كسر الحوار الوطنى حواجز الفشل التى وضعها البعض فى طريقه..ورغم دعوات اليأس وفقدان الأمل تمكن الدكتور عبد العزيز حجازى من قيادة دفة الحوار نحو التوافق على أهم قضايا الوطن (السياسة- الاقتصاد- التنمية- الديمقراطية وحقوق الإنسان- الإعلام). وفى ثلاثة أيام فقط خرج الحوار الوطنى بالعديد من الإيجابيات التى ستعلب دورا مهما فى رسم خريطة طريق لمصر خلال السنوات الخمس المقبلة. (أكتوبر) رصدت أجواء الحوار الوطنى.. بسلبياته وإيجابياته وتقدم فى هذه السطور رؤية لأهم نتائجه التى يؤكد المشاركون فيه أنها بداية جادة لحوار جديد يصيغه شباب مصر خلال الأسابيع القليلة المقبلة. المشهد الأول للحوار الوطنى بدأ بعرض بعض الصور واللقطات من ميدان التحرير وبكلمة استغرقت دقيقة للدكتور عصام شرف رئيس الوزراء ثم تحدث بعدها الدكتور عبد العزيز حجازى عن ضوابط الحوار وحرية التعبير، والفرص المتساوية لأطراف الحوار، وعدم الإقصاء والتركيز على كل ما يدور فى مصر ومحافظاتها وليس فى القاهرة فقط.. وطالب بمشاركة الشعب فى القوانين والقرارات ودعا المجلس العسكرى والحكومة لتفعيل كل القرارات التى تعيد الأمن والعمل والاستقرار للبلاد. واهتم حجازى بالتخلص من العشوائيات وفق برامج محددة، وأشار إلى أهمية إنشاء صندوق لتنمية الموارد خارج ميزانية الدولة، وطالب الحكومة بترشيد الإنفاق.. ودعا الشباب لأن يكون لهم كيان منظم يعملون فى إطاره. بعد الافتتاح تحدث صفوت حجازى وطلب خروج رموز الحزب الوطنى وأعضاء لجنة السياسات الذين لم يتم دعوتهم لهذا الحوار. وتكررت الدعوة عدة مرات وهدد بإعلان الأسماء غير المرغوب فيها وإخراجهم إذا لم يغادروا القاعة، ولكن استمر رموز الحزب الوطنى فى مقاعدهم مما دفع شباب الثورة إلى الانسحاب واتهام الحزب الوطنى بإفساد الحوار بسبب المشاركة المكثفة لأعضائه. وتم تعليق الجلسة لمدة خمس دقائق لحل الأزمة ثم استأنف صفوت حجازى حديثه مؤكدا الحرص على إنجاح الحوار وتسجيل احتجاج شباب الثورة، وتدخل عمرو حمزاوى لضبط الإيقاع وإنهاء الاحتجاج، ولكن شباب الثورة عبر بما يريد وسجل ملاحظاته على عمل الحكومة والمجلس العسكرى. وطالب بمشاركة فى الفترة الانتقالية.. واقترح بناء مدينة للشباب لصناعة البرمجيات والانخراط فى مشروع قومى للزراعة يسد حاجة المواطن الغذائية الأساسية. السياسة الخارجية وفى اليوم التالى.. بدأ الحوار يأخذ منحى هادئا خاصة فى جلسة رسم سياسة مصر الخارجية بعد ثورة 25 يناير خاصة العلاقات العربية والإسلامية والأوروبية والأمريكية والأفريقية، إضافة إلى أهمية إعادة هيكلة وزارة الخارجية وإعطائها صبغة المؤسسة التى تمثل وتعكس سياسة كل الشعب المصرى وليس النظام أو الحكومة فقط، وكان من أبرز الحضور فى هذه الجلسة. عمرو موسى المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية والدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق وعدد من السفراء السابقين والسفير محمد شاكر وبعض رموز الثورة الذين اقترحوا إنشاء منطقة تجارة حرة بين مصر وقطاع غزة لتقوية الروابط بين الشعبين المصرى والفلسطينى، وكذلك ضرورة ربط الجاليات المصرية بالخارج بالوطن، فيما شدد الدكتور كمال الجنزورى على الاهتمام بالسياسة الخارجية فى شقها الاقتصادى. وقال إن السياسة الخارجية يعرفها كل مواطن.. خاصة فيما يتعلق مثلا بالتعامل مع إيران وحزب الله وخلافه- لكن المهم- هو إيجاد نمط جديد اقتصادى يخرج مصر من قبضة تداعيات النظام السابق الذى كان «يشخصن» كل شىء لصالحه، ودافع الجنزورى عن فكرة إعمار سيناء وتسكين ما لا يقل عن ثلاثة ملايين نسمة إضافة لتأسيس كل الخدمات المناسبة لهذا العدد.. واهتمت جلسة محور السياسة الخارجية بضرورة إنشاء مجلس للأمن القومى يضم وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والرئيس القادم وقد علق عمرو موسى على هذه الفكرة وأهميتها فى المرحلة المقبلة. وقال إن ثوابت السياسة المصرية تجاه العالم الخارجى معروفة للجميع، وبالتالى يجب التركيز على سياسة التغيير والتحول الذى يشهده العالم من حولنا بما فى ذلك مصر والعالم العربى وكيفية تفاعل مصر مع هذه المتغيرات. وركز محور السياسة الخارجية على العمل وعلى تحسين العلاقات مع الدول المحيطة ودول حوض النيل وتوطيد العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية والنمور الآسيوية لدفع عجلة الاستثمار وكذلك المطالبة بالتكامل مع السودان شماله وجنوبه. وتحدث السفير قاسم المصرى عن مصر والعالم الإسلامى، مشيرا إلى تولى مصر رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامى فى العام المقبل وضرورة وضع أجندة لتقوية الروابط مع العالم الإسلامى الذى يصل عدد سكانه إلى مليار ونصف المليار، وتحدث عن قوة المنظمة الإسلامية التى تمتلك مقومات عالية منها البنك الإسلامى وغرفة التجارة ودراسات وأبحاث للتاريخ والتراث الإسلامى الذى له صلة بالأرشيف العثمانى. وقال: لقد وجدنا فى هذه الأبحاث ضابطا مصريا يقوم بتحية العلم على جبل طابا بما يثبت ملكية مصر لطابا.. وقد حصلنا على هذه الوثائق من الأرشيف العثمانى. وتحدث عن عودة الوسطية فى العالم الإسلامى ودور المنظمة التى تتخذ من مدينة جدة مقرا مؤقتا لها، لأن المقر الدائم للمنظمة هو القدس الشريف بعد تحريره، كما تطرق إلى دور مصر والأزهر الشريف فى هذه المنظمة. الديمقراطية وحقوق الإنسان من جانبه أعلن عمرو حمزاوى المسئول عن محور الديمقراطية وحقوق الإنسان أن الحوار كان دورة أولية وهو ممتد، وهناك آليات سوف تطرح. وأشار إلى الاتفاق على المشاركة والمتابعة للمرحلة الانتقالية وأهمية الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية. وقال: لقد عبرنا عن رفض الانفرادية التى تبدو فى المشهد القانونى وقانون الأحزاب وقانون مباشرة الحقوق السياسية، وطالبنا بأهمية الحوار المجتمعى فى صياغة القانون اللازم للبلاد، وأوافق على ألا يدعى للحوار كل من تورط فى الفساد أو حرض أو قام بعمليات للتعذيب. وأؤكد على حق مشاركة المصريين فى الخارج فى الانتخابات. تقليص الفقر وتحدثت الدكتورة هيام حندوسة حول محور التنمية البشرية والاجتماعية، مؤكدة على ضرورة تقليص الفقر والاهتمام بالتعليم والصحة وحصول المواطن على فرصته فى العمل وتمكين المرأة، ودعم الشباب. فيما أقر الدكتور أحمد جلال المسئول عن المحور الاقتصادى بأن ثورة 25 يناير غير مسئولة عن الأزمة الاقتصادية وأنه بعد استقرار مصر سيكون الوضع الاقتصادى أفضل بعد الثورة. وقال: إن التوافق بين فئات الشعب يساعد على عبور الأزمة وكيفية تحقيق العدالة الاجتماعية. وبدوره قال السفير محمد شاكر المسئول عن محور السياسة الخارجية إن إنجازات مصر الثورة كثيرة من أهمها تحقيق المصالحة الفلسطينية، وفتح معبر رفح، والمحافظة على منصب الأمين العام للجامعة العربية والدور الذى قامت به الدبلوماسية الشعبية فى معالجة ملف المياه مع إثيوبيا وأوغندا. وأشار إلى المناقشات التى دارت حول تنمية العلاقة مع أفريقيا ومنابع النيل، والعلاقة مع الاتحاد الأوروبى وأهمية اتصال البرلمان المصرى بعد انتخابه مع رجال الكونجرس الأمريكى المسئول عن رسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة. حوار الأديان وتحدث صفوت حجازى عما أسفرت عنه مناقشات محور الثقافة وحوار الأديان والإعلام.. مشيرا إلى أن من حضر الحوار واستمع إلى أحداث إمبابة لظن أننا نتحدث عنها فى دولة أخرى وليس فى مصر. وأضاف: اتفق المشاركون فى الحوار على أن الإعلام مازال بعيدا عن الثورة وأنه يعيش فى عهد النظام السابق، وهو إعلام إثارة ويجب أن يتغير. وقال إن الشعب المصرى واحد مسلم ومسيحى وأن مرجعية الخلاف هى مصلحة هذا الوطن. قبل الجلسة الختامية قام بعض المنتمين للحزب الوطنى لإعلان بيان من خارج القاعات وبسماعات مستقلة تؤكد وجود خلافات وفشل للحوار وهو ما دعا شباب الثورة للدخول إلى القاعة رافعين شعار «إيد واحدة» وإعداد بيان قامت بتلاوته إحدى شابات الثورة يؤكد رفض الأكاذيب التى تم ترويجها حول الانسحاب من الحوار والتأكيد على احترام راعى الحوار والمشرف عليه ومطالبة وزارة الداخلية بفرض الأمن وفق توصيات لجنة الأمن وتشكيل لجنة لإعداد دستور جديد، وإجراء الانتخابات بعد تسعة شهور، والتأكيد على روح الأسرة والفكر الواحد داخل غرف الحوار. دور الإعلام انتقدت د. ليلى عبد المجيد عميدة كلية الإعلام سابقا أجهزة الإعلام المختلفة وقالت إنها الآن تعمل على الإثارة فقط وليس البناء وكان يجب عليها أولا تقديم المعلومات ثم طرح وجهة نظرها، لكن التغطيات الإخبارية الحالية غير متعمقة وهو ما أدى إلى عزوف البعض عنها واتجهوا إلى الإعلام البديل الإنترنت والفيس بوك. الإعلام له دور كبير فى المرحلة الانتقالية الحالية، لذلك لابد أن يتحلى بالمسئولية الاجتماعية ويلتزم بالبناء ويبتعد عن الإثارة ويخفف من حالة الاحتقان الموجودة بالشارع المصرى حاليا. وطالب آخرون بعدم تحويل أقسام الإعلام إلى كليات مستقلة حتى يتم تأهيل الطلاب بشكل جيد، وتفعيل ميثاق الشرف الصحفى وتشجيع الصحافة المحلية والإقليمية بالمحافظات. إذن الحوار الوطنى لم يفشل كما ادعت بعض وسائل الإعلام، وإنما استمر وقاوم حصار الفشل الذى حاول بعض الرموز الضالة إفساد مناخه. وفى يومه الثالث أعلن الدكتور عبد العزيز حجازى أن الحوار لم ينته بعد وأن ما تم هو مرحلة أولى يتبعها خطوات وأنه مرابط حتى ينجح الحوار ويستوعب المرحلة وتطوراتها. وقال: لقد قررنا عقد حوار خاص للشباب يعد له ويضع أجندته وأوراق عمله، وأوضح أن حوارا بدأ فى كل محافظات مصر يستمر لمدة أسبوعين حتى يشارك كل الشعب المصرى فى مرحلة العهد الجديد دون إقصاء أو تهميش.