علي الرغم من الآمال الكثيرة التي انعقدت علي نتائج الإنتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا في ساحل العاج لوضع نهاية للصراع المتأجج منذ أكثر من عشر سنوات بين القوات التابعة للحكومة في الجنوب والمتمردين في الشمال إلا أنه يبدو أن هذه الآمال لن تتحقق مطلقا بعد أن تحولت التجربة الديمقراطية في ساحل العاج الي حرب وصراع علي السلطة. فقد تحولت ساحات الإقتراع الي ساحات تصارع بين خصمين ومؤيديهما وذلك بعد ان انتزع لوران جباجبو الفوز من يد حسن وتارا عندما أعلن المجلس الدستوري فوز جباجبو ب51.45٪ علي الرغم من اعلان اللجنة الإنتخابية من ان الفائز هو وتارا باغلبية 54٪. وهكذا قام كل من الرئيسين بتنصيب نفسيهما رئيسين للبلاد والأدهي من ذلك انهما اختارا بالفعل رئيسي الحكومة والوزراء ايضا ، إلا ان وتارا حاول سحب البساط من تحت اقدام جباجبو باستمالة مناصريه حيث عرض مناصب حكومية علي اعضاء في مجلس وزراء منافسه الرئيس المنتهية ولايته لوران جباجبو!! وبعد ان فشلت جهود الوساطة بزعامة ثابو مبيكي الرئيس السابق لجنوب افريقيا، احتدم الصراع بين مؤيدي الرئيسين وبدأوا في اطلاق تهديدات حادة وشرسة، فمؤيدو جباجبو يؤكدون انه هو الرئيس الفعلي ولن يتخلي عن السلطة مستمدين قوتهم من مساندة رجال الجيش الذين يدعمونه وفي المقابل أكد المتمردون المؤيدون لوتارا انهم سيدافعون عن رئيسهم وعن انفسهم ضد اي هجوم وبشتي الوسائل. وحسبما يؤكد خبراء سياسيون ان كلا الخصمين لديهما تقريبا قدرات مختلفة ولكنها الي حد ما متساوية في القوة، فكل منهما له ميزته النسبية التي قد يستخدمها للدفاع عن نفسه، فان كان اوتارا 68 عاما يعتمد في قوته علي الشعب الذي يؤيده وعلي القوي الخارجية التي تدعمه والتي تتمثل في الولاياتالمتحدةوفرنسا ودول غرب افريقيا والأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلا أن جباجبو 65 عاما في المقابل يلقي دعما "ثقيلا" من الجيش فضلا عن سيطرته علي وسائل الإعلام في بلاده وهما سلاحان في غاية الخطورة. كما ان السلاح الأهم في يد جباجبو يكمن في سيطرته علي الإقتصاد بفضل عائدات الكاكاو والنفط وسلع اخري هامة. ويؤكد دبلوماسيون ان روسيا عرقلت استصدار قرار في مجلس الأمن الدولي من اجل تأييد واتارا وذلك من اجل حماية مصالحها التي تعتبر بشكل كامل في يد الرئيس جباجبو حيث من المعروف ان الشركات الروسية تنقب عن النفط في ساحل العاج فلذلك ليس من المحتمل التضحية بمصالحها من اجل تطبيق الديمقراطية او حماية الشعب هناك. واكد خبراء اقتصاديون انه اذا استمرت "الوعكة" السياسية فسيتأثر الإقتصاد بشكل ملموس كما سيعاني شعب ساحل العاج من الفقر المدقع فضلا عن تدمير اقتصاد هذه البلاد التي طالما شهدت ازدهارا اقتصاديا ملحوظا. كما هدد الإتحاد الأوروبي بأنه سيوقع عقوبات صارمة تتمثل في قطع المعونات لساحل العاج والتي تتمثل في ضخ مئات الملايين من الدولارات كمساعدات لهذه الدولة الأفريقية اذا لم تحل الأزمة. ويتسائل البروفيسور "ديرك كونرت" نائب مدير معهد الشئون الأفريقية والعضو في لجنة المراقبين الأوروبيين المكلفين بمتابعة انتخابات ساحل العاج أي من الخصمين سيتقبل الخسارة ويرضي بالهزيمة؟ ويبدو ان خيار المصالحة لن يرضي أيا منهما فوتارا يؤكد انه الأحق بالرئاسة لأنه يعتبر اختيار الشعب وجباجبو لديه سجل طويل في المماطلة وتجاهل الضغوط الدولية حيث انه يكاد يكون مستعدا لإلقاء البلاد والشعب في دوامة الحرب الأهلية من أجل الإحتفاظ بالسلطة. ويعزو كونرت ما حدث الي ضعف المجتمع الدولي في الوقوف بشكل صارم في وجه من يتحدي الديمقراطية. ويؤكد "ريتشارد جوان" الخبير الأفريقي في المجلس الأوروبي في العلاقات الخارجية انه علي الرغم من اجراء العديد من المحاولات للوساطة بداية من توسط مبيكي لإنهاء الخلاف ثم التهديدات بفرض عقوبات من قبل المجتمع الدولي ومجلس الأمن واخيرا قمة دول غرب افريقيا التي انعقدت بالعاصمة النيجيرية ابوجا لمطالبة جباجبو لتسليم السلطة فورا الي وتارا إلا ان هذه المحاولات جميعها باءت بالفشل . ويقول جوان "ارجح السيناريو الأسوأ وهو انزلاق البلاد في دوامة الحرب الأهلية خاصة وان قوات حفظ السلام هناك ليس لديها ما يكفي من القوات والتجهيزات لإنهاء الصراع وحتي فرنسا ستسحب قواتها اذا تفجر الصراع.