أشعل توقيع بوروندى على اتفاقية إعادة تقسيم مياه النيل الصراع مجدداً حول أزمة مصر مع دول حوض النيل التى تريد استقطاع 15 مليار متر مكعب من حصة مصر البالغة 55 مليار متر مكعب، وتواجه مصر محاولات من دول الحوض لإلغاء اتفاقية 1929 التى تعطيها الحق فى الاعتراض على المشروعات التى تقام فى أعالى النيل، كما تواجه أزمة فى تنفيذ اتفاقية 1959 مع السودان التى تمنح مصر 55 مليار متر مكعب، ويتزامن مع ذلك مخططات اسرائيلية وأمريكية لفرض نفوذهما على دول الحوض من أجل تنفيذ مشروعاتهما الاستعمارية.. «أكتوبر» التقت بنخبة من الخبراء للحديث عن هذا الملف الشائك. فى البداية يقول ناصر أبو على - الخبير فى شئون المياه: ليس هناك ثمة خطر بالنسبة لحصة مصر من مياه النيل رغم الضعف الذى اعترى الدبلوماسية المصرية فى سنواتها الأخيرة ومحاولة العودة إلى أفريقيا ولو من خلال الحوار وإقامة المشروعات ونبذ الخلاف بين الدول الأشقاء. فمن المعروف أن كمية المياه التى تمر فى نهر النيل قياساً على الكميات التى تسقط على منابع النيل المختلفة لا تشكل سوى 4% من مجمل الكمية أما باقيها فيهدر فى مساحات شاسعة حول كل دول النيل المختلفة ولو أمكن تعظيم الكمية التى تمر فى مجرى النهر ب 1% ليصبح وما يمر فى النهر 5% ويوحد لدى وزارة الرى المصرية كمية من الدراسات والمشروعات المقترحة والقابلة للتنفيذ ما يعطى هذه الكمية وأكثر وبتكاليف معقولة ولكن بسبب بعض الخلافات السياسية فضلاً عن التوجه الخاطئ للسياسات المصرية فى السنوات الأخيرة. وللعلم فإن مصادر النيل موزعة كالآتى: 80% من هضبة أثيوبيا، 10% مصدرها بحيرة تانا و10% من مصادر أخرى من أعالى النيل. ومن هذا يتضح أن الكمية الأهم التى تأتى لمصر مصدرها دولة أثيوبيا ومن حسن الحظ فإن طبيعة الأراضى الأثيوبية لا تسمح بإقامة سدود بالكيفية التى يمكن أن تضر بحصة مصر بل ربما كان خطرها على دولة أثيوبيا أكثر من مصر، وأضاف أن معظم الدول فى حوض النيل تسقط عليها الأمطار بكميات كبيرة يمكن أن تساهم فى حل قضية المياه والعمل على إقامة مشروعات مشتركة مع دول حوض النيل وكذلك إقامة مشروعات أخرى فى الكثير من المجالات التى يمكن أن تساهم فى لم الشمل بين الأشقاء فى دول حوض النيل وأفريقيا. لكن الدكتور أيمن عبد الوهاب الخبير فى شئون المياه فيرى أن توقيع بوروندى يعد إنذاراً بالإضافة إلى اتفاقية عنتيبى ورغبة هذه الدول فى فرض الأمر الواقع على مصر إما بالقبول وإما بالخروج من اتفاقية التعاون وغلق هذا الملف على الدول الموقعة وإما قبول الصيغة واستبعاد مصر من هذه الاتفاقية وكانت هذه رسالة قوية ولم نتعامل معها كما ينبغى وأن نقوم بدراسة هذا الموقف فى أسرع موقف وخاصة أن الحوار يفتقد لغة الجدية فى التخاطب لعدم الإضرار بالمصالح المصرية، ولابد أن يكون هناك رسالة قوية إلى الدول التى تضر بالمصالح المصرية والتعامل مع الدول التى تتنافس فى هذه المنطقة مثل الصين وأمريكا واليابان وإسرائيل وفرنسا وإيطاليا. بجدية وحزم وهذا يستدعى الحيوية فى الملف وتغيير منهجنا التفاوضى وتفعيل عدد من الأوراق التى تمتلكها مصر. وأكد عبد الوهاب على ضرورة اتخاذ موقف سريع مع أية دولة تحاول تمويل بعض السدود وخاصة أن السدود التى تبنى من أجل توليد الطاقة الكهربائية لا تضر إنما السدود التى تبنى من أجل تخزين المياه تضر بحصتنا من مياه النيل، ومن الخطير فى الأمر كما يقول د. أيمن عبد الوهاب: إن هناك العديد من الدول العربية والأوروبية تتجه نحو شراء أراض من دول حوض النيل لزراعتها والاستفادة منها فى الطاقة الحيوية وكل هذه العوامل زادت من الضغط على مصر. إقامة المشروعات أما الدكتور السيد فليفل - الخبير فى الشئون الأفريقية فأكد أن هناك عدة أنواع من الاتفاقيات حول مياه النيل وتضمنت هذه الاتفاقيات بعض المواد التى تشترط فيها بريطانيا على حكومات دول حوض النيل عدم إقامة منشآت على المنابع والتى من شأنها تعطيل تدفق المياه أو التقليل من كمياتها أو تغيير موسم ورودها. وكانت هذه الاتفاقية عام 1891 واستمرت إلى أن وقعت مصر اتفاقية 1929، وطالب د. فليفل بضرورة وجود لجان على مياه النيل للنظر فيما يتعلق بأى أمر يتعلق بالمساس بحصص الدول على حوض النيل. واعترضت أثيوبيا على الرغم من أن هذا الاتفاق له علاقة بالمياه الأثيوبية وبهذا تزيد حصة مصر 25 مليار متر مكعب من المياه ولهذا كانت تذهب إلى البحر المتوسط بعد ذلك كانت هذه الدول تتوقع قيام مصر بمشروعات التنمية الكهربائية وخاصة أن اتفاقية 59 كانت تقضى بأن تقوم مصر والسودان بإقامة بمشروعات تنمية فى الطاقة الكهربائية مقابل زيادة حصة مصر من المياه وخاصة فى أوغندا وأثيوبيا. فينبغى أن تعود على الفور لإقامة تلك المشروعات فالنظام المائى المصرى دفع ثمن الفساد وتعطيل المشروعات القومية للتنمية فى مصر. الدور الإسرائيلى وأضاف الدكتور عاصم الدسوقى - أستاذ التاريخ بجامعة حلوان أن إسرائيل تسعى إلى إثارة الأزمة بين دول حوض النيل وخاصة بعد فشل المحاولات الإسرائيلية فى الحصول على حصة من مياه النيل بالتراضى مع الطرف المصرى. لذلك سعت إسرائيل للضغط على مصر من خلال تحريض الدول الأفريقية المشتركة معها فى مياه النيل وذلك بإقامة المشاريع المائية والتى ستؤدى إلى تخفيض حصة مصر من المياه. فقد قامت إسرائيل بإغراء دول المنبع بإقامة مشاريع وجسور وسدود بتسهيلات كبيرة تشارك فيها شركات أجنبية أمريكية حيث تتحكم إسرائيل فى دول حوض النيل ويكون لها تأثير على حصة مياه النيل الواردة لمصر وبدرجة أقل من السودان. لكن مصر متمسكة بحقها التاريخى فى مياه النيل حسب الاتفاقية المبرمة فى عام 1929 بين الحكومة البريطانية بصفتها الاستعمارية نيابة عن عدد من دول حوض النيل «أوغندا وتنزانيا وكينيا» وتتضمن إقرار دول حوض النيل بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل وأن لمصر الحق فى الاعتراض فى حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. وتبع هذا اتفاقية مصرية سودانية عام 1959 تعطى لمصر حق استغلال 55 مليار متر مكعب من مياه النيل ليتبقى 18 مليار متر مكعب من الحصة للسودان ومنذ استقلال دول حوض النيل وهناك مطالبات متزايدة من جانب حكوماتها بإعادة النظر فى الاتفاقيات القديمة بدعوى أن الحكومات لم تبرمها ولكن أبرمها الاحتلال نيابة عنها. وأن هناك حاجة لدى بعض هذه الدول خصوصاً كينيا وتنزانيا لموارد مائية متزايدة حتى أن تنزانيا منذ استقلالها أعلنت أنها ترفض هذه الاتفاقية من الأصل ولا تعترف بها وظلت دول منابع النيل تطالب دوماً بتعديل الاتفاقية وتهدد بتنفيذ مشروعات على نهر النيل تقلل من كميات المياه لمصر وقامت القاهرة مراراً بمحاولات لتهدئة الوضع عن طريق تعاون فنى وصناعى وتقديم مساعدات لهذه الدول لكن ثبات كميات المياه وزيادة أعداد السكان وزيادة المشاريع الزراعية إضافة إلى تدخلات أمريكا وإسرائيل يدفع تدريجياً بكارثة مستقبلية فى المنطقة لأن مصر تعتمد على النيل بنسبة 95% لتوفير المياه. وتعتبر مياه النيل مصدر الحياة. ولذلك ترفض مصر تغيير الاتفاقيات القديمة. بل تطالب بزيادة حصتها من المياه. وأشار الدسوقى إلى أن مصر قامت بمساعدة أوغندا عام 1949 فى إنشاء قناطر شلالات أوين لتوليد الكهرباء من بحيرة فكتوريا تمت تعليتها عام 1991 وبعدها تصاعدت التهديدات من جانب كينيا وتنزانيا وأثيوبيا بتنفيذ مشاريع مستقلة على مجرى النيل وبعدها عادت المناوشات بين دول حوض النيل نتيجة توقيع دول الحوض اتفاقية دون مصر. وطالب الدكتور عبد الله الأشعل - نائب وزير الخارجية الأسبق بالنظر إلى جذور الأزمة، مشيراً إلى أنه قبل 20 عاماً كان هناك تفاهم سياسى مصرى مع دول حوض النيل وكان يترتب على ذلك وجود ثقل مصرى فى أفريقيا. لكن الوضع الحالى أصبح يؤكد تراجع هذا الثقل نتيجة تراجع دور مصر فى حوض النيل وأفريقيا وساد أيضاً فى الماضى مفهوم أن أفريقيا لا قيمة لها نتيجة سياسة النظام السابق تجاه تلك الدول على الرغم من وجود 48 سفارة لمصر فى أفريقيا وهذا كفيل بأن يجعل العلاقات بين مصر وهذه الدول أقوى مما نحن فيه الآن. وساعد على تدهور العلاقات بين تلك الدول ومصر أن من يُعين أو يرسل إلى أية دولة من دول حوض النيل وأفريقيا المغضوب عليهم وهذا ما أصبح سائداً لدى السفراء وهو ما أحدث هذا الخلل طوال 30 سنة إذ لم نتمكن من أن يكون لدينا خبراء فى أفريقيا. وأضاف الأشعل: أننى كنت من المغضوب عليهم وأرسلت كسفير لدى دول حوض النيل وتفاعلت مع هذا الوضع بالإيجاب وكان هذا يلقى غضبا لدى الحكومة ومع ذلك عملت على بناء قاعدة بين مصر بوروندى وتنزانيا ورواندا) كذلك نحن نحتاج إلى إصلاح شامل فى بنية السياسة الخارجية وإحداث ثورة فى وزارة الخارجية لإعادة مصر المعنية بالقضايا الأفريقية محذراً من أن وجود إسرائيل فى دول حوض النيل فى هذا التوقيت له أهداف خطرة تضر بمصالح مصر لأن إسرائيل تحاول توطيد علاقتها بدول المنبع لاستغلال ذلك فى توصيل الماء إليها والعمل ضد مصالح مصر ولم يقتصر الأمر على محاولة إسرائيل ضرب العلاقة المصرية مع هذه الدول. بل كانت أمريكا أيضاً تسعى إلى العمل على جعل تلك الدول منفذة لما يتناسب مع مصالحها، وساعد على ذلك سياسة مصر مع أمريكا المبنية على تنفيذ مصالح الأخيرة على حساب الأولى وليس المصالح المتبادلة بين الطرفين لأن أمريكا هى التى تمول كل المشروعات المتعلقة بدول حوض النيل وخاصة دول المنبع. والدليل على ذلك فشل المباحثات بين مصر والسودان وباقى دول حوض النيل. خط أحمر ويؤكد الأشعل على أن ذلك يجب النظر فى العلاقات بين مصر ودول حوض النيل لأن مياه نهر النيل مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر والسودان وخاصة أن السودان تعتمد على المياه بنسبة 15% ومصر تتراوح ما بين 95% و97% على مياه النيل ومياه نهر النيل تعتبر بمثابة خط أحمر لأمن مصر والسودان المائى وتأثير علاقة الكنيسة والأزهر مع دول حوض النيل كان أحد أهم الأسباب التى أدت إلى انهيار العلاقة مع تلك الدول. وخاصة أن الكنيسة فى مصر كانت ترأس الكنيسة الأثيوبية وكان البابا فى أثيوبيا يخضع للبابا فى الأسكندرية وهذا أدى إلى فقد انتماء الكنيسة الأثيوبية للمصرية، أيضاً كان للأزهر دور فى دول حوض النيل فقد كان الكثير من الطلاب الوافدين من هذه الدول يدرسون الأزهر فى مصر عن طريق بعثات للتعليم تحت رعاية الأزهر وتقلص هذا الدور مع تدهور العلاقة بين مصر ودول حوض النيل وأوضح أن ضرب العلاقة بين مصر ودول حوض النيل كان يتزامن مع ضرب الزراعة المصرية وتدمير العلاقة التاريخية بين الفلاح والأرض والخطير فى الأمر هو تقسيم السودان وهذا يعنى أن حصة مصر المائية سوف تنقسم مع شمال وجنوب السودان. لذلك فلابد من وضع خطة سريعة لاستعادة مكانة مصر بأفريقيا والحزم فى التعامل مع إسرائيل وأمريكا بالنسبة للمصالح المصرية لأن مصر سوف تحرم على المدى القريب من نسبة عالية من حصتها من المياه التاريخية أيضاً هناك مخاطر أخرى قد تحدث سنة 2017 عندما يتغير المناخ تتآكل الدلتا والإضرار بالمياه الجوفية لذلك ينبغى توفير بدائل أخرى من المياه. من جهته أكد الدكتور نبيل حلمى أستاذ القانون الدولى أن الاتفاقية الأخيرة لعدد من دول حوض النيل والتى انضمت إليها بوروندى دون وجود مصر والسودان من الناحية القانونية باطلة وفقاً لقواعد القانون الدولى والالتزامات المحددة لتنظيم نهر النيل وخاصة بين دول الحوض، مشيراً إلى أن هناك عدة معاهدات مازالت تنظم المياه وكمياتها ومواقف إقامة السدود بشرط ألا يكون هذا على حساب دولة دون أخرى، أيضاً تنص الاتفاقية على عدم مد نهر النيل إلى دولة أخرى غير دول الحوض دون إذن الدول المطلة على النهر. ولذلك فإن أى خرق للاتفاقيات السابقة يعد مخالفة لقواعد القانون الدولى. لكن الدكتور محمود أبو زيد وزير الرى الأسبق يرى أن هذه الاتفاقية لا تمثل خطرا على حصة مصر من مياه النيل وإن كان هذا يجب أن يكون مصحوباً بحذر وسرعة فى التعامل مع هذا الملف مؤكداً أن الاتفاقية التى وقعت مطلع الشهر الحالى هى اتفاقية إطارية وتتناول أسس التعاون بين دول حوض النيل والمجالات التى يمكن التعامل معها من خلال بحث المشروعات المشتركة وإعادة إقامتها سواء على مستوى النيل أو فى المجالات الأخرى ويتم الاتفاق عليها بين الدول وإخطار تلك الدول بحيث لا يكون هناك تأثير سلبى على تلك الدول المشاركة فى هذه الاتفاقية. وأضاف: أنه كان هناك تفاوض منذ عدة سنوات قبل أن أترك الوزارة وتم الاتفاق على إقامة اتفاقية من 44 بندا ولم نختلف إلا على بند واحد وكانت هناك مفاوضات على الصيغة النهائية لهذا البند حتى تكتمل تلك الاتفاقية على حصص مصر والسودان التاريخية وكانت هناك موافقة على المبدأ وكنا نؤكد على عدم المساس بالحصة، وأكد أبو زيد وجود أياد خفية وراء ما يحدث من إثارة القلق فى دول حوض النيل وخاصة بين دول المنبع والمصب. فهناك دول لها دور مثل إسرائيل وأمريكا وإيطاليا. لذلك يجب أن نتعرف على أسباب توقيع بوروندى على الاتفاقية لافتا إلى أن هذا التوقيع ليس آخر المطاف ولا أعتقد أن هناك خطورة مباشرة على المدى القريب فهدفنا هو الحفاظ على حصة مصر التاريخية والحصول على حصة إضافية والحصول على مشروعات لها فائدة مشتركة. وكنا قد بدأنا فى ذلك منذ توقيع مبادرة حوض النيل فى 99 ، حيث تتقدم الدول بمشروعات وبدأت اللجان تدرس هذه المشروعات إلى أن توقفت منذ فترة لذلك نطالب بالوقوف على أسباب التوقيع قبل إتمام التفاوض على البند الأخير ثم استكمال التفاوض على هذا البند والعمل على أن نعود على مائدة التفاوض والتقارب بين الدول وتوطيد العلاقات سواء كانت مائية أو غير مائية مثل التبادل التجارى والمشروعات الزراعية وكانت مصر قد اتجهت إلى المشروعات المشتركة وخاصة لأهمية التعاون والتقارب بين هذه الدول فى شتى المجالات. وأضاف أن هناك اهتماما بهذا الملف ويجب أن يعلم الجميع إلى أين سنتجه وأؤكد أن هناك فى حوض النيل موارد مياه كثيرة غير مستغلة ويمكن استقطابها والعمل بها وكان لدينا مشروعات تعود على مصر والسودان بحصة إضافية وأضاف أبو زيد أن حصة السودان ينبغى أن يتم التفاوض من أجلها بين الشمال والجنوب فى المستقبل بحيث تقسم هذه الحصة بين شمال السودان وجنوبه فيجب ألا نقف مكتوفى الأيدى ولابد أن نتقارب منهم لمعرفة الوضع الحقيقى فى هذا الإطار.