هناك إحساس عام بوجود محاولات واضحة للالتفاف على الثوات العربية.. بدءا من المحيط الأطلسى.. ومرورا بليبيا ومصر وسوريا واليمن، وانتهاء بالبحرين. فبعد الانجازات العظمى التى حققها الشباب وأعادت إلينا الروح.. بعد طول موات وبعد أن كادت أمتنا تندثر ولايكاد يكون لها ذكر أو ثقل بين الأمم. انطلقت الثورات.. واحدة تلو الأخرى.. من تونس الخضراء.. ثم مصر الكنانة.. الخ المسيرة التى لا ندرى أين وكيف ومتى تنتهى؟ ثم بدأ اللعب المستتر أحيانا.. والمكشوف تارة أخرى.. هذه الألاعيب تنوعت بين السياسة والاقتصاد والاعلام.. والثورة المسلحة أيضا. وعندما نطبق هذه المعايير على النموذج الليبى؛ نلاحظ حجم المؤامرة التى حيكت ضد هذا الشعب الثائر الصابر على مدى عقود.. تحت سطوة العقيد، فقد تباطأ المجتمع الدولى والغربى خاصة.. عمدا وخبثا وميكيافيلية فهم لايدافعون عن مبادئ أو قيم كما يدّعون؛ بل عن مصالح وعلاقات ونزوات.. حتى مع الشيطان! خلال الأزمة الليبية سقطت كثير من الأستار وانكشفت الأسرار.. أسرار علاقات العقيد مع الدول الغربية الكبرى، بدءا من إيطاليا الجار الأقرب وحيث الصديق الحميم بيرلسكونى ومرورا برئيس فرنسا ساركوزى الذى فضحه سيف الإسلام - كما فضح نفسه فى ذات الوقت - وأعلن عن تقديم 50 مليون دولار دعما للرئيس الفرنسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة.. الابن المدلل للعقيد القذافى كان يريد استخدام هذه الوثائق كورقة ضغط ضد الخصم الفرنسى اللدود الذى بادر بالاعتراف بالمجلس الوطنى الليبى.. ولكنه لم يكن يدرى أنه يلف ذات الحبل حول رقبته ورقبة والده.. فكلاهما استغل ثروات الشعب الليبى أسوأ استغلال.. كما أنهما استخدما كل وسائل القتل والتدمير ضده. خلال الأزمة الليبية بدأت تتباين المواقف حتى داخل المجتمع الغربى ذاته، فألمانيا ترفض الحل العسكرى وفرنسا تدعمه وتقوده والولايات المتحدة ترفض التدخل البرى ولاتريد أن تتورط فى حرب ثالثة وهى مازالت موحولة فى اثنتين.. عسكريا واقتصاديا وسياسيا. أيضا فإن الصين كانت أقرب إلى الموقف الألمانى الرافض للحل العسكرى وبدت روسيا على أقصى الطرف الدولى الرافض للحملة العسكرية الغربية برمتها.. واعتبرتها انتهاكاً لقرار مجلس الأمن. هذه التنويعة الواسعة فى المواقف والقرارات والسياسات ازاء الأزمة الليبية تكشف حجم العلاقات الخفية التى طورها العقيد القذافى مع دول العالم المختلفة.. خاصة فى أفريقيا التى هجرناها وقدمناها له لقمة سائغة على طبق من ذهب. فأفريقيا السوداء - وبعض البيضاء! - هى أكبر من قدم الدعم للعقيد خاصة من المرتزقة الذين ساهموا بدور حاسم فى استمرار نظام العقيد حتى الآن.. إضافة إلى علاقاته القوية مع بعض القادة السود وقادة القبائل الأفريقية الممتدة عبر الصحراء الكبرى.. وهى رافد آخر لايعلم الكثيرون مدى تأثيره على الصراع الدائر فى ليبيا. وللأسف الشديد فإن الدور المصرى من الأزمة الليبية لم يتحرك بالسرعة والقوة والجرأة الكافية التى تتوازى وأهمية المجال الحيوى للأمن القومى المصرى، فإذا كان التهديد التقليدى لنا يأتى من الشرق، فإن استمرار نظام العقيد الليبى سوف يجعله أكثر خطرا على جيرانه، خاصة مصر. صحيح أننا لا نريد أن نتدخل أو ننغمس فى حرب نعلم جيداً خطورتها وتداعياتها.. ولكن هذا لايمنعنا من المشاركة فى صياغة حاضره ومستقبله. لذا كان غياب مصر عن مؤتمر لندن لمعالجة الأزمة الليبية خطأ غير مقبول. كان يجب أن نشارك ونعارض ما نشاء.. ونؤيد مانراه يخدم مصالحنا ونساهم فى تأمين حدود هى الأقرب إلينا.. بدلا من أن تصبح هى الأخطر علينا. *** اللعب بالثورات كانت محطته الأبرز البحرين حيث تم وأد الثورة فى مهدها.. أو على الأقل كبتها إلى حين توافر ظروف مواتية. فالغرب التزم الصمت.. ومنه من انتقد على استحياء ولكن الاعلام والسياسة والقوة العسكرية الخليجية كلها شاركت فى التعتيم على لآلئ المنامة! والأغرب من ذلك أن حزب الله الذى ندد بما جرى فى البحرين.. تجاهل تورط سوريا واعتبرها مؤامرة، إذًا هى مؤامرة فى سوريا.. وثورة فى البحرين!! قمة الازدواجية والشيزوفرينيا. التناول الاعلامى لعب دورا مهماً فى اطار التآمر على الثورات العربية، فقد تنوعت التغطيات حسب المواقف السياسية للدول التى تنتمى إليها تلك الوسائل بدءا من الجزيرة ثم العربية ومرورا بالشبكات العالمية CNN - FOX - SKY فلم تحظ ثورة باهتمام الجزيرة مثل ثورة مصر حتى أنها خصصت قناة (مصر مباشر) وهو لم يتحقق وقد لايتحقق لأية ثورة أخرى! أيضا تنوعت التغطيات وأساليب التناول الاعلامى من دولة لأخرى.. ومن قناة لأخرى.. حسب العلاقات السياسية والضغوط الخفية والمساومات بمختلف أنواعها. فقد سمعنا محللا كبيرا مقيما فى إحدى القنوات العربية وهو مفكر ومفجر وفيلسوف يتناقض مع نفسه ومع أفكاره.. من ثورة إلى أخرى. فهذه ثورة للاصلاح، وتلك ثورة للتغيير، وثالثه بين بين.. حسب الهوى والهدف!! كأنهم يريدون ثورات تفصيل حسب مقاس الحكام والإعلام والقوى الخفية التى تديرها من وراء الكواليس. والمشهد المصرى لم يخل من اللعب والتلاعب والمؤامرات.. وآخرها ما شهدناه فى استاد القاهرة من جريمة منظمة بكل معنى الكلمة.. لا علاقة لها بالرياضة.. ولا بالزمالك وجمهوره العظيم الذى ساند ناديه فى أحلك السنوات وضرب به الجميع المثل فى الوفاء والاخلاص.. ولكن الفلول الإعلامية والرياضية للنظام السابق حمَّلت الزمالك مباشرة ودون دليل مسئولية ما جرى.. وكأن المسألة تصفية حسابات مع أشخاص بعينهم أو مع الزمالك تحديدا.. وإذا كانت هناك مؤامرة نفذها البلطجية فى استاد القاهرة، فإن هناك مؤامرة أخرى نفذها فلول اعلام الحزب الوطنى على الفضائيات الرياضية.. وهى مؤامرة اشد خطورة مما حدث فى الاستاد لأنها تفسد العقول والقلوب وتملأها حقدا وغضبا ليس ضد الرياضة أو بعض الاندية واللاعبين ولكن ضد الثورة والثوار وهذا هو الهدف الأخطر. إنهم يريدون أن يقولوا لنا بطريقة غير مباشرة هذه هى نتائج الثورة هذه هى الفوضى والخراب والدمار. وبعيدا عن المؤامرة الكروية ذات الأبعاد السياسية والأمنية فإن هناك ملامح لمؤامرات أخرى منها تهميش الشباب فى مؤتمر الحوار الوطنى الذى بدأ فاشلا نتيجة التخبط وسوء الإدارة وعدم التخطيط وذات الشئ حدث مع مؤتمر الحوار الوطنى حول ملف مياه النيل بما يحمله من مخاطر هائلة على مستقبل مصر والسودان والأمة العربية معا. الخلاصة إذاً أن هناك مؤامرات واضحة للعب والتلاعب بالثورات العربية؛ تشارك فيها دول وقوى اقليمية عربية وغير عربية بهدف إجهادها ثم إجهاضها لذا فإن الثوار والشعب الذى التف حولهم وثار معهم.. وكذلك الجيش الذى ساهم فى حماية الثورة.. كل هؤلاء مطالبون بإدراك أبعاد هذه المؤامرات وخطورتها على مصر الدولة.. قبل أى شء آخر.