أثمرت التحركات المصرية الأخيرة فى دول حوض النيل عن نقطة مضيئة فى هذا الملف الشائك إذ اطمأنت الوفود الرسمية والشعبية التى قامت بجولات مكوكية باثيويبا وأغلب دول الحوض على عدم المساس بحصة مصر التاريخية. وتدرس مصر حالياً كل الجوانب المتعلقة بسد الألفية الإثيوبى بعدما تعهد مسئولو اثيوبيا بعدم الضرر بأمن مصر المائى، ولا يزال ملف مياه حوض النيل على رأس اهتمامات حكومة د.عصام شرف التى تعيد حالياً إعادة صياغة علاقات مصر الخارجية بعد سلسلة من الإخفاقات فى عهد النظام السابق. وعن ملامح الاستراتيجية المصرية فى هذه القضية الشائكة يقول د.حسين العطفى وزير الموارد المائية والرى إن استراتيجية التعامل مع ملف مياه النيل ترتكز على التعاون الثنائى والإقليمى لدفع عجلة التنمية فى كل دول حوض النيل وكل ما نطلبه من دول الحوض هو الحفاظ على حصة مصر المائية وحقوقها التاريخية فى النهر وأن تحقق الاستفادة للجميع وهذه وجهة نظر مصر طوال الوقت. وأضاف أنه يجرى اتصالات مع نظيره السودانى بالإطلاع على نتائج الاجتماعات مع الجانب الإثيوبى فيما يتعلق بسد النهضة والاتفاق على المقترحات الخاصة بتشكيل اللجنة الفنية لدراسة السد، مشيرا إلى أن مصر ترحب بإقامة أى مشروعات تساند التنمية فى إثيوبيا، بالإضافة إلى أن هناك اجتماعات موسعة مع رئيس قطاع مياه النيل وخبرائه لمناقشة دور اللجنة الفنية التى تقرر تشكيلها من خبراء النيل الشرقى لدراسة سد الألفية الإثيوبى والشروط المرجعية التى سوف يتم على أساسها عمل التقييم للسد من حيث قواعد انشائه وآليات تشغيله وفترة التخزين وكافة دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية بالإضافة إلى الآثار الجانبية على مصر والسودان من إقامة السد وكيفية تلافيها من عدمه مشدداً على أنه فى حالة التأكد من عدم وجود ضرر على دولتى المصَبَ فإن مصر لن تمانع فى إقامته. من جهته قال د. حسام فهمى رئيس قطاع مياه النيل إن رأى اللجنة سوف يكون فنياً وموضوعياً فى المقام الأول بعيداً عن الأضواء السياسية وبنسبة 100% لأن الدراسات العلمية وخبرات الخبراء بالدول الثلاث كفيلة بالتقييم الموضوعى للسد وسوف يتم وضع القواعد الفنية والعملية للتعامل مع الآثار الناجمة عند إنشائه مادام لن يضر بمصر ومن الممكن الاستعانة ببيت خبرة عالمى إذا اضطررنا لذلك. وأضاف أنه تم الاتفاق مع وزير الرى السودانى على ضرورة تفعيل دور الهيئة الفنية المصرية السودانية المشتركة لمياه النيل والتى توقفت اجتماعاتها الدورية خلال الفترة السابقة لظروف هذه البلاد حيث إن المستجدات التى تشهدها منطقة حوض النيل سريعة متلاحقة وتتطلب المزيد من التنسيق والتشاور، وأشار إلى أن اجتماعات الهيئة القادمة تناقش انضمام دولة السودان لعضوية هيئة مياه النيل، كما أن مصر ترحب بكافة المشروعات المقترحة من قبل الجنوب لتنمية مواردها المائية. من جانبه يرى د. محمد أسامة محمد خبير الموارد المائية والرى أن التعاون اصبح هو الورقة المهمة لتحقيق المصالح وإيجاد قواسم مشتركة كما أنه المدخل المناسب لاستمرار التواجد للحفاظ على جودة العلاقات مع دول الحوض خصوصاً مع دخول إسرائيل تلك الدول كطرف منافس للتواجد والتأثير المصرى حيث يلاحظ أن النشاط الإسرائيلى بأفريقيا قد توسع وازداد بكثافة بعد عام 1980 عندما أقامت مصر علاقات دبلوماسية مع إسرائيل حيث أعطت الدول الأفريقية الضوء الأخضر لإقامة نفس العلاقات فاستطاعت إسرائيل أن تقيم أو تعيد إقامة علاقاتها الدبلوماسية مع دول الحوض فأصبح لديها سفير مقيم لدى كل من الكونغو عام 1994 وكينيا عام 1988 وأوغندا عام 1994 وإثيوبيا عام 1989 وسفير غير مقيم لدى رواندا وبوروندى عامى 94 و1995وتنزانيا عام 1987 ويظل السودان من دول الحوض الذى لم يقم العلاقات معها، بينما العلاقات التجارية موجودة بين إسرائيل وكل من مصر وكينيا وإثيوبيا وتنزانيا وتجاوزت فى عام 2002 مبلغ 120 مليون دولار أمريكى من صادرات وواردات ولا يكتفى النشاط الإسرائيلى بأفريقيا بالعلاقات السياسية والاقتصادية بل أصبح ثقافياً وعسكرياً ببعض دول الحوض المهمة لأمن مصر المائى مثل إثيوبيا وكينيا والكونغو وبعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل طرحت الأخيرة عدة مشروعات تهدف إلى حل أزمتها المائية مثل «مشروع اليشع كالى وشاؤل أزرف» بمد وايصال ماء النيل لصحراء النقب واستند الرفض المصرى إلى أن حصة مصر غير كافية ولا يمكن ايصالها للغير، كما أن الاعراف الدولية الحالية لا تسمح بنقل الماء إلى غير حوض النهر، فضلاً عن إسرائيل تتميز بوضع مائى أفضل من بعض دول الحوض وأن فكرة تسعير الماء هى فكرة لا تلاقى قبولا من الناحية الفنية والاجتماعية. وأضاف د. محمد أسامة كان لقيام إسرائيل بتكثيف نشاطها بدول الحوض ونجاحها فى ذلك مع التغيرات بالنظام الدولى أن استحدث على ساحة العلاقات المصرية المائية مع دول الحوض عدة عوامل منها تراجع ورقة الضغط الأفريقى كورقة بيد مصر والعرب ضد إسرائيل أو خلال أى مفاوضات معها حيث لم تعد العلاقات الأفريقية مع إسرائيل ترتبط بالصراع العربى الإسرائيلى بل أصبحت مصالح دول الحوض هى الأساس فى قراراتها، كما أن تغير قواعد النظام الدولى وتميز إسرائيل كوكيل للولايات المتحدة بالمنطقة يفرض على الإدارة المصرية تحديات وصعوبات تصب فى ضرورة اتباع سياسات متعددة الجوانب تأخذ فى الاعتبار المصالح المصرية ومصالح دول الحوض وازدياد الثقل الإسرائيلى. وأضاف الخبير المائى أن إثيوبيا هى كلمة السر فى أزمة حوض النيل وهىالهدف الأول لمن يرغب فى السيطرة على منابع الماء، وأوضح أن إثيوبيا أقامت 5 سدود ولكنها لا تؤثر على حصة مصر نتيجة لمسارها ومصباتها المختلفة بالإضافة إلى مشروعات أخرى جار العمل بها، وهناك 30 مشروعاً تحت الدراسة وسوف تقتطع حوالى من 4.5 إلى 8 مليارات متر مكعب من المياه أغلبها من النيل الأزرق إلا أن هناك من يرى صعوبة تنفيذ كل تلك المشروعات نظراً للطبيعة القاسية للأرض والتربة وكذلك قوة وشدة مياه الفيضان التى قد تدمر ما يقف أمام اندفاعها للسهول السودانية من منشآت كما أن الطمى المحمل بالماء سوف يقوم بردم السدود وإنهاء السعة التخزينية لها خلال مدة محددة. وأشار إلى أن بناء هذه السدود داخل منظومة عمل جماعية قد تؤدى إلى تنظيم تدفق ماء النيل الأزرق وضمان استمراره بمعدلات متزنة والقضاء على ظاهرة الفيضان الموسمى والحفاظ على معدلات منتظمة من التدفق المائى وتسهيل وتنظيم الملاحة والرى بالنيل الرئيسى والنيل الأبيض وبخصوص ذلك فقد أوضح العالم الكبير رشدى سعيد أنه فى حال تنفيذ مشروعات داخل إطار تعاونى فإن كميات الماء البالغة 9.5 مليارات متر مكعب سيقتطع منها 6 مليارات متر مكعب بالسدود الإثيوبية لكن اختفاء ظاهرة الفيضان سيؤدى الهبوط منسوب الماء ببحيرة ناصر طبقاً لإطلاق إثيوبيا 3.5 مليارات متر مكعب بشكل منتظم شهرياً وهو الباقى من 9.5 مليارات متر مكعب فتقل مساحة مسطح الماء المتعرض للبخر مما يؤدى إلى تقليص كمية الماء المتبخر ببحيرة ناصر بحوالى 6 مليارات متر مكعب وهو نفس الكمية المقتطعة بالسدود الإثيوبية فلا تنقص الحصة المصرية السودانية. وأضاف: تستطيع إثيوبيا تنفيذ مشروعاتها المائية شريطة حصولها على موافقة مصر والسودان لمراجعة تأثير المنشآت المائية الإثيوبية على حصتيهما أمام السد العالى وذلك طبقا للاتفاقات السارية حالياً وطبقاً للأوضاع القانونية حيث التعاون والاستشارات المتبادلة يؤدى إلى تحقيق مصالح الجميع فى تنفيذ المشروعات. وأضاف أن قضية المياه يتم استخدامها بشكل سياسى وبخاصة من دول مثل إثيوبيا بشكل واضح والسودان فى بعض الأحيان ومازالت ورقة التعاون بين إثيوبيا والسودان فى الاستخدام المشترك لماء النيل عام 1993 تشير إلى استخدام الماء كورقة ضغط سياسى أحياناً على مصر كما أن التدخل الإسرائيلى هو امتداد للتهديدات لذلك كانت الإدارة المصرية تعطى الأهمية البالغة للمورد المائى حيث توجد عناصر التخطيط للسياسة الخارجية المصرية مع دول الحوض وتوافر الدور الاستشارى على المستوى القانونى والفنى وتواجد الآلية التى تعالج الحوادث الطارئة وتجنب الأزمات والسعى إلى دعم العلاقات التعاونية مع دول الحوض ويتبقى التفعيل لتلك المؤسسات واللجان وربطها بخطة تتعاون مع الشركات والمؤسسات الأهلية والحكومية لتحقيق الأهداف القومية وبالطبع فمصر لها علاقات كاملة مع دول الحوض أقدمها مع إثيوبيا منذ عام 1930 وأحدثها مع إريتريا عام 1993.