هل هناك علاقة بين ما حدث فى القاهرة من مصالحة «تاريخية» بين الفصائل الفلسطينية بعد قطيعة استمرت لأكثر من 4 سنوات، وبين ما حدث فى أديس أبابا على بُعد آلاف الأميال من تحول «تاريخى»، أيضاً، فى ملف مياه النيل لصالح مصر والمصريين..؟! قد يبدو السؤال، للوهلة الأولى، سريالياً من نوعية اللوحات المجنونة للفنان سلفادور دالى، لكنه فى الحقيقة سؤال منطقى جداً؛ لأن هناك بالفعل علاقة بين هذين الحدثين التاريخيين.. فالقاسم المشترك الأعظم بينهما هو استعادة مصر لدورها الطبيعى الذى كانت تلعبه من قبل بكفاءة فى المنطقة والعالم بعد أن نجحت ثورة 25 يناير فى إعادة إحياء الروح المصرية. فليس سراً.. أننا، حتى أيام قليلة، قبيل الثورة، كنا نشهد تراجعاً ملحوظاً للدور المصرى بعد فقدان مصداقيته فى التعامل مع مختلف القضايا على كافة الأصعدة العربية والأفريقية والدولية، وقد أغرى ذلك التراجع العديد من الدول الصغيرة، والشقيقة للأسف، بمحاولة السطو على الدور المصرى جهاراً نهاراً، بالدخول على الخط فى ملفات حساسة تصب فى خانة الأمن القومى المصرى؛ كملف القضية الفلسطينية والملف الأفريقى، وصراع الفرقاء فى السودان.. وكانت إسرائيل، هى المستفيد الأكبر من تراجع الدور المصرى؛ لأنها عاثت فساداً فى الفناء الخلفى لمصر بعد أن تركنا لها الساحة فى أفريقيا، مما دفعها إلى تسميم العلاقات المصرية الأفريقية، وتهديد حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل.. وقد ساعدت الحكومات السابقة، بل القيادة السياسية نفسها، إسرائيل على تنفيذ مخططاتها الشيطانية ضد مصر فى أفريقيا، فقد كانت كل الحكومات، والقيادة السياسية تتعامل باستهانة وتعال واستهتار مع ملف مياه النيل، حتى استيقظنا ذات يوم على كابوس وهو الاتفاقية الإطارية لحوض النيل، والتى تجاهلت فيه دول المنبع الحقوق التاريخية لدول المصب وفى مقدمتها مصر.. ولا أتحدث عن بطولة عندما أقول إننى انتقدت فى العام الماضى رئيس الحكومة الأسبق، د. أحمد نظيف؛ لأنه تجاهل اجتماعاً مهماً وخطيراً لدول حوض النيل فى شرم الشيخ، ليفتتح 3 مصانع فى إحدى المدن الصناعية القريبة من القاهرة كان من الممكن أن يفتتحها قبلها بيوم أو بعدها بيوم.. وقلت وقتها إن رئيس الحكومة يستهين بدول حوض النيل، ويسهم فى تعميق هوة الخلاف بين مصر وهذه الدول. كما أن القيادة السياسية السابقة لم تعترف أبداً بخطئها، هى قبل أى أحد آخر، فى إهدار حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، وكانت تحاول إلقاء تبعات هذه المسئولية الخطيرة على وزراء الرى واحداً تلو الآخر حتى أنها قامت بتغيير أكثر من وزير للرى فى فترة وجيزة، مع أن القاصى والدانى كان يعلم أن هذا الملف الخطير ليس مسئولية وزير الرى وحده بل مسئولية رأس الدولة.. وتلك التصرفات ذكّرتنى بمَثل شعبى قديم وبنكتة.. وطبعاً لن أقول المثل، لأنه يتعلق بالحمار والبردعة، لكننى سأروى نكتة الصعايدة الأربعة الذين اشتروا تاكسى 4 راكب، وتعجبوا من أنه لا يحقق لهم أى إيراد رغم أنهم راكبين التاكسى ليل ونهار فى الرايحة والجاية، ورغم تغييرهم للسائق أكثر من مرة.. انتهت النكتة!! وشتان بين ما كان يفعله النظام السابق فى ملف مياه النيل، من جرائم، وبين ما فعله وفد الدبلوماسية الشعبية فى زيارته الأخيرة بأديس أبابا لتجميد الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل. فقد نجح هذا الوفد فى ساعات فى تحقيق مالم ينجح فيه النظام السابق فى سنوات، حيث تحول موقف رئيس الوزراء الأثيوبى «المحترم» ميليس زيناوى 180 درجة لصالح مصر والمصريين.. فقد بكى زيناوى، وهو يتحدث عما حققته ثورة يناير من تغيير فى نهج المصريين، واحترام العالم كله للشعب المصرى. لقد قال الرجل المحترم قصيدة حب وغزل لمصر وشعب مصر.. وأكد أن مصر هى القائد والملهم والأخ الأكبر.. والأمل كل الأمل أن يكمل د. عصام شرف رئيس الوزراء فى زيارته لأثيوبيا نهاية هذا الأسبوع ما بدأه الوفد الشعبى، وأن يترجم هذا الغزل والحب المتبادل بين الشعبين المصرى والأثيوبى إلى اتفاقيات ومشروعات مشتركة على أرض الواقع لصالح الشعبين وصالح أفريقيا.. وقبل أن أختم كلامى عما حدث فى أثيوبيا من تحول تاريخى، لصالح مصر، لابد أن أشيد بالرجل الذى كان وراء هذا التحول وهو مصطفى الجندى عاشق تراب مصر وأفريقيا، فهذا الرجل يلعب دوراً مهماً فى تعزيز العلاقات المصرية الأفريقية، وله العديد من المشروعات فى السودان وبعض الدول الأفريقية الأخرى، وهو يلقى قبولاً واحتراماً من كل قادة أفريقيا.. هذا الرجل رغم أن صفته هى منسق وفد الدبلوماسية الشعبية، إلا أنه قادر على لعب دور أكبر لتعزيز العلاقات المصرية الأفريقية لخدمة الأمن القومى المصرى.. ويجب ألا نغفل، أيضاً الدور الكبير والتاريخى الذى يلعبه المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاستعادة الدور المصرى، الذى طال غيابه حتى ظن البعض أنه مات، فى أفريقيا والمنطقة.. والعالم.. وحتى لا أكون كمن يشهد للعروس؛ فإننى أرجو إعادة قراءة كلمة الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن وفرحته وإشادته هو وقادة الفصائل الفلسطينية، والشعب الفلسطينى بكل طوائفه بالدور الذى لعبه المجلس العسكرى المصرى لتحقيق المصالحة الفلسطينية والوحدة الوطنية بين الفصائل، ودعم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضى المحتلة وعاصمتها القدس الشريف.. فمثل هذا الكلام يجب أن يعزز ثقة الشعب فى قدرة قواته المسلحة على إعادة الوجه الحضارى لمصر مرة أخرى، بحيث تلعب دورها الحقيقى، الذى حاول البعض اغتصابه فى غفلة من الزمان، وغفلة من النظام السابق.. ولا ننسى أيضاً ثوار وشهداء يناير الذين كانوا هم الغائب الحاضر فى أديس أبابا وفى القاهرة.. فلولا ثورتهم المباركة لما نجحت مصر فى استعادة دورها فى المنطقة والعالم.. ولما عادت الروح لمصر كلها.. فتحية للثوار بعد مرور 100 يوم من الثورة.. وألف رحمة ونور على شهداء يناير الذين ضحوا بأرواحهم من أجل حاضر ومستقبل أفضل لهذا البلد.. مصرنا العزيزة.