تنسيق المرحلة الأولى 2025.. لماذا يجب على الطلاب تسجيل 75 رغبة؟    25 صورة من تكريم "الجبهة الوطنية" أوائل الثانوية العامة    حماية المستهلك والغرفة التجارية يبحثان آليات خفض الأسعار بعد تراجع الدولار    93 نائبًا أمريكيًا يطالبون بإجراء تحقيق حول عمل مؤسسة "غزة الإنسانية"    أمريكا تفرض عقوبات واسعة على 115 شخصا يرتبطون بنجل مستشار خامنئي    إعلامي يكشف تفاصيل مفاوضات تجديد عقد إمام عاشور مع الأهلي    "سروال وقيادة للفوز".. هدية خاصة ل رونالدو في ودية النصر وتولوز الفرنسي    فرق الإنقاذ تقاتل لتحرير سيدة حاصرها حادث تصادم على طريق كسفريت    "أنا الذي" للكينج محمد منير تتصدر التريند بعد طرحها بساعات قليلة    أبرزها حجر رشيد ورأس نفرتيتي.. توضيح من وزير السياحة بشأن عودة الآثار المنهوبة    زيد الأيوبى ل"ستوديو إكسترا": حماس أداة لقوى إقليمية وحكمها فى غزة انتهى    ترامب: سأسمح للاجئين الأوكرانيين بالبقاء في الولايات المتحدة حتى انتهاء الحرب    ننشر أسماء المصابين ال4 في «تصادم ملاكي بتوك توك» على طريق المطرية بورسعيد    ضبط 333 كيلو أسماك مملحة غير صالحة للاستهلاك ب كفر الشيخ (صور)    بتكلفة تتجاوز 90 مليون جنيه.. متابعة أعمال تطوير وصيانة المدارس ضمن برنامج «المدارس الآمنة»    رسميًا.. صرف معاشات شهر أغسطس 2025 بالزيادة الجديدة خلال ساعات    استعدادا للموسم الجديد.. الأهلي يواجه بتروجت والحدود وديًا الأحد المقبل    مثالي لكنه ينتقد نفسه.. صفات القوة والضعف لدى برج العذراء    طريقة عمل المهلبية بالشيكولاتة، حلوى باردة تسعد صغارك فى الصيف    وزارة العمل تبدأ اختبارات المرشحين للعمل في الأردن.. بالصور    اتحاد الغرف التجارية يكشف موعد مبادرة خفض الأسعار بكافة القطاعات    نتنياهو: أسقطنا المساعدات على غزة وحماس تسرقها من المدنيين    ترامب: نحن على الطريق الصحيح لعقد صفقة تجارية عادلة مع الصين    وزير الثقافة وأحمد بدير ومحمد محمود يحضرون عزاء شقيق خالد جلال.. صور    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    الشيخ خالد الجندي: الرسول الكريم ضرب أعظم الأمثلة في تبسيط الدين على الناس    رئيس مجلس الوزراء يشهد إطلاق وزارة الأوقاف مبادرة «صحح مفاهيمك»    بواقع 59 رحلة يوميًا.. سكك حديد مصر تُعلن تفاصيل تشغيل قطارات "القاهرة – الإسماعيلية – بورسعيد"    محمد إسماعيل: هدفي كان الانتقال إلى الزمالك من أجل جماهيره    الرئيس الإيطالي يخرج عن صمته ويدين جرائم إسرائيل في غزة وتجويع أهلها    تأجيل دعوى عفاف شعيب ضد المخرج محمد سامي بتهمة السب والقذف    البيت الفني للمسرح ينعى الفنان لطفي لبيب    تايلاند وكمبوديا تؤكدان مجددا التزامهما بوقف إطلاق النار بعد اجتماع بوساطة الصين    فيديو.. ساموزين يطرح أغنية باب وخبط ويعود للإخراج بعد 15 عاما من الغياب    مصر تواجه تونس في ختام الاستعدادات لبطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا    ناجلسمان: تير شتيجن سيظل الحارس الأول للمنتخب الألماني    رئيس جامعة المنيا يحفّز الأطقم الطبية قبيل زيارة لجان اعتماد مستشفيي الكبد والرمد الجامعيين    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    هبوط أرضي مفاجئ في المنوفية يكشف كسرًا بخط الصرف الصحي -صور    الليلة.. دنيا سمير غانم تحتفل بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    لماذا ينصح الأطباء بشرب ماء بذور اليقطين صباحًا؟    جامعة بنها الأهلية تختتم المدرسة الصيفية لجامعة نانجينج للطب الصيني    ختام موسم توريد القمح في محافظة البحيرة بزيادة 29.5% عن العام الماضي    النيابة العامة: الإتجار بالبشر جريمة تتعارض مع المبادئ الإنسانية والقيم الدينية    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    لترشيد الكهرباء.. تحرير 145 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    إعلام كندي: الحكومة تدرس الاعتراف بدولة فلسطين    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    سعر الفول والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساحل العاج‏:‏ تمسك جباجبو بالسلطة‏....‏ هل يشعل الحرب الأهلية مجددا
نشر في الأهرام المسائي يوم 12 - 12 - 2010

دخلت الأزمة في ساحل العاج منعطفا خطيرا بعد تشبث الرئيس المنتهية ولايته لوران جباجبو بالسلطة رغم إعلان اللجنة المشرفة علي الانتخابات فوز منافسه الحسن وتارا‏,‏
وتأييد المجتمع الدولي له‏,‏ ويبدو أن جباجبو الذي تولي الحكم منذ عام‏2000‏ مازال مصرا علي موقفه رغم ما أعلنه الإتحاد الإفريقي والمنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من موقف رافض لاستمراره في السلطة‏,‏ وهناك مخاوف كبيرة أن يؤدي ذلك الموقف إلي العودة مجددا إلي الحرب الأهلية التي توقفت بعد اتفاق سلام عام‏2007,‏ إذا لم يتم التوصل لحل سلمي للأزمة في البلد التي أصبحت في موقف غريب برئيسين وحكومتين‏.‏
وحول أسباب الصراع في ساحل العاج ونشأته وتطوره يقول الدكتور بدر الشافعي الخبير في الشئون الإفريقية‏:‏ يعد الصراع في ساحل العاج من الصراعات المعقدة‏,‏ نظرا لتداخل الأبعاد الإثنية مع الجغرافية والدينية والاقتصادية‏,‏ مما أدي إلي انقسام البلاد إلي قسمين تقريبا‏:‏ شمال مسلم فقير محروم من السلطة‏,‏ وجنوب غني مهيمن علي السلطة‏,‏ وقد أدت سياسة الأنظمة الجنوبية المتعاقبة إلي تعميق هذا الانقسام‏.‏ كما أن الإصلاحات التي تمت لتحسين أوضاع هؤلاء كانت في معظمها شكلية‏,‏ وقد لعبت القوي الإقليمية دورا هاما في عملية استمراره‏,‏ خاصة فيما يتعلق بالصراع في ليبيريا المجاورة‏,‏ وقيام كل نظام بدعم المعارضة في كل منهما‏,‏ في حين ساهم التجاهل الدولي للصراع بسبب الانشغال الأمريكي بالإعداد لضرب العراق دورا غير مباشر أيضا في استمراره بدلا من احتوائه عند اندلاعه‏.‏
ويضيف بالرغم من أن الصراع في ساحل العاج تصاعد بصورة كبيرة كانت محل اهتمام المجتمع الإقليمي الدولي منذ تولي الرئيس لوران جباجبو الحكم‏(‏ أكتوبر‏2000)‏ حيث شهدت البلاد انقلابين عسكريين خلال العامين الأوليين من حكمه فقط‏,‏ إلا أن جذور الصراع الأولي تعود بصفة أساسية إلي فترتي حكم كل من الرئيس كونان بيديه ديسمبر‏1993‏ ديسمبر‏1999‏ والجنرال روبرت جيه ديسمبر‏1999‏ أكتوبر‏2000.‏
ومن هنا يمكن القول بأن الصراع مر بثلاث مراحل هامة هي‏:‏
المرحلة الأولي‏:‏ حكم الرئيس بيديه المرحلة الثانية‏:‏ حكم الرئيس جيه‏.‏
المرحلة الثالثة‏:‏ حكم الرئيس جباجبو‏.‏
أولا‏:‏ المرحلة الأولي‏:‏
تولي الرئيس بيديه الحكم بعد الرئيس بوانييه عملا بالمادة‏11‏ من الدستور التي تنص علي تولي رئيس البرلمان مهام رئيس الجمهورية في حالة عجزه أو وفاته لحين إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر‏.‏ ولقد كان للتنافس بين بيديه رئيس البرلمان الذي ينتمي للجنوب والحسن وتارا رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الجمهوري‏,‏ الذي ينتمي إلي الشمال حول تولي منصب الرئاسة سببا في اندلاع الصراع في البلاد بين الشماليين والجنوبيين‏,‏ أو بين مسلمي الشمال ومسيحيي الجنوب‏,‏ فقد قام بيديه باستبعاد المعارضة الشمالية من كل المناصب السياسية‏,‏ كما قام بتعديل الدستور لينص في المادة‏35‏ علي ضرورة أن ينتمي مرشح الرئاسة لأبوين عاجيين من أجل استبعاد وتارا الذي ينتمي لأب من أصول بوركينية‏,‏ بعدما كان النص الأصلي يؤكد أن يكون المرشح ينتمي لأب أو أم عاجية فقط بما يتماشي مع الأعراف الإفريقية‏.‏
ويقول الباحث بدر الشافعي إنه لم تقتصر ممارسات بيديه علي ذلك‏,‏ بل عمل علي إبعاد كل الضباط المسلمين من الجيش‏,‏ وكذلك من المناصب الهامة في الحزب الحاكم الحزب الديمقراطي الذي كان يرأسه بوانييه حتي لا يشكلوا جبهة معارضة لحكمه‏,‏ وقد تزامن ذلك مع تدهور الأوضاع الاقتصادية بصورة كبيرة مع بداية تطبيق برامج التكيف الهيكلي‏,‏ فضلا عن انتشار الفساد بصورة كبيرة أيضا‏,‏ مما أدي إلي وقوع العديد من المظاهرات الشعبية في الفترة من‏1996‏ 1998‏ كانت إيذانا بانتهاء حكمه‏,‏ وبالفعل شهدت البلاد أول انقلاب في تاريخها‏23‏ ديسمبر‏1999‏ قامت به مجموعة من ضباط الجيش بقيادة الجنرال روبرت جيه احتجاجا علي عدم حصولها علي رواتبها لفترة كبيرة‏.‏
ثانيا‏:‏ المرحلة الثانية‏:‏
بالرغم من أن الرئيس جيه أعلن عدم رغبته في الاستمرار في الحكم‏,‏ وإنما سيتولي إدارة البلاد لفترة مؤقتة لحين استتباب الأوضاع بها‏,‏ إلا أن ممارساته الحقيقية ظهرت بوضوح خاصة قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر في أكتوبر‏1999‏ حيث أعلن رغبته في خوضها‏,‏ كما رفض تعديل المادة‏35‏ في مسودة الدستور الجديد‏.‏ مما أدي إلي بروز أزمة المعارضة الشمالية‏,‏ وذلك عندما رفضت لجنة الانتخابات الوطنية قبول أوراق ترشيح وتارا‏,‏ كما قام جيه في سبتمبر‏2000‏ باعتقال العديد من قيادات المؤسسة العسكرية بزعم تعرضه لمحاولة انقلاب فاشلة ضده‏,‏ ولم يقتصر الأمر علي العسكريين فحسب‏,‏ بل قام باعتقال عدد من المعارضين السياسيين أبرزهم وزير الداخلية السابق إميل بومييه الذي كان مرشحا عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية‏,‏ كما تم تحديد إقامة الحسن وتارا ومنعه من مغادرة البلاد كي لا يضغط علي النظام من قبل القوي الخارجية‏,‏ خاصة الولايات المتحدة التي يحظي بعلاقات جيدة معها وإزاء هذه الممارسات القمعية قام الناخبون بإعطاء أصواتهم لمرشح المعارضة في الرئاسة لوران جباجبو الذي ينتمي لحزب الجبهة الشعبية الإيفوارية‏,‏ وبالرغم من فوز جباجبو بها إلا أن لجنة الانتخابات أعلنت فوز جيه‏,‏ مما دفع جباجبو إلي استغلال حالة السخط العام ضد النظام ودعا الشعب إلي التظاهر‏,‏ كما نجح في إقناع المؤسسة العسكرية بتأييد هذه المظاهرات‏,‏ وإزاء ذلك اضطر جيه إلي الفرار إلي الخارج‏,‏ وتم تنصيب جباجبو رئيسا للبلاد‏.‏
ثالثا‏:‏ المرحلة الثالثة‏:‏
استمر جباجبو في سياسة أسلافه بيديه وجيه فيما يتعلق بتهميش الشماليين‏,‏ حيث استبعد حزب وتارا من تشكيلة الحكومة الوطنية الجديدة في الانتخابات‏,‏ مما دفع وتارا إلي الإعلان عن عدم مشاركته في أي حكومة لجباجبو‏,‏ واستعداده لخوض الانتخابات البرلمانية التي ستجري في‏10‏ ديسمبر‏2000‏ لكن المحكمة العليا قامت باستبعاده من الترشيح في هذه الانتخابات لأنه لا ينتمي لأبوين إيفواريين‏,‏ وقد فجر ذلك أحداث عنف دامية في البلاد‏,‏ خاصة بعدما أعلن أنصار وتارا سعيهم لإسقاط نظام جباجبو الذي قام في المقابل بتشكيل ميليشيات عسكرية عرفت باسم كتائب الموت وتتشكل بالأساس من أفراد قبيلته‏(‏ البيتي‏)‏ وقد دفع ذلك بعض الضباط الشماليين في الجيش إلي القيام بمحاولة انقلابية في الأسبوع الأول من يناير‏,‏ إلا أن جباجبو تمكن من السيطرة عليهم
ويري الشافعي أنه بالرغم من أنه سعي لإدخال بعض الإصلاحات الديمقراطية إلا أنها كانت شكلية أيضا بسبب استبعاد بعض الشماليين منها‏,‏ فجاء الانقلاب الثاني ضده في‏19‏ سبتمبر‏2002‏ وذلك بعدما رفض‏800‏ جندي وصف ضابط من الشماليين قرار تسريحهم‏,‏ واستغل هؤلاء وجود جباجبو في إيطاليا آنذاك‏,‏ فقاموا بالانقلاب ضده وتمكنوا هذه المرة من السيطرة علي نصف مساحة البلاد‏,‏ وأهم مدينتين وهما بواكيه وكورجو‏,‏ وكانوا علي وشك الاستيلاء علي العاصمة لولا القوات الفرنسية‏,‏ وأعلن هؤلاء تشكيل جبهة عرفت باسم الجبهة الوطنية لساحل العاج التي يشار إليها اختصاريا ب‏MPC‏ ي بزعامة غيولام سورو‏,‏ في حين كان قائد جناحها العسكري الضابط شريف عثمان‏,‏ وقد أعلنت الجبهة مطالبها‏,‏ ومن أبرزها إسقاط جباجبو وإجراء انتخابات حرة ديمقراطية بمشاركة واترا مع إلغاء المادة‏35‏ من الدستور‏,‏ كما أعلنت أن من بين أهدافها خوض الانتخابات كجناح سياسي لمسلمي الشمال‏.‏
لكن جباجبو واجه هذا الانقلاب بعنف دموي‏,‏ حيث قامت قوات الجيش من خلال الاستعانة ببعض المرتزقة من جنوب إفريقيا‏-‏ بقتل العشرات منهم‏,‏ وكان من بين الضحايا الرئيس السابق الجنرال روبرت جيه الذي اتهمه جباجبو
بتدبير انقلاب فاشل ضده‏,‏ وقد أدي ذلك إلي تعقيد الصراع‏,‏ حيث برزت حركتا تمرد جديدتان في الغرب‏(‏ موطن جيه‏)‏ هما حركة العدالة والسلام‏MJP)‏ والحركة الشعبية للغرب العظيم‏mpigo‏ وأعلنتا أن هدفهما أيضا هو إسقاط النظام‏.‏
ولقد أدي ذلك إلي انقسام البلاد إلي قسمين تقريبا‏:‏ الأول شمالي ويسيطر عليه المسلمون‏,‏ والثاني جنوبي ويسيطر عليه الكاثوليك‏,‏ وقد دفع ذلك بعض المحللين إلي القول بأن الصراع لن يتم حسمه في فترة وجيزة‏(1)‏ كما كان ذلك إيذانا بتدخل الجماعة وفرنسا لاحتوائه‏,‏ وتم التوصل إلي اتفاق ليناس ماركوسيس‏(‏ يناير‏2003)‏ إلا أن تلكؤ جباجبو في تنفيذ بنوده أدي إلي استمرار الصراع دون تسوية حقيقية‏,‏ بل إنه ازداد تعقيدا مع قيام جباجبو أوائل‏2004‏ بقصف مواقع القوات الفرنسية بطريق الخطأ بدلا من مواقع المتمردين‏,‏ مما أدي إلي قيام القوات الفرنسية بتدمير القوات الجوية الإيفوارية‏,‏ كما برزت جبهة معارضة سياسية جديدة في الجنوب تضم أتباع الرئيس الراحل بوانيه‏,‏ والتي أعلنت اعتراضها علي نظام إدارة جباجبو‏,‏ خاصة فيما يتعلق بتلكؤه في إجراء الانتخابات‏,‏ وطالبت بإيجاد فترة انتقالية ثانية تتضمن تشكيل حكومة تضم كل القوي السياسية بشرط عدم مشاركة جباجبو فيها‏(2)‏ وهو نفس الاقتراح الذي اقترحه مجلس السلم والأمن الإفريقي‏(‏ أكتوبر‏2005)‏ ووافق عليه مجلس الأمن‏,‏ لكن مع الإبقاء علي جباجبو لمدة عام مع تقليص صلاحياته لصالح حكومة جديدة لحين إجراء الانتخابات في أكتوبر‏2006.‏
الأسباب الداخلية للصراع
يؤكد الباحث بدر الشافعي تعدد الأسباب الداخلية التي أسهمت في تفجر الصراع‏,‏ خاصة الأسباب الإثنية التي توازت مع الأسباب الاقتصادية والدينية‏,‏ فضلا عن الأوضاع الجغرافية‏,‏ مما أدي إلي انقسام البلاد إلي قسمين أساسيين‏:‏ القسم الشمالي الذي يسيطر عليه المسلمون‏,‏ ويعيشون أوضاعا صعبة‏,‏ فضلا عن وجود حالة من التهميش السياسي‏.‏ والقسم الجنوبي الذي يسيطر عليه الكاثوليك الذين يتمتعون بأوضاع اقتصادية وسياسية أفضل من الشماليين‏,‏ فضلا عن انتمائهم لإثنيات مختلفة عن إثنيات مسلمي الشمال‏,‏ ولعل توازي هذه الأسباب مع بعضها البعض اسهم في تعقيد الصراع وعدم تسويته حتي الآن‏.‏
أولا‏:‏ الأسباب الإثنية‏:‏
تعد ساحل العاج شأنها في ذلك شأن معظم الدول الإفريقية دولة متعددة من الناحية الإثنية‏,‏ إذ يوجد بها ما بين‏60‏ 70‏ طائفة‏,‏ إلا أن أبرزها أربع إثنيات‏(3)‏ هي‏:‏
‏1-‏ الإثنيات الشمالية‏:‏
وهي تنقسم بدورها إلي إثنية الماندي الشمالية والجنوبية‏,‏ فضلا عن إثنية أو شعب الفولتيك‏,‏ ويبلغ نسبة هذه الإثنيات‏44,1%‏ من إجمالي مجموع السكان الذي يقدر ب‏17.298‏ مليون نسمة وفقا لإحصاءات يوليو‏2005‏ فإثنية الماندي الشمالية والجنوبية تعيش في الشمال الغربي للبلاد‏,‏ ويقدر عدد سكانها ب‏26,5%‏ من إجمالي السكان‏,‏ ومن أهم الإثنيات المندرجة تحتها المالنكي‏(12%)‏ وهي مسلمة‏,‏ والديولا وهي مسلمة أيضا‏.‏
أما الفولتيك فتبلغ نسبتها‏17,6%‏ وتعيش في منطقة الشمال الأوسط بين جماعات البيتي في الغرب والبولي في الشرق‏,‏ وتتشابه الفولتيك في حضارتها مع الماندي‏,‏ وهي إثنية مسلمة‏,‏ وينتمي إليها والد الحسن واترا‏,‏ ومن أبرز جماعتها السنوفو‏(15%).‏
ويلاحظ علي إثنيات الشمال أنها مسلمة‏,‏ ويعمل أفرادها في التجارة والزراعة‏,‏ وهي جماعات متطورة علي المستوي الثقافي‏,‏ ولها علاقات مع الدول الإسلامية المجاورة‏,‏ خاصة مالي وبوركينا فاسو‏.‏
‏2-‏ الإثنيات الجنوبية‏:‏
وهي تنقسم بدورها إلي إثنيتين رئيسيتين هما‏,‏ جماعات شرق الأطلنطي وجماعات غرب الأطلنطي‏,‏ ويشكلان معا‏53,1%‏ من إجمالي السكان‏.‏
فجماعات شرق الأطلنطي حيث شعب الأكا‏,‏ تبلغ نسبتها‏42,1%‏ من إجمالي السكان ومن أبرز الإثنيات المندرجة تحتها البولي التي زادت نسبتها من‏15%‏ في ثمانينيات القرن الماضي إلي‏23%‏ عام‏2000,‏ وتتركز في الجنوب الأوسط وشرق البلاد‏,‏ وينحدر منها الرئيسان بوانييه وبيديه‏.‏
أما جماعات غرب الأطلنطي ويمثلها شعب الكرو‏,‏ فتبلغ نسبتها‏11%‏ من إجمالي السكان ومن أبرز إثنياتها البيتي‏(6%)‏ التي ينحدر منها الرئيس جباجبو‏,‏ وهي المنافس الأساسي للبولي‏,‏ وتعيش في الغرب والجنوب ولها امتدادات في نيجيريا والكاميرون‏,‏ وهناك أيضا جماعة ياكوبا في الغرب والتي ينحدر منها الرئيس روبرت جيه‏.‏
وإلي جانب هذه الشعوب أو الإثنيات الإفريقية الأصلية‏,‏ توجد في البلاد أقليات إفريقية من دول الجوار خاصة بوركينا فاسو ومالي‏,‏ وتقطن أساسا في الشمال‏,‏ ويبلغ تعدادها ثلاثة ملايين نسمة‏,‏ وتعمل أساسا في الزراعة خاصة في مزارع الكاكاو في الشمال‏,‏ فضلا عن وجود أقليات غير إفريقية عربية‏(‏ لبنانية‏)‏ وأوربية‏(‏ فرنسية‏)‏ يبلغ قوامها‏330‏ ألف نسمة ويعمل معظمها في التجارة‏,‏ وتتحكم في اقتصاديات البلاد إلي حد كبير‏.‏
ويلاحظ أن العامل الإثني لم يبرز بصورة كبيرة في الصراع إلا في عهد كونان بيديها‏,‏ الذي انحاز لصالح إثنية البولي علي حساب باقي الإثنيات الأخري التي تعرضت للاضطهاد الإثني‏,‏ بالإضافة إلي الحرمان السياسي‏(4)‏ مما جعل البلاد تشهد في عهده أول انقلاب في تاريخها السياسي‏.‏
كما ظهر البعد الإثني بصورة كبيرة في عهد جباجبو الذي عمل علي تقريب إثنية البيتي التي ينتمي إليها بالرغم من أنها تشكل الأقلية‏(6%)‏ علي حساب الإثنيات الأخري‏,‏ ولقد كانت هذه الإثنية هي الركيزة الأساسية في ميليشيات كتائب الموت التي قام بتشكيلها واعتمد عليها في عملية التطهير الإثني‏,‏ وكذلك في تصفية خصومه السياسيين‏.‏
ثانيا‏:‏ الأسباب الدينية والثقافية‏:‏
تعد ساحل العاج دولة إسلامية من حيث عدد السكان‏,‏ حيث تتراوح نسبة المسلمين بها بين‏60‏ و‏65‏ من إجمالي السكان وفقا لتقديرات عام‏2003‏ وهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي‏,‏ ويتبع معظم مسلميها المذهب المالكي شأنهم في ذلك شأن معظم دول غرب إفريقيا‏,‏ في حين تتراوح نسبة النصاري ما بين‏20‏ و‏25%‏ معظمهم كاثوليك‏,‏ بينما يشكل الوثنيون وأصحاب المعتقدات الطبيعية النسبة الباقية‏.‏
ولقد لعب العامل الديني جنبا إلي جنب مع العامل السياسي دورا هاما في إذكاء الصراع‏,‏ بل إن بعض المحللين وصف الصراع خاصة منذ عام‏2000‏ بأنه صراع ديني بسبب عمليات القتل والعنف علي أسس دينية‏.‏ ولعل السبب في ذلك يرجع إلي الحقبة الاستعمارية التي عمل الاستعمار الفرنسي فيها علي التمييز بين المواطنين علي أسس دينية‏,‏ حيث سمح لأبناء القبائل الوثنية والمسيحية باستكمال تعليمهم في فرنسا‏,‏ وتبوؤ الوظائف في البلاد مقابل حرمان المسلمين‏,‏ منها‏,‏ ولم تقتصر فرنسا علي ذلك‏,‏ بل كانت تكافئ كل من يرتد عن الإسلام بمنحه الجنسية الفرنسية‏,‏ وبذلك ساهمت في تمكين الأقلية الكاثوليكية من السيطرة علي مقاليد الحكم في البلاد‏.‏
ولقد عمل بوانييه علي تكريس هذا التمايز الديني من خلال تركيزه علي مبدأ تفوق الكاثوليكية علي الديانة الإسلامية وإن لم يقم بأعمال عنف ضد المسلمين فقام بالقسم أمام بابا الفاتيكان علي جعل بلاده تحت راية الصليب وقام بتسخير المال العام لخدمة الكنيسة والمدارس الكاثوليكية‏,‏ كما أعلن يوم الأحد وأيام الأعياد الكاثوليكية عطلات رسمية‏,‏ في حين رفض الاعتراف بعطلة الجمعة والأعياد الإسلامية‏.‏
ويلاحظ أن العامل الديني ظل موجودا في ظل حكم كل من بيديه وجيه‏,‏ حيث كان هدف هؤلاء سياسيا أساسيا متمثلا في الإطاحة بواترا‏,‏ وإن تم تفسير هذه الممارسات بأنها ذات أبعاد دينية أيضا‏,‏ ومن ذلك ما حدث قبيل الانتخابات الرئاسية عام‏2000‏ فبعد استبعاد واترا من الترشيح‏,‏ أعلن علماء المسلمين ترشيحهم إياه‏,‏ وأكد رئيس مجلس الأئمة في البلاد بوبا نار فوفانا‏'‏ أنه لا غضاضة في أن نقوم نحن المسلمين بتأييد الحسن إذا كان هو المرشح الأفضل‏,‏ ومنذ ذلك الحين شهدت البلاد حربا دينية ممزوجة بالطابع السياسي‏,‏ بين أقلية حاكمة ظالمة وأغلبية مضطهدة‏,‏ خاصة في ظل ممارسات كتائب الموت ضد المسلمين‏,‏ ولقد كشفت الصحف والتقارير الدولية عن أعمال الإبادة التي تعرض لها المسلمون علي أيدي جباجبو‏,‏ ومن ذلك ما ذكرته صحيفة سياتل بوست انتليجينز الأمريكية التي قالت إن ميليشيات جباجبو تسرق أموال المسلمين وتعتدي عليهم‏,‏ وهو نفس الأمر الذي ذهبت إليه بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق‏,‏ حيث قالت إن قواته تقوم بخطف المسلمين والاعتداء عليهم‏.‏
ثالثا‏:‏الأسباب الثقافية‏:‏
يلاحظ أن هناك حالة من التعدد الثقافي في البلاد حيث لكل إثنية ثقافتها الخاصة بها‏,‏ وكذلك لغتها المحلية في التعامل بين أفرادها‏,‏ لذا فهناك أكثر من‏60‏ لهجة محلية‏,‏ وإن كانت اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية‏,‏ وقد كان هناك تمايز علي المستوي الثقافي أيضا‏,‏ حيث كانت الأغلبية المسلمة محرومة إلي حد كبير من التعليم في المدارس الخاصة‏,‏ في مقابل تمتع الأقلية الكاثوليكية بذلك‏,‏ بل إن فرنسا قدمت منحا تعليمية مجانية لأبناء هذه الأقلية للدراسة في باريس‏,‏ ولقد سعت فرنسا إبان الاستعمار لطمس الهوية الثقافية للمسلمين‏.‏
ثالثا‏:‏ الأسباب الاقتصادية والاجتماعية‏:‏
لقد كان هناك تفاوت اقتصادي واجتماعي كبير في البلاد بين شمال فقير يعمل أساسا في مجال الزراعة خاصة الكاكاو‏,‏ وجنوب غني يعمل في مجال التجارة والصناعة‏,‏ ولقد بدأت بوادر هذه الأزمة تظهر منذ حكم الرئيس بوانييه حيث كان هناك نوع من الاستغلال الاقتصادي من قبل الجنوب للشماليين أما بالنسبة لجباجبو فقد سار علي نهج كل من بيديه وجيه في استبعاد المعارضة‏,‏ كما رفض التوصل لاتفاق سياسي مع واترا يتضمن نوعا من الترضية له كما فعل بوانييه أو حتي جيه‏,‏ بل قرر عدم مشاركة واترا في الانتخابات البرلمانية‏,‏ وكذلك تم استبعاد حزبه من المشاركة في الحكومة الجديدة بل أكثر من ذلك فقد عمل علي تسريح عدد أكبر من قوات الجيش في إطار برنامجه لإعادة تشكيل الجيش‏,‏ مما دفع هذه القوات إلي الانقلاب ضده عام‏.2002‏
ولقد زاد من تعقيد الأمور استحداثه لميليشيا كتائب الموت لتصفية الخصوم‏,‏ بل قام باستخدام السلاح الجوي للمرة الأولي في سحق المعارضة الشمالية‏,‏ لكن أدي القذف الخطأ لمواقع القوات الفرنسية إلي تدخل فرنسا في المواجهة من ناحية‏,‏ واستمرار الصراع مع الشماليين من ناحية ثانية‏.‏
الخلاصة إذن‏:‏ أن تعقد الصراع في ساحل العاج يرجع إلي تداخل الأبعاد الداخلية له مع بعضها البعض‏,‏ بحيث انقسمت البلاد علي أساس جغرافي إلي شمال مسلم ينتمي بالأساس إلي الإثنيات الشمالية فقير اقتصاديا ومضطهد سياسيا‏,‏ وجنوب مسيحي ينتمي بالأساس إلي الإثنيات الجنوبية‏,‏ ومهيمن اقتصاديا وسياسيا‏,‏ هذا التوازي ساهم في تعقيد عملية تسوية الصراع حتي الآن‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.