تسعى إسرائيل بكل الطرق لإفشال الجهود المصرية لعودة العلاقات المصرية الأفريقية من جانب وحل قضية حوض النيل من جانب آخر، ففى الوقت الذى أعلن فيه رئيس الوزراء د. عصام شرف عزمه للقيام بزيارة إلى إثيوبيا خلال شهر مايو المقبل لتحسين العلاقات بين البلدين والتوصل لحل قضية حوض النيل أعلن الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز عن رغبته فى القيام بزيارة مماثلة إلى إثيوبيا وغانا خلال الشهر المقبل بحجة إقامة المشروعات وتوطيد العلاقات التجارية. يؤكد السفير د.السيد أمين شلبى أمين عام المجلس المصرى للشئون الخارجية أن المغزى الحقيقى من زيارة الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز الأولى إلى إثيوبيا هو إفشال مفاوضات مصر حول اتفاقية حوض النيل ودعم الموقف الإثيوبى من اتفاقية «عنتيبى» الخاصة بتقسيم مياه نهر النيل. إضافة إلى مكافأة إثيوبيا على مواقفها ضد مصر، حيث يصطحب بيريز معه خلال الزيارة وفدا كبيرا من رجال الأعمال الإسرائيليين لإقامة المشروعات المشتركة وتوطيد العلاقات التجارية. ويرى د. شلبى أن توقيت زيارة شيمون لإثيوبيا ليس غريبا فإسرائيل تسعى دائما لإفشال الجهود المصرية تجاه قضية مياه النيل ولذلك لابد من التوصل إلى اتفاق حول قضية مياه النيل، بما لا يضر بمصالح مصر ولا حصتها من مياه النيل، وفى الوقت نفسه بما لا يضر بمصالح الدول الأخرى التى تريد إقامة مشروعات على النيل وذلك حتى لا نعطى الفرصة لإسرائيل مرة أخرى أن تستخدم إثيوبيا كورقة ضغط على مصر. وفى السياق ذاته يؤكد د. عمرو الشوبكى- نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام- أن الكيان الصهيونى وهو العدو الاستراتيجى لمصر استغل فترة غياب الدور المصرى فى أفريقيا وأطلق شبكة من العلاقات المخابراتية والمالية للتغلغل فى القارة والسيطرة على كل ما من شأنه أن يشكل تهديداً للأمن المصرى خاصة الأمن القومى العربى عامة. ويرى الشوبكى أن أهم التحديات التى تواجه مستقبل المياه فى مصر هى التدخلات الإسرائيلية فى دول حوض النيل ففى الوقت الذى تبذل فيه الحكومة المصرية الجديدة جهودا مكثفة لحل أزمة مياه النيل مع دول الحوض وعلى رأسها إثيوبيا التى تتزعم تنفيذ اتفاقية حوض النيل.. تقوم إسرائيل بدور سلبى لإعاقة هذه الجهود وذلك من اجل ممارسة الضغوط على مصر لإجبار الحكومة المصرية الجديدة الحفاظ على اتفاقية السلام معها وعدم اتخاذ أى خطوات معادية لها. ومن جهته يرى د. أحمد يوسف - مدير معهد الدراسات والبحوث العربية - أنه على الحكومة المصرية الجديدة التحرك السريع لحل الأزمة من خلال عدة خيارات من أبرزها عدم الاكتفاء بالتمسك بالحقوق التاريخية المكتسبة وتجنب لغة التهديد والوعيد ومحاولة إقناع دول الحوض بأنه لا تعارض بين مصالحها وبين المصلحة المصرية وتقديم اقتراحات بمشاريع مشتركة لتنمية الموارد المائية عن طريق غير تقليدى مثل إعادة معالجة مياه الصرف الصحى والصناعى وتجميع المياه الفاقدة ومياه الأمطار وتحلية مياه البحر كيلا تنفرد إسرائيل بأن تكون العنصر المؤثر فى قرار تلك الدول . ويوضح أنه فى حال واصلت دول المنبع تعنتها وتوصلت لاتفاقية جديدة دون موافقة مصر والسودان فهناك عدة خيارات منها اللجوء إلى مجلس الأمن الدولى ومحكمة العدل الدولية فى ضوء حقيقة أن الاتفاقيات المائية كاتفاقيات الحدود لا يجوز تعديلها أو المساس بها. ومن جانبه يؤكد د. محمود أبو العينين- أستاذ العلوم السياسية وعميد معهد الدراسات والبحوث الإفريقية - أن اهتمام إسرائيل بملف مياه النيل يعود إلى بدايات ظهورها، حيث أنشأت مركزا للتعاون الدولى فى وزارة الخارجية باسم «الموشاف» ويعتبر أهم وسيلة للاتصال بدول حوض النيل وخاصة فى المجال الزراعى والمائى. كما قامت بتنفيذ عدد من السدود فى إثيوبيا بواسطة مكتب الاستصلاح الأمريكى وبمعونة إسرائيلية وفى حال اكتمال هذه المشروعات سوف تؤثر على حصة مصر بمقدار 7 مليارات متر مكعب. وأقامت عددا من الشركات الإسرائيلية مشاريع متعددة بالقرب من بحيرة «تانا» وعلى المرتفعات الإثيوبية التى ينبع منها النيل الأزرق وكان الحضور الإسرائيلى فى البحيرة هو المقدمة لبناء سد «تانابليز» بتمويل إيطالى ليضاف إلى سد «بكيزى» الذى أنشئ العام الماضى ويُعتبر أعلى سد فى أفريقيا بارتفاع 188 م والذى مولته الصين ويحجز حوالى 8 مليارات متر مكعب. والحقيقة أن تحركات إسرائيل فى منابع النيل لا تأتى منفردة، إنما تقوم أمريكا بالتحرك معها، حيث عمدت واشنطن لتغيير القواعد القانونية الدولية المعمول بها فى إطار توزيع مياه الأنهار فأدخلت مفاهيم جديدة مثل خصخصة المياه وتسعيرها وإنشاء بنك وبورصة للمياه. كما مارست ضغوطا على البنك الدولى لفرض فكرة خصخصة المياه فى منطقة حوض النيل كى يدفع دول الحوض إلى الاستعانة بشركات كبرى وأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بإلغاء الاتفاقيات السابقة ومنها الثنائية بين دول الحوض، وبالتالى ستلتزم مصر بالمعاهدة الجديدة وشراء المياه التى تزيد على حصتها.