قضية مهمة تفرض نفسها بقوة على الساحة فى الأوساط الجامعية هذه الأيام بعد ثورة 25 يناير ألا وهى الدعوة والمناداة لانتخاب القيادات الجامعية بدلاً من التعيين بدءاً من رئيس الجامعة وحتى العميد والوكلاء ورؤساء الأقسام بالكليات. والحقيقة أن هذه الدعوة مقبولة من حيث المبدأ خاصة وأنه كان معمولاً بها فى الثمانينات وإن كان مقصوراً فقط على انتخاب عمداء الكليات وليس كل القيادات الجامعية. ولكن الدعوة لهذا المطلب فى هذا التوقيت تعد غير مناسبة لعدة أسباب من وجهة نظرى.. أولها أنها ستؤدى إلى نوع من الفوضى داخل الحياة الجامعية لأنها تمثل هدماً للكيان والبناء الإدارى للجامعة.. فالقانون رقم 49 لسنة 1972 المنظم للجامعات والمعمول به حالياً لا ينص على انتخاب القيادات الجامعية فإذا تم حل مجالس إدارات الجامعات الحالية وغيرها من مواقع قيادية بالجامعة فلن يجوز الانتخاب وبالتالى فإن الأمر يتطلب أولاً المطالبة بقانون جديد للجامعات وتعديل مسألة التعيين لتكون بالانتخاب. وثانياً أن الوقت الحالى ليس مناسباً لهذا المطلب حيث إن الفصل الدراسى الحالى مضغوط من حيث الوقت بسبب الأحداث التى شهدتها البلاد مؤخراً وأضاعت أكثر من شهر من الفصل الثانى للدراسة. والسبب الثالث أن أى قرارات متسرعة لاختيار القيادات الجامعية بالانتخاب سينجم عنها إصلاحات جامعية مشوهة.. فضلاً عن أن تطبيق انتخاب القيادات الجامعية الآن سوف يجعل المصالح الشخصية فرصة كبيرة للتدخل.. وهذا أمر مرفوض وليس فى صالح جامعاتنا. والحقيقة أننى لى بعض التخوفات والتحفظات على الآراء المطالبة باختيار قيادات الجامعة بالانتخاب لأنها قد تصل بنا بقيادات وفقاً للأهواء الشخصية بعيداً عن الكفاءة.. وتفتح باب الفساد وشراء الأصوات والتربيطات والرشوة المادية وغير المادية والمحسوبية وبالتالى الفوضى والتحايل على القانون وغيرها فى ظل تفشى فساد الذمم الذى نشهده هذه الأيام. كما ستعمل عملية الانتخاب على تعظيم الشللية والتى تتميز عادة بصوتها العالى لتحقيق مصالحها والمكاسب غير المشروعة.. وهذا سيكون على حساب العملية التعليمية والبحث العلمى ودور الجامعات فى خدمة المجتمع وبالتالى رجوع الجامعات للخلف بدلاً من التقدم للأمام. وقد حكى لى أحد الأساتذة الجامعيين أنه عندما كان يتم اختيار العميد بالانتخاب - وقتها - كان العميد يتغاضى عن المخالفات والفساد خوفاً من ضياع الأصوات عند الانتخابات.. فقد ذهبت للعميد إحدى المعيدات بالكلية تشكو له من أستاذها المشرف على رسالة الماجيستير من تجاوزاته معها اللاأخلاقية.. فما كان من العميد إلا أن إبلغها أنه لا يستطيع محاسبته أو مواجهته خوفاً من ضياع صوته عند الانتخابات (!!).. وهذا يكشف أن القيادة الجامعية تصبح ولاؤها للصوت أكثر من الاهتمام بالارتقاء بالعملية التعليمية. وهذا يدفعنى إلى إبداء تخوفى من الانتخابات داخل الجامعات لانتخاب القيادات.. فالانتخابات داخل الجامعات شكلها ديمقراطى ولكن المضمون غير ديمقراطى!! وهذا لا يعنى أننى ضد مبدأ الانتخابات أو مع التعيين للقيادات الجامعية.. وإن كانت كفة الانتخابات هى الأرجح.. فكل من النظامين له مزاياه وعيوبه.. وعموماً إذا كانت القيادة الجامعية تتسم بالشفافية والموضوعية والحيدة والكفاءة فإنها ستختار القيادات فى المواقع القيادية بالجامعة على نفس المنهاج. ولكن إذا تحتم الأمر ليكون الاختيار بواسطة الانتخاب فإننى أطالب بوضع ضوابط ومعايير للتقدم لكرسى القيادة الجامعية حتى لا يكون الباب مفتوحاً أمام كل «من هَب ودَب».. وهذا يتطلب أن نتأنى فى إعداد قانون جديد للجامعات يسمح بالانتخاب واختيار الأكفاء للارتقاء بالجامعات.