بعيداً عن الإرث الاستعمارى الفرنسى القديم فى القارة الأفريقية.. يمكن القول بأن الأدوار باتتت موزعة فى الوقت الحالى بين القوى العظمى وأوروبا فيما بين المصالح المشتركة والرغبة فى تحقيق الاستقرار هكذا بدت الاضطرابات السياسية العديدة فى السنوات الأخيرة فى ساحل العاج ومنذ الانقلاب العسكرى الذى وقع فى شهر ديسمبر عام 1999والذى استهدف الرئيس «لوران جباجبو» الذى فاز فى الانتخابات الرئاسية فى شهر أكتوبر عام 2000. وكما هى عادة العالم الثالث، كانت القارة الأفريقية فيها من الظلم والتهميش والتمييز والدكتاتورية، الأمر الذى استغله الغرب فى تطبيق سياسة جديدة بديلة عن الاحتلال وهى التقسيم. ففى ساحل العاج يبلغ إجمالى عدد السكان أكثر من 16 مليون نسمة، 60% منهم من المسلمين الذين يعيشون فى الشطر الشمالى، لتبقى السلطة والنفوذ والثروة بيد الأقلية المسيحية الذين يعيشون فى الشطر الجنوبى. ومنذ الاستقلال عن فرنسا فى عام 1960 لم تعرف البلاد حالة الاستقرار طوال عهود «بوانيه» و»روبرت جى» ونهاية ب «لوران جباجبو». وفى أول انتخابات رئاسية تجرى منذ عشر سنوات فى ساحل العاج يوم 28 نوفمبر الماضى، أعلنت اللجنة الانتخابية المستقلة فوز زعيم المعارضة «الحسن وتارا» وذلك بنسبة 54.1% من الأصوات. بينما أعلن المجلس الدستورى الموالى ل «جباجبو» بإبطال هذه النتيجة، وأعلن فوز الرئيس المنتهية ولايته بنسبة 45.9% من الأصوات. وأمام إصرار رئيس ساحل العاج على البقاء فى السلطة وحتى 2015، رحبت فرنسا بقرار مجلس الأمن الداعى لاحترام نتائج الانتخابات الرئاسية على اعتبار أن «الحسن وتارا» هو الرئيس الجديد للبلاد. وفى ضوء الإرث الاستعمارى الفرنسى القديم الذى لم يتبق منه إلا العلاقات السياسية واتفاقيات الدفاع والتبادل الاقتصادى والثقافى أعلنت وزيرة الدفاع السابقة ووزيرة الخارجية الحالية «ميشال أليوت مارى» مؤكدة أن الجيش الفرنسى الذى يملك قاعدة عسكرية فى ساحل العاج لن يتدخل فيما يجرى فى البلاد، حيث قالت: «لا تعتزم فرنسا التدخل فى أى بلد، واتفاقات التعاون تنص على إمكانية تدخل فرنسا فى حالة تعرض البلاد لهجوم خارجى. وفى هذه الحالة فقط» موضحة أن المساعدات تجرى فى إطار محدود والقضية حاليا داخلية وتعنى ساحل العاج لكن ليبقى ساحل العاج على أرض الواقع منطقة نفوذ فرنسية، يتردد على زيارتها منذ عام 2002 وحتى عام 2010 كبار المسئولين السياسيين الفرنسيين من وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد والتعاون والفرانكوفونيه. كما يقوم المسئولون السياسيون فى ساحل العاج بزيارات منتظمة لفرنسا، فإن طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين فى كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية تؤكد أن ساحل العاج هو الشريك الأول لفرنسا فى المجال التجارى والاقتصادى إذ أن هناك حوالى 140 شركة فرنسية تواصل عملها بالبلاد وتوظف حوالى 40 ألف مواطن و500 من الفرنسيين المقيمين سيطرت هذه الشركات بفروعها المختلفة على ما بين 30، و50% من اقتصاد ساحل العاج. كما تمتعت البلاد بمساندة فرنسا قبل البنك الدولى ومن ثم مراجعة مسألة الديون قبل نادى باريس بموجب اتفاقية يوم 15 مايو عام 2009، واتفاقية يوم 9 ديسمبر من نفس العام الأمر الذى ترجم إلى إلغاء ديون بلغت حوالى 450 مليون دولار. أما على المستوى الثقافى والعلمى فقامت فرنسا منذ شهر سبتمبر عام 2002 بإعادة بناء المدارس والجامعات الفرانكوفونية وإعادة تأسيس المشروعات الاجتماعية والحقوقية والأمنية، مع تمويل كامل للمشروعات الصغيرة لمساعدة الأهالى المحليين. الأمر الذى ساعد على أن تقوم الوكالة الفرنسية للتنمية باستئناف نشاطها فى عام 2008. وفى الفترة ما بين عامى 2003 و 2009 قام الاتحاد الأوروبى بتغطية وتطوير ونمو البنية التحتية فى ساحل العاج وذلك فى مجال الصحة والتربية والتعلم والزراعة بواقعة ميزانية قدرت بحوالى 490 مليون يورو. لكن ساحل العاج المنشق على نفسه بدا مقسما إلى شطرين ومهددا بحرب أهلية جديدة، حيث يقع شمال البلاد تحت سيطرة الثوار المتمردين، ويقع الجنوب تحت قبضة الحكومة. إذا أن كل من كانوا على رأس الدولة منذ الاستقلال ضربوا بعرض الحائط بوحدة واستقرار البلاد من أجل مصالحهم الشخصية فى الهيمنة على السلطة والثروة والمناصب العليا فى قوات الجيش والشرطة. بينما حرم الشعب من جميع الخطط التنموية ليبقى أسيرا للفقر والمرض والتهميش وفريسة للمؤامرات الداخلية والخارجية، بما فى ذلك نجاح إسرائيل فى اكتساب أرضية فى البلاد عبر دعمها الشديد والإمداد بالأسلحة والخبراء وتدريب القوات والحرس استعدادا لمعارك جديدة. خاصة أن جميع المؤسسات الإسرائيلية العسكرية والمدنية والتكنولوجية متمركزة فى جنوب البلاد، وغداة المعارك الدامية التى وقعت بين أنصار الجانبين، هددت الولاياتالمتحدة بفرض عقوبات على «جباجبو» وأسرته ودائرته والمقربين له، حيث لوح «ويليام فيتز جيرالد» المسئول بوزارة الخارجية الأمريكية عن شئون غرب أفريقيا، بأن الاقتراحات بتدخل الاتحاد الأفريقى عسكريا ليست بعيدة خاصة أن الرئيس المنتهية ولايته تلاحقه اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان وإساءة استخدام السلطة. ومن جهة دعا الاتحاد الأوروبى جيش ساحل العاج لوضع نفسه تحت السلطة الجديدة «الحسن وتارا» الذى اعترفت الأسرة الدولية بفوزه فى الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل. فى حين قال السكرتير العام للأمم المتحدة «بان كى مون» إن السماح ببقاء «جباجبو» فى الرئاسة سيكون «استهزاء بالديمقراطية» هذا كما حذر من مغبة شن أية هجمات على قوات الأممالمتحدة المنتشرة فى البلاد. وجدير بالذكر أن موقع «ويكيليكس» الشهير قام أخيرا بنشر وثائق تفيد بأن هناك تعاونا أمريكيا- فرنسيا مكثفا لمكافحة تنظيم القاعدة فى ساحل العاج، وذلك بناء على طلب رسمى من باريس. الأمر الذى لا يعتبر جديدا، ولكن الجديد وطبقا للموقع أن ما يشغل الخارجية الفرنسية ليس مسألة استقرار البلاد، ولكن الحفاظ على مصالحها الخاصة فى المنطقة. هذا التهديد الذى شعرت به فرنسا، دفع البيت الأبيض إلى الحذر فى التعامل العسكرى المباشر حتى لا تثير غضب باقى دول المنطقة. كما أكد موقع «ويكيليكس» أن الاهتمام بساحل العاج تخطى الولاياتالمتحدةوفرنسا ليشمل أيضا المملكة المتحدة، حيث أعلن أحد المسئولين البريطانيين ويدعى «جانيه دوجلاس» قائلا: «إن العمل الذى يقوم به الفرنسيون فى غرب أفريقيا من أجل ترسيخ مبادئ الديمقراطية لم يعد مؤثرا. «جاء ذلك على خلفية مقتل إحدى الرهائن الإنجليز ويدعى «آدوين دير». فى مواجهة مخططات التقسيم، من البديهى أن الأوضاع ستبقى فى ساحل العاج على حالها، فى معادلة قد تفرض فى النهاية تدخل قوى دولية أو إقليمية مع استمرار شيوع القتل والتصفية والخطف. فإذا كان الغرب لا يبحث إلا عن مصالحه فمن يبحث عن طموحات ومستقبل القارة السوداء؟