كان اعتقادى ان الصحافة المطبوعة قصيرة العمر، وانها ستترك مكانها للصحافة الالكترونية الاسرع والأرخص. الصحافة المطبوعة تواجه مشاكل تضاعف اسعار كل احتياجاتها من ورق وأحبار وزنكات وأفلام، فى الوقت الذى اصبح التلفزيون والفضائيات وحتى الانترنت منافسا خطيرا للصحافة المكتوبة فى «كعكعة» الإعلانات، اهم وسيلة تغطى بها الصحافة المطبوعة الفرق بين تكاليفها وايرادات توزيعها.. وفى مصر على سبيل المثال، نظرا لزيادة عدد الصحف التى صدرت فى الفترة الاخيرة، اصبحنا امام ظاهرة صحف يومية توزع عدة مئات! وهكذا كما قلت فقد كان الاعتقاد ان الحقبة المقبلة من القرن الواحد والعشرين ستشهد خروج عدد من الصحف من السوق، ودخول عدد آخر من الصحف الإلكترونية التى لا تحتاج الى ورق وتجهيزات وتستطيع تقديم عدة طبعات كل ساعة لو أرادت، لكن صديقى المهندس محمد تيمور مدير عام الأهرام، والعائد من معرض «دروبا» الشهير وهو معرض متخصص فى الطباعة يعقد كل اربع سنوات فى ألمانيا، اقنعنى من خلال آخر التطورات فى طباعة الصحف تلك التى رآها فى معرض «دروبا»، ان عمر الصحافة المطبوعة بالطريقة التقليدية التى تقوم على تصوير الصفحات على أفلام تطبع على زنكات على شكل اسطوانى يتم تركيبها على اسطوانات المطابع، هذه الطريقة التقليدية المكلفة سوف تختفى فى وقت لن يكون طويلا، وسوف يحل محلها «الطباعة الرقمية» التى شعارها «من الكومبيوتر إلى المطبعة»، وهى طريقة معمول بها حاليا «من الكومبيوتر إلى الطابعة (البرنتر)»، ولكن فى الطابعة يتم طبع صفحة واحدة، بينما يتم تخزين عدة صفحات وطبعها كصحيفة، وفى معرض «دروبا» فى مايو الماضى عرضت اربع شركات انتاجها من هذه المطابع الرقمية التى تلغى بند تجهيزات الصفحات (افلام وزنكات ومونتاج) وتوفر ليس فقط التكاليف التى تمثل بندا مهما وانما ايضا الوقت اللازم. لكن الاهم من ذلك ان الطباعة الرقمية لا تحتاج مثل الطباعة العادية الى عادم كبير من الورق (يسمونه دشت) يجب ان ترميه المطبعة قبل التوصل الى النسخة السليمة، كما لا تحتاج الى طبع كميات كبيرة من النسخ لتوفير التكلفة على اساس ان تكاليف التجهيز توزع على النسخ المطبوعة، وعلى هذا الاساس يمكن طبع 500 نسخة فقط من الصحيفة بأقل تكلفة! ولهذا فقد بدأ بالفعل منذ عدة سنوات استخدام هذه الطباعة الرقمية فى طباعة الكتب دون تحديد حد ادنى من عدد الكتب التى يجب طبعها لتخفيض تكاليف الطبع، فيمكن عند اللزوم طبع 100 نسخة فمائة نسخة من الكتاب حسب احتياجات السوق موفرين بذلك استهلاك الورق وطاقة التخزين للكتب غير المباعة! ولذلك قال لى الصديق المهندس تيمور ان الطباعة الورقية غيرت كثيرا من المفاهيم التى تعودنا عليها، ومنها ان تطبع اولا وتوزع ثانيا، واصبح الشعار ان تحدد احتياجات التوزيع اولا وتطبع ثانيا، بالاضافة الى امكان ادخال تغييرات سريعة على النسخة المطبوعة، الامر الذى يحتاج حاليا الى كثير من الوقت والجهد. ولكن ليس معنى هذا ان الصحف ستنتقل فورا الى الطباعة الرقمية وتودع الطباعة العادية، فمثل كل التطورات ما زالت هناك مشاكل عديدة فى هذه الطباعة الجديدة تحتاج حلا.. فسرعة الطباعة الرقمية بطيئة لا تتجاوز ألفى نسخة فى الساعة، فى حين ان مطابع الاوفست العادية تقذف ب80 الف نسخة فى الساعة! ولذلك لا تصلح الطباعة الرقمية حاليا مع الصحف التى تطبع كميات كبيرة، كما ان الصفحات التى تستطيع المطبعة الرقمية طبعها حاليا لا تتجاوز 24 صفحة. ولكن لا يعنى ذلك ان هذه هى نهاية الطباعة الرقمية بل هى البداية، وفور ان يضع العلم ثقله فى اى مخترع لا بد ان تحدث تطورات كثيرة تضيف اليه.. حدث ذلك مع الكمبيوتر والكاميرات والتلفون المحمول.. الخ وسيحدث ايضا مع الطباعة الرقمية التى ستنقذ الصحافة المكتوبة وتحافظ على استمرارها سنوات اخرى. مديح الموتى بعد الرحيل فى بلدنا عادة غريبة وهى إنصاف الناس وتقديرهم بعد الرحيل.. وآخر نماذج ذلك الأديب العظيم والناقد الكبير رجاء النقاش الذى مات عن 75 سنة ومنحوه جائزة مبارك فى الآداب أعلى الجوائز!.. ونفس الشىء ينطبق على الفنان سعد أردش الذى عاش 84 سنة أمضاها فى خدمة المسرح الذى يعشقه وأخرج له «سكة السلامة» و «المال والبنون» و«شباب امرأة» و «رائعة عبدالرحمن الشرقاوى».. الأرض. وقد عرفت الفنان سعد أردش زميلاً فى كلية حقوق جامعة عين شمس التى يرجع إنشاؤها إلى الدكتور طه حسين وكان وزيراً للتعليم فى وزارة الوفد، وجاء الإعلان عن افتتاح هذه الجامعة فى سبتمبر 1950 إنقاذا لآلاف الطلبة الذين ضاقت أمامهم سبل جامعتى فؤاد وإبراهيم وكنت واحداً من هؤلاء الحائرين بالمجموع المتواضع الذى حصلت عليه -فجاء افتتاح جامعة إبراهيم كما كان اسمها طوق نجاة فتح أمامى كل الاختيارات: الآداب والزراعة والحقوق فاخترت الأخيرة والتقيت زملاء لمعوا. منهم زملاء المهنة إبراهيم نافع وسعيد عبدالغنى وشقيقته فاطمة سعيد رحمها الله وقد لمعت فى جريدة الأخبار وماتت فى سن مبكرة، ومنهم الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق ورئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب والدكتور عبدالأحد جمال الدين وزير الشباب الأسبق وزعيم الأغلبية فى مجلس الشعب، ووهيب المنياوى السفير السابق والفنان كرم مطاوع والفنان سعد أردش وكان يكبرنا بعدة سنوات ويحمل نفس شعر رأسه «الهايج» الذى ظل يميزه طوال حياته، وبالفعل فقد كان سعد يكبر جيلى بعشر سنوات وقد التحق فى وقت واحد بالمعهد العالى للفنون المسرحية وكلية الحقوق ونال شهادة الاثنين معاً، ويبدو أنه كان عاشقاً للفن ومتطلعاً إلى العمل بالمحاماة ولكن نداهة الفن استولت عليه. دهشة من استراليا وأنهى برسالة من استراليا من منير وهبى الذى يقول إنه يسكن على بعد 120 كيلو مترا شمال مدينة سيدنى حيث الهدوء الذى علمته فيه زوجته الصينية ركوب الدراجة فإذا به عندما زاره بعض المصريين فجأة ولم أكن موجودا وعندما حضرت بالدراجة وجدتهم أمام المنزل ليقول لى أحدهم: «يا أخى احترم شيبتك هوه فى واحد له أحفاد وتجاوز السبعين ويركب عجلة؟».. وهذه عينة يا سيدى من المتطفلين، والشىء المؤلم الآخر عند زيارتى لإحدى المكتبات المنتشرة فى انحاء مدينة سيدنى أن أجد القسم الخاص باللغة العربية خالياً من الرواد على عكس الأقسام الأخرى، وحين يحضر أحد يكون بصحبته أولاده الذين يقبلون، فصفوف الكتب تنزل من رفوفها إلى الأرض دون اكتراث من الآباء حتى وأن شاهدوهم يمزقون صفحات الكتب حتى يأتى أحد العاملين ليلفت نظرهم. شىء آخر، نحن لا ندخن ونرفض أن يدخن أحد داخل المنزل وهذا تقليد عام فى المجتمع الاسترالى ومقبول من الجميع إلا الجالية العربية التى تعتبر ذلك قلة ذوق ويتعمد البعض إشعال السيجارة دون اكتراث ثم يغضب لأن زوجتى وضعت له كرسياً فى الخارج ليدخن فى الهواء الطلق ويعتبر ذلك إهانة له فى بيتى، وينهى منير وهبى رسالته قائلاً: لقد أصبحت معزولا ولا أحد من المصريين يقوم بزيارتى ونحن فى حاجة فى الصداقة فى هذه السن ولولا جيرانى الاستراليون وأقارب زوجتى وكلبتى الصغيرة لأحسست بمرارة الوحدة فهل أنا مخطئ أم مزودها حبتين أم العرب لديهم جينات أخرى؟.. ولماذا الجالية الصينية متعاونة دون تدخل فى شئون الآخرين ويعملون ولا يملون من العمل؟ أقول هذا وأنا حزين على سلوكياتنا التى تزداد سوءا يوما بعد يوم. انتهت الرسالة التى يعجب فيها صاحبها كل هذا العجب وهو مقيم بعيداً فى استراليا فما بالنا ولو كان مقيماً فى مصر؟!.