بعض الشعب الذى لم تغيره الثورة.. وكيف تغير الثورة عقولا شاخت على الديماجوجية والجدل العقيم ونفوسا تربى بعضها على الذل والقهر؟ حتى إذا ما جاءتها الفرصة تحولت إلى أنصاف آلهة تمارس عقدها النفسية على عباد الله وتنتقم من معارضيها أشد انتقام وترتكب فى السر ما تهاجمه فى العلن وتلتف على ما تريد تمريره لا لشيء إلا لأنها لا تؤمن بالديمقراطية التى تعلن تأييدها والتسبيح بحمدها الآن تماشيا مع الموضة، هؤلاء بالفعل أعداء الثورة وفلول النظام. ثم..هل يمكن أن يهزم الفعل الثورى فى 4 أشهر مؤسسة الفساد التى تجذرت خلال سنوات طويلة وتشعبت حتى غطت السماء وصار الفساد من مستلزمات الحياة اليومية يتنفسه الفاسدون كالهواء ويقبله الناس على أنه قدر مقدور؟ حدث خلال الأيام القليلة الماضية أن صحفيا شابا يعمل فى قسم الحوادث بإحدى الجرائد طلب من أمين شرطة الاطلاع على محضر يتعلق بإحدى الجرائم حتى يستطيع كتابة الموضوع المتعلق بالحادث بدقة، فما كان من الأخير إلا أن طلب منه 50 جنيها مقابل أن يطلعه على أوراق المحضر كاملا.. هذا مثال ليس فقط للفساد المالى الذى أدمنته الثعالب الصغيرة من جيش الموظفين البيروقراطيين، ولكنه دليل على أن الثورة لن تستطيع وحدها القضاء على ثقافة الفساد التى تسيطر على عقول الكبار والصغار على حد سواء وتتسع الرقعة لتشمل قطاعا عريضا أكبر بكثير مما يتصور البعض، ومكافحة هذه الثقافة السلبية لا يحتاج إلى تطبيق القوانين بصرامة لردع الفاسدين ولكن يحتاج أيضا إلى خطة آجلة لتربية أجيال جديدة أكثر أمانة وصدقا وكراهية للفساد. -2- هل تختلف معى فيما سبق؟! لا أعتقد.. لكن أجزم أن ما سبق له علاقة ما بجمعة الغضب الثانية التى تم الدعوة لانطلاقها يوم 27مايو الحالى (يتزامن هذا مع طباعة المجلة) وقد انتابت الحمى أصحاب الدعوة فوضعوا على صفحتها ب «فيس بوك» خريطة بالمساجد والكنائس والأماكن العامة التى رشحوها لإطلاق المظاهرات وتوالى صدور بياناتهم الثورية على الصفحة نفسها التى وصل عدد المعجبين بها حتى كتابة هذه السطور حوالى 47ألفا.. وبغض النظر عن التزوير الإلكترونى الذى يمكن أن يتم أو نخدع به أحلام الغر وحتى لو وصل عدد الفانس (المعجبين) 50ألفا أو مائة، فهل يمثل هؤلاء الشعب المصرى؟ قبل أن نجيب نضيف أن الدعوة لجمعة غضب التى صاحبها بعض التحركات من خلال جماعات معارضة شبابية مثل حركة 6أبريل فرع أحمد ماهر وبعض شباب الأحزاب الصغيرة مثل التجمع والغد، رفض المشاركة فيها 12ائتلافا على رأسها الإخوان المسلمون، وائتلاف ثورة مصر الحرة، وتحالف ثوار مصر، والوعى المصرى، وأطلقوا عليها: جمعة الخطر (الأهرام عدد 25مايو). وما بين ائتلافات مؤيدة وأخرى معارضة يحار المرء: كم ائتلاف فى مصر يتحدث باسم الثورة؟! ومن أعطى واحدا أو أكثر من هذه الائتلافات الحق فى أن يهدد ويتوعد المجلس العسكرى إما تنفيذ مطالبه أو الفوضى؟ ثم ما هى مطالب هؤلاء الذين يدّعون الامتلاك الحصرى للعمل الثورى؟! وينصّبون من أنفسهم قضاة وجلادين بدعوى الدفاع عن الثورة ضد أعدائها وخصومها والثورة المضادة؟.. هذه هى ديكتاتورية الأقلية فى أجلى صورها. -3- ثم.. ما هى مطالب الذين دعوا إلى جمعة ثانية للغضب؟ هناك 8 مطالب على صفحتهم الإلكترونية لكن فى الحقيقة هناك مطلب واحد يهمهم تنفيذه من بين كل الطلبات وهو استبدال المجلس العسكرى بمجلس رئاسى مدنى، لأجل تنفيذ أهداف الثورة مع وضع جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد يكفل ضمان الحريات، ومرجعيتهم فى هذا ميثاق الأممالمتحدة لحقوق الإنسان(كما قالوا) وأردفوا بين قوسين: (وسوف يتم تحديد أسماء أعضاء كل من المجلس والجمعية فى القريب العاجل إن شاء الله).. لكنهم لم يقولوا لنا من الذى سوف يختار وما هى معاييره وما إذا كانت جموع المصريين موافقة على هذا الطلب وما سوف يتمخض عنه من اختيارات .. وماذا .. وماذا؟ الهدف يا سادة هو الدخول فى متاهة الفوضى التى لن تتحقق إلا بعد إزاحة الجيش من طريق هذا المخطط الشيطانى، بعد أن فشل مخطط الفتنة، ومخطط إيقاع الجيش فى الشعب، أما باقى طلباتهم فتشبه إلى حد كبير الطلبات الفئوية لأنها لن تتحقق بين يوم وليلة، والجيش لا يقف ضدها بأى حال من الأحوال. ويفاجئنا البند الثامن لأصحاب دعوة الغضب الذين يطالبون فيه ب «استرجاع» كل أموال الشعب المنهوبة ومحاكمة كل من شارك أو ساهم أو تواطأ فى نهب ثروات البلاد، ويهددون أنه فى حالة التراخى تقوم المحكمة الثورية بتنفيذ أحكام الإعدام شنقا فى الميدان بلا رحمة عبرة لمن يعتبر. السادة يريدون أن يعلقوا المشانق فى ميدان التحرير، ومن يضمن لهم – إن كانوا مصريين- أن تنجو رقابهم من حلقة الخناق وهذه الدائرة الجهنمية؟ ومن هذا الذى يصر على استلهام النموذج الدموى للثورة الفرنسية؟ ومن ذا الذى يمكن أن يفصل ما بين المذنب والبرىء إذا كان أصحاب دعوة الغضب قد حكموا على كل مؤسسات الدولة بالفساد ومن بينها مؤسسة القضاء؟ ثم لماذا يطلب أصحاب دعوة الغضب من الجيش الإفراج عن المقبوض عليهم من مثيرى الفتنة والشغب والفوضى ثم يمنحون أنفسهم الحق فى تعليق خصومهم فورا على خشبة المشنقة أو الأرجوحة كما يسميها أهل التخصص فى فعل إزهاق الأرواح. - 4 - لم يعد يجدى أن ندور فى هذه الدائرة المفرغة، لماذا يصمت الجيش ولديه كثير من المعلومات ينبغى للشعب المصرى أن يعرفها كاملة، وإلى متى التأجيل؟! فمن حق المصريين أن يعرفوا ما كان يدور فى كواليس ثورة 25يناير، الشعب المصرى يريد أن يعرف من الذى مول ومن الذى ضغط ومازال يضغط سياسيا من الخارج لدفع مصر فى اتجاه محدد.. يقضى على كل مظهر من مظاهر إسلامية مصر ليخلق منها مسخا بلا هوية ويخترقها بدعوى الحرية ويدفع بالآخر الذى يتخفى وراء شركات «الأوف شور» والشركات العابرة للقارات ليستولى على اقتصاد مصر ومقدراتها، ويخلق جماعات ضغط تحكمها كما تحكم أمريكا وأوروبا ويجعل منها مطية وفناء خلفيا وكيانا بلا قيمة حقيقية لصالح إسرائيل التى تركّع الآن الرئيس الأمريكى أوباما لأنه تجرأ وطالب بدولة فلسطينية تضمن للفلسطينيين الحق الأدنى فى أراضيهم المحتلة وحقوقهم التاريخية، وما أن نطقها حتى انفجرت فى وجهه قنابل أعضاء الكونجرس الموالين لإسرائيل وجماعات الضغط اليهودية ومؤسسات اليمين المحافظ كل هؤلاء الصهاينة الذين لا يعطل مصالحهم فى مصر - من وجهة نظرهم - إلا مؤسسة الجيش والإسلاميون. أفيقوا يا مصريين، فهناك من يريد أن يسوقكم معصوبى الأعين إلى المذبح..ويهدد بتعليق كل من يقف ضد المخطط الإمبريالى على المرجيحة فى ميدان التحرير. أفيقوا يا مصريين وتمسكوا بجيشكم فهو الضامن الوحيد والأخير لأمنكم واستقلالكم وكرامتكم.