فى خطوة لن تكون الأولى- ولا -الأخيرة التى تتدخل فيها قوة خارجية لحسم صراع الشرعية الرئاسية الذى اندلع عقب إعلان فوز الحسن وتارا بمنصب الرئاسة فى ساحل العاج ضد منافسه العنيد لوران جباجبو وانتهت بالقبض عليه وتسليمه ليتم محاكمته على جرائمه التى ارتكبها ضد شعبه ومعارضيه طوال فترة رئاسته التى بدأت بانقلاب دستورى دموى ضد الرئيس السابق ( روبرت جاى ) الذى اغتيل هو وأفراد أسرته و كبار معاونيه و قد اتهم وتارا بأنه المدبر لهذا الانقلاب ويهرب وتاوا خارج البلاد بعد تلقيه مكالمة تحذره من محاولة قتله ليغادر البلاد ويطلب الحماية من السفارة الأمريكية التى تسهل هروبه ليتولى منصب رئيس البنك الدولى ثم يقدم استقالته ويعود لينافس على كرسى الرئاسة بعد اندلاع الاحتجاجات على ممارسات جباجبو العنصرية التى مارسها ضد الأغلبية المسلمة المتمركزة فى الشمال ليتم الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية ويفوز فيها جباجبو بفارق ضعيف ضد منافسة وتارا وتدخل البلاد فى سلسلة من الصراعات الداخلية لم تحسم نتائجها حتى الآن . فجذور الصراع فى ساحل العاج بدأ عقب وفاة الرئيس ( هوفوبيه بوانييه) الذى تولى مقاليد الحكم عقب إعلان استقلال ساحل العاج عن فرنسا عام 1960 واستمر لثلاث عقود حقق خلالها الاستقرار و الأمن بين عناصر الأمة، فالمجتمع العاجى متعدد الأديان والأعراق ولذلك حاول الرئيس هوفوبيه تحقيق الوئام فاختار الحسن وتارا لمنصب رئاسة الوزارة و كونان بيديه لمنصب رئيس البرلمان وبعد وفاة الرئيس هوفوبييه حرص كونان بيديه على الانفراد بالحكم بعد فرضه لقانون يضع شرط الجنسية العاجية كشرط أساسى للترشح لمنصب الرئاسة ويحرم بذلك الأغلبية ذات الجذور الأفريقية من ممارسة حقوقها السياسية ليندلع الانقلاب الأول ضد كونان بيديه ويتولى روبرت جى منصب الرئاسة وحرص هو الآخر على حرمان وتارا من الترشح لمنصب الرئاسة ونفاه خارج البلاد ويحدث انقلاب دموى ينتهى باغتيال روبرت جى وعائلته و نجاة وتارا من القتل وهروبه خارج البلاد ليتولى لوران جباجبو مقاليد الحكم و قد حظى جباجبو منذ توليه مهام منصبه عام 2004 على تأييد فرنسى أمريكى رغم ميوله الاشتراكية ولكن أمام المصالح كل شىء ممكن !! فالمصالح الفرنسية صاحبة أعلى نسبة استثمارات فى ساحل العاج والتى تعتبر الأولى عالميا فى إنتاج الكاكاو والغنية بالثروات الطبيعية كانت سبباً فى اندلاع صراع خفى أنجلو - فرانكفونى بين أمريكا التى سعت لفرض هيمنتها على أهم المستعمرات الفرنسية فى أفريقيا و فرنسا صاحبة التبعية اللغوية وأعلى استثمارات فى البلاد وتحتل ساحل العاج المركز الرئيسى لهذه المستعمرات ورغم ان ساحل العاج صاحبة أقوى اقتصاد فى غرب أفريقيا إلا أن ثلث عدد السكان يعيشون تحت خط الفقر نظراً لأن عوائد ثرواثها الطبيعية تذهب لصالح الدول الكبرى وأنصارها من الطبقة الحاكمة لذا لم يكن من المستبعد أن تطيح فرنسا بأكبرحلفائها وهو جباجبو عندما وجدت أن وجوده يهدد استثماراتها فى البلاد ويعد وتارا رجل سياسى من طراز متميزفقد تعرض لمحاولات القتل والنفى لحرمانه من المنافسة على منصب الرئاسة الذى فاز به مرتين ولم ينجح فى توليه لمنصبه إلا مؤخراً ولتحقيق هذا الهدف سقط آلاف من الضحايا من أنصار وتارا فى حرب أهلية ضروس بين أغلبية مسلمة فقيرة طامحة للحصول على حقها فى حياة كريمة وأقلية مسيحية ثرية تجنى ما يتبقى من عوائد بيع ثروات البلاد الطبيعية للمستفيدين من أصحاب المصالح ولذا فإن فوز وتارا بهذا المنصب يعطى أملاً فى أن ينجح فى توحيد البلاد نظراً لما يمتع به من خبرة اقتصادية وسياسة كبيرة فقد شغل عدة مناصب دولية وإقليمية فى المجال الاقتصادى والسياسى. وأخيراً فاز الأحق فى لعبة الكراسى الرئاسية و سيتذوق الجميع مذاق الشرعية الدولية بطعم الكاكاو.