الكل يدرك قيمة الثورة المصرية ومكانتها وآثارها الأعظم فى تاريخنا.. الأعداء قبل الأصدقاء.. الكبار مع الصغار.. القريب والبعيد.. كلهم واعون لتوابع تسونامى الثورة التى بدأت شرارتها فى تونس ثم انتقلت الى أرض الكنانة.. فأضاءت العالم بأسره.. نورا وضياء للحرية والعدالة وكافة القيم الإنسانية النبيلة. وعندما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلى إن الثورة المصرية تمثل زلزالا سوف يهز الشرق الأوسط وإن جيشه مستعد لكل الاحتمالات.. وعندما بشرت وزيرة الخارجية الأمريكية بتحولات كبرى سوف تشهدها المنطقة خلال المستقبل القريب.. فإنهما يعلمان القيمة الجيوبوليتيكية والتاريخية لمصر.. وتأثيرها على المنطقة والعالم بأسره.. حتى قبل الثورة . نعم لقد توقعت السى آى إيه (CIA) اضطرابات واحتجاجات فى مصر والمنطقة.. ولكنها.. كالعادة.. أخفقت فى تقدير حجمها ومداها وتأثيراتها المدوية، لماذا؟! لأن خبراء المخابرات الأمريكية لا يدركون طبيعة الشعوب وجوهرها وثقافتها وحضارتها رغم إجادة عملائها للغة الضاد. ورغم أنها استقطبت أعدادا ليست قليلة من العرب أو المستعربين!! نعم إنهم يجيدون أحدث أساليب التجسس ويمتلكون أفضل التقينات وأكثر تطورا، ولكنهم فشلوا وسوف يفشلون فى معرفة جوهر هذه الشعوب، وخاصة الشعب المصرى. ورغم أن الموساد تبدو أكثر احترافية من ال CIA وعلى صلة وثيقة بها وبغيرها من أجهزة المخابرات، فإنها لم تسطع التنبؤ بهذه الثورة العملاقة ولا بآثارها واحتمالات تطورها فى المنطقة بأسرها. فإسرائيل دولة عسكرية أمنية تقوم فى الأساس على القوة وعلى دعم الحلفاء والأصدقاء. ولو قدمنا كشفا بأبرز الرابحين وأكبر الخاسرين بعد الثورة المصرية، فسوف نكتشف بكل تأكيد أن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى فى سجل الخاسرين دون منازع رغم محاولة تظاهرها بعكس ذلك على المستوى الرسمى. فهى تدرك تماما أن مصر والمنطقة والعالم بعد ثورة 25 يناير لن يكون كما كان. فنحن أمام عالم جديد يتشكل وينطلق من أرض الكنانة.. ومفهوم القوة والعدوان والاحتلال لن يحقق لإسرائيل ما تنشده من أمن وسلام واستقرار. ومصر بعد الثورة سوف تحظى - بمشيئة الله - بوضعها اللائق بجهد ابنائها وشبابها الذين فجروا بركانا هائلا من الطاقات المبدعة والخلاقة. والحرية التى حظى بها المصريون سوف تدفعهم إلى بناء دولة عصرية فتية وقوية.. بكل المقاييس وفى كافة المجالات. نعم سوف يستغرق ذلك بعض الوقت ولكننى متفائل أنه لن يطول وسوف يفاجأ العالم بالإبداع والعبقرية المصرية كما فاجأته ثورة 25 يناير. وعندما تحتل مصر المكانة اللائقة بها إقليميا ودوليا سوف ينعكس ذلك على كافة علاقاتها مع الجميع.. بما فى ذلك إسرائيل.. إسرائيل التى لا تحترم سوى الأقوياء ولا تتجبر إلا على الضعفاء. فمصر الديموقراطية الحرة سوف تفرض مكانتها - بالحق والعدل - وتعود لوضعها الطبيعى قائدة ورائدة. وإسرائيل تدرك أن التحول الإستراتيجى الذى خلقته الثورة المصرية سوف يسهم فى إحداث تحولات كبرى فى المنطقة بأسرها. والشرق الأوسط الجديد.. لن يكون على هوى الولاياتالمتحدة أو المحافظين الجدد.. ولاحتى على النمط الغربى الأوروبى كما كانوا يخططون ويحلمون. ولقد جاءت الثورة لتطيح بهذه الخطط وتحول أحلامهم إلى كوابيس مرعبة! الشرق الأوسط الجديد سوف يحظى بقيم ديمقراطية وحرية حقيقية وعدالة اجتماعية.. وليست تلك المزيفة التى تدعيها إسرائيل. ومن الغريب أن إسرائيل رفعت شعار أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى المنطقة مع بزوغ شمس الثورة المصرية!! أية ديمقراطية تلك، ديموقراطية الإحتلال والقهر والعدوان، أم ديمقراطية العنصرية والتمييز والإستعلاء؟! الخاسر الثانى بعد إسرائيل هى الولاياتالمتحدة التى زعمت أنها مع الشعوب وحريتها وأنها تدعم تطورها الديموقراطى.. وهذه فرية أخرى، فالولاياتالمتحدة هى أكبر داعم للديكتاتوريات عبر التاريخ.. تاريخها القصير!! وهى تفضل دعم ديكتاتور مستبد يحقق لها مصالحها على أن تدعم حرية الشعوب وحقوق الإنسان. ولدينا العديد من الأمثلة على ذلك.. وآخرها ما حدث فى مصر. فمبادىء واشنطن تكمن فى مصالحها حتى لو داست الشعوب والحريات وكافة القيم النبيلة التى تدعيها *** ولو استعرضنا المشهد العام فى الشرق الأوسط لاكتشفنا أننا فى مرحلة مخاض عسير.. فأغلب الدول تشهد احتجاجات ومعارضات ومظاهرات.. علنية ومكتومة..فى العقول والصدور؟ وها هى ذى السلطة الفلسطنية تتخذ إجراءات سريعة لمحاولة تجاوز آثار الثورة المصرية ومن هذه الإجراءات الاستعداد للانتخابات التى رفضتها حماس.. وقبل ذلك استقالة عريقات ثم سليمان فياض. قد يظن البعض ألا علاقة بين ما حدث فى مصر وبين ما تشهده رام الله ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك فهناك ترابط وثيق بينهما وقد نشهد تحولا كبيرا وانتفاضة أخرى فى الضفة الغربية. والجزائر بدأت مسيرة الاحتجاجات الخجول.. وهى الخطوة الأولى فى مسيرة طويلة ولكن يجب الاعتراف بأن الإمكانات المادية والبترولية والاحتياطات النقدية يمكن أن تؤخر مخاض الجزائر، ولكنها لن تمنعها من اللحاق بذات الركب فى نهاية المطاف. وليبيا القريبة شهدت مواجهات داميه الاسبوع الماضى. ورغم أن الوضع الليبى أصعب وأشد إحكاما، فإنه لن يكون بعيدا عما يحدث فى المنطقة. والبحرين قد تقود حركة التغيير فى الخليج العربى رغم أنها من أصغر دوله وأقلها سكانا.. فإن ما تشهده من تطورات واحتجاجات قد يجعلها رائدة حركة التطوير والتغيير هناك. وصحيح أن الإمكانات المادية والبترولية سوف تسهم فى تأخير بزوغ شمس التغيير على الخليج..ولكنه لن يتخلف عن قطار بدأت أولى محطاته فى تونس وانطلقت به مصر إلى آفاق أرحب. اليمن يشهد منذ فترة طويلة اضطرابات وانقسامات ومواجهات دموية. والتجربة المصرية دفعت الرئيس اليمنى إلى التعجيل بخطوات الإصلاح، وأولها إعلان عدم التوريث وعدم الترشح لدورة رئاسية جديدة. والسودان الشقيق بدأ مسيرة التغيير التاريخى الأخطر بعد انفصال الجنوب، ولولا الثورة المصرية لأدركنا حجم التحول الهائل الذى شهده وسوف يشهده خاصة فى الشمال.. فقد كان البشير رئيسا للسودان الموحد.. أما الآن فهو رئيس لنصف السودان.. قانونيا وواقعيا. لذا يجب إجراء انتخابات جديدة فى الشمال.. بل إن التغيير هناك سوف يطال كافة مناحى الحياة.. سياسة وإقتصادية وثقافية. وقد تبدو إيران نموذجا بعيدا، وفى منأى عن تطورات المنطقة، ولكننا نعتقد أنها فى عين الإعصار وفى قلب الأحداث. ومن الغريب أن طهران التى أيدت الثورة المصرية قمعت المظاهرات الإيرانية التى خرجت تأيدا لهذة الثورة؟!. وهذه الموجات الاحتجاجية المتواصلة فى إيران - إضافة إلى التدخلات الأجنبية - سوف تتفاعل خلال الفترة القادمة وقد تدفع طهران نحو التغيير الداخلى قسرا. ولبنان هو الآخر ينتظر إشارة الانفجار من محكمة الحريرى، ولا ندرى هل تأخير قرار المحكمة مقصود ومتعمد أم أنه إجرائى وعفوى ولكن المؤكد أن كل الأطراف اللبنانية تتأهب لمرحلة أخطر وأصعب. *** هذه هى بعض مشاهد الشرق الأوسط الساخن والملتهب..ونتوقع أن يزداد سخونة خلال الفترة القادمة. وقد تعلم الجميع دروس الثورتين التونسية والمصرية وسارع البعض بإجراء تغييرات استباقية..وقام آخرون بإغراق الشعوب بالهبات والمساعدات والملذات..وتباطأ فريق ثالث.. ينتظر ليرى مسار الأحداث..والشاطر هو من يلحق بالقطار.. فى موعده..قبل أن يدهسه!!