فى كتاب فن الجرافيك للفنان د. / فتحى أحمد يقول الفنان عبد الله جوهر رائداً من رواد فن الجرافيك المصرى الأوائل . بدأ مرحلته الفنية الأولى مولعا برسم المناظر الطبيعية واتبع فى تنفيذ تلك المناظر طريقة الحفر الحمضى وقد عالج فى لوحاته مشاكل الضوء والتكوين باحكام ودرايه واهتم بتوزيع الضوء وكان يسيطر على توزيعه فى اللوحه كما ارتبط الفنان بقضايا وطنه وأمته وعبر فى أعماله عن هموم الناس والوطن ونخلص إلى أن هذه المرحله للفنان تعبير عن الفن النضالى لفنان ملتزم . - حين نؤرخ لفن الجرافيك المصرى .. يتألق اسم ( عبد الله جوهر ) .. مع الاشراقة الاولى لشمس هذا الفن .. فى مصر . - فقد تخرج فى أول دفعة بعد إنشاء قسم الحفر عام 1937 .. وحين نقيمه نراه ممن أكدوا .. وتفانوا .. فأضافوا واثروا .. وقدموا الكثير .. وله الريادة .. - وعبد الله جوهر حين يعمل .. يرسم أو يحفر .. فهو شلال هادر ومندفع .. لا يحول دون اندفاع أحاسيسه .. ولمسات فرشاته .. أو ضربات أدواته ، أى حائل .. ومع اندفاع الشلال .. تتولد الطاقات .. وتنتج أعمال هى علامات على الطريق .. ومع هدير الشلال .. تومض وتبرق .. أنوار وثمار .. تلاميذ ومريدون .. فى مجال فنون ( الرسم والحفر ) انطلاقا من القاهرة الى الإسكندرية .. ثم الى المنيا .. لتنتشر أعماله من فن العصر .. فى ربوع هذا الوطن .. ثم تتطلع لتدانى .. وقد تتفوق احيانا على نظائرها .. فى دول العالم المتحضر .. فله أعمال مقتناه فى مكتبة الكونجرس الامريكى .. وغيرها .. كذلك أعمال تلاميذه الذين أصبحوا أساتذة .. تؤكد حركة فنية مزدهرة ومستمرة .. أحمد ماهر رائف .. كمال أمين .. حسين الجبالى .. أحمد نوار .. محمود عبد الله .. فاروق شحاته .. وكاتب هذه السطور .. وغيرهم كثيرون وعبد الله جوهر كفنان .. تعددت مراحله الفنية .. وإن كنا نركز على اهم مرحلتين .. استأثرتا بمعظم انتاجه وخلاصة تجاربه فعندما سافر فى بعثته العلمية الى إيطاليا .. تغنى بحب روما وشوارعها .. وضواحيها .. بأقواسها ونافورتها .. ومبانيها واشجارها واعمدتها .. وإذ كانت مناظر ( روما ) تعد تحفاً فى فن المعمار .. فقد تعامل معها جوهر بكل الحب .. مستخدما وسائله فى الحفر الحمضى والمباشر .. وبأستاذية وتمكن .. وثقة فى ضربته للخط ومساحات الظل .. فتحولت على يديه .. فوق مسطحاته الطباعية الى غنائيات خطية وظلية .. هى من أجمل ما سجل فنان مصرى .. من مناظر خلوية .. - وهو حين يرسم المناظر .. يلقى بأضوائه على عنصر أو مجموعة عناصر ليخدم التكوين العام .. ومن اجل رؤية بصرية .. مع الاحتفاظ بالمظهر الطبيعى للأشياء .. إنه يتعامل مع الاضواء والظلال .. كمخرج سينمائى له رؤيته .. ورؤياه .. يمزج الواقع باللاواقع .. مترجما .. الوانه لتتجمع وتتركز مختزلة الابيض والاسود .. أو ( الكياروسكورو ) كما فعلت المدرسة الهولندية .. التى ارسى تعاليمها .. ( رامبرانت ) .. ولكن دون قيود .. ودون أن تحد من انطلاقة قوانين تلك المدرسة .. وحين يتعامل ( عبد الله جوهر ) مع الالوان المائية .. فهو استاذ الاساتذة .. الحس المتدفق .. اللون الراقى .. سريع اللمسة .. كأنما يحاول أن يمسك باللحظة والثانية .. مشعراً إيانا ليس بالمكان الذى يرسمه فقط .. لكنه يصبح احساسا بالمكان والزمان .. فى آن معاً .. أو كأنما وهو فى قمة التفاعل أو التوحد .. مع مسطح اللوحة .. يريدنا جمعياً .. أن نشاركه وأن نذوب نحن أيضا مع مائيات ( عبد الله جوهر ) .. والمرحلة الثانية وهى المرحلة التى أنتج أعماله التعبيرية فى الحفر الغائر .. وهى المرحلة التى عبر فيها عن قضايا عصره ووطنه .. الحرية .. الحرب .. السلام .. كذلك أعماله عن اللاجئين الفلسطينين .. وكيف كان يحقق درامية اللون الاسود بأجوائه وتأثيراته التى توحى بصراعات فى عالم يكتنفه ويسوده الغموض .. وعناصر تتأكد متدرجة من الاسود حتى تلمع فى مناطق مضيئة ومشعة .. اشعاعات قد نتلمس مصدرها .. وقد تستمد اشعاعاتها من ذواتها .. وعيون مترقبة حزينة أو مكتئبة .. تلمع فى ظلمات بائسة تقابلها أطراف تسقط عليها أضواء .. محسوبة وموزونة بميزان مصرى لفنان تمكن من أدواته .. ثم أطلق لتعابيره ومشاعره العنان .. لتنساب فى سلاسة وتدفق لا يباريان.. والذى يعرف عبد الله جوهر الإنسان يعرف فيه الصدق والنقاء .. يحمل بين ضلوعه قلب طفل.. قد يغضب ويثور .. ولكنه لا يعرف الكراهية .. خفيف الظل.. حلو الحديث. - ما أن تجلس معه لدقائق معدودات حتى تشعر كأنك تعرفه من سنوات.. وسنوات وكأنما قد أصبح بينكما ما تحرص على بقائه واستمراره .. وهذا سر من اسرار عظمته كأستاذ .. تربطه بتلاميذه روابط الصداقة والحب.. وهو من القلائل الذين نذروا أنفسهم، وكرسوا حياتهم للعلم والتعليم.. منذ كان بالتعليم الابتدائى بطنطا.. ثم بالتعليم الثانوى بالاسماعيلية ثم بعد ذلك ومنذ 1945 وحتى اليوم.. أستاذاً للفن بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة .. خلالها أسس قسم الجرافيك ( التصميم المطبوع ) بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية وتدرج فى كل درجات السلم الوظيفى فى كلية القاهرة .. رئيساً للقسم ثم وكيلاً للكلية .. ثم عميداً لها حتى عام 1976 عند إحالته للمعاش.. ومازال العطاء مستمراً .. - ومازال يقبل علينا .. وعلى تلاميذه .. بكل الود .. أستاذاً متفرغاً .. مازلنا ننهل من نبعه الكثير ويقدم لنا فى كل يوم الكثير .. ولعله يرى دائما فى عيوننا كل العرفان .. وكل صدق الامتنان .. أ.د/ حازم فتح الله