تحتل عملية تعزيز دور القطاع الخاص فى التنمية الاقتصادية مكانة متقدمة ضمن أولويات الحكومة، وذلك من خلال تفعيل برنامج الخصخصة بما يتطلبه هذا البرنامج من ضرورة الفهم الكامل والواعى لطبيعة القطاع الخاص والفلسفة التى ينطلق منها برنامج الخصخصة والتى تعنى بمفهومها الواسع مساهمة القطاع الخاص فى زيادة الناتج المحلى ودفع التنمية والإصلاح الاقتصادى. هذا ما أكد عليه الخبراء الاقتصاديون خلال الندوة الثانية عشرة للإعلام الاقتصادى التى نظمها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية بالتعاون مع شعبة المحررين الاقتصاديين، والتى أقيمت «بالعين السخنة» وناقشت الندوة دور القطاع الخاص المصرى فى التنمية وتقييم الاقتصاديين لبرنامج الخصخصة، حيث أكد المشاركون على ضرورة صياغة استراتيجية فعالة تقوم على تضافر الجهود بين القطاعين الخاص والعام بما يضمن تعظيم العائد الاقتصادى ودفع عجلة التنمية مع الأخذ فى الاعتبار الجانب الاجتماعى.يقول الخبير الاقتصادى الدكتور جودة عبد الخالق إن التنمية ليست مجرد نمو اقتصادى بل لها أبعاد أخلاقية مهمة من بينها مراعاة الجانب الاجتماعى فى كافة القطاعات. مشيراً إلى أن القطاع الخاص لا يضمن تحقيق التنمية وأن تحقيق التنمية يستلزم وجوبا هيمنة القطاع العام فى إطار دور قيادة الدولة. موضحاً أن مساهمة القطاعات السلعية وخاصة الزراعية فى تدهور، حيث زاد عجز الميزان التجارى وتراجع دور القطاع الغذائى، حيث هبط نصيب الزراعة من الاستثمارات من 7% إلى 5% وارتفع نصيب الاتصالات من 2% إلى 6%. وفى النهاية طالب عبد الخالق بضرورة وضع برامج ارشادية لتقليل فاقد المياه وتوفير مياه صالحة للزراعة للأراضى وتسهيل إجراءات التمويل من البنوك الزراعية وتحديث شبكات الرى وتوفير أراض جديدة قابلة للاستصلاح الزراعى. صعوبات ومعوقات وأوضحت الدكتورة أمنية حلمى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن القطاع الخاص مازال يواجه صعوبات عديدة عند إقامة مشروعاته الاقتصادية أبرزها استخراج تراخيص البناء وتنفيذ العقود ودفع الضرائب، علاوة على صعوبة الحصول على التمويل بخلاف القطاع الحكومى. وطالبت بضرورة تنمية المهارات المطلوبة من خلال وضع وتنفيذ وتطبيق خطة للتعليم الفنى والتدريب المهنى فنيا وماليا بواسطة المجلس الأعلى لتنمية الموارد البشرية، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الترابطية الأمامية والخلفية بين المشروعات الصغيرة والمتوسطة من ناحية والمشروعات الكبيرة من ناحية أخرى، وتحفيز القطاع الخاص على المشاركة فى تمويل المنح الدراسية للمبعوثين للخارج وفى تخصصات ذات محتوى تكنولوجى متقدم. من جانبه انتقد وزير التنمية د. عثمان محمد عثمان وصف القطاع الخاص بأنه رأسمالية مستغلة وأنه يعبر عن طبقة رجال الأعمال، موضحا أن ذلك يعكس سوء فهم شديد لطبيعة النشاط الاقتصادى للقطاع الخاص. وفى المقابل أكد أن القطاع الخاص يعبّر عن فئة من المستثمرين المنوط بهم خلق فرص عمل فى مختلف المجالات وهو لاعب رئيسى فى التنمية، مشيرا إلى أن عدد المنشآت التى يمتلكها القطاع الخاص وفقا لتعداد عام 2006 يبلغ 205 ملايين منشأة 95% منها منشآت متناهية الصغر تتصف بكثافة العمالة، وذلك فى مقابل عدد من المنشآت الكبيرة تبلغ 500 منشأة فقط. وأضاف أن القطاع الخاص يستحوذ على 99.9% من نشاط القطاع الزراعى و85% من نشاط الصناعات التحويلية و89% من صناعات التشييد والبناء و76% من النقل و62% من الاتصالات و92% من تجارة الجملة و37% من البنوك و99% من المطاعم والفنادق و96% من النشاط العقارى و92% من الخدمات الاجتماعية. أشار الوزير إلى أن الحكومة المصرية الراهنة تضع استراتيجية لمواصلة برنامج الإصلاح الاقتصادى خلال السنوات المقبلة تضع فى مقدمة أولوياتها الحد من الفقر، ورفع المستوى الاقتصادى لمحدودى الدخل، مؤكدا أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق هدف مزدوج يتمثل فى تحقيق معدل نمو اقتصادى مرتفع وزيادة معدلات التشغيل. وأضاف أن الحكومة تهدف أيضا إلى دفع معدل النمو ما بين 7 و8% خلال السنوات الخمس القادمة. وأضاف د. عثمان أيضا أن الحكومة تهدف إلى مضاعفة دخل الفرد فى مصر بما يعادل مستوى دخل الفرد فى شمال أوروبا بحلول عام 2016 -2017. وأكد د. عثمان أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص إلى نحو 500 مليار جنيه بحلول عام 2016-2017 مقارنة بحجم الاستثمارات الراهنة التى تبلغ 97 مليار جنيه. العمالة الماهرة وأضاف الوزير من أهم التحديات التى تواجه تحقيق هذه الاستراتيجية عدم توافر العمالة الماهرة وصعوبة الدخول والخروج لمجالات الاستثمار علاوة على السوق غير الناضجة وغير التنافسية. وفيما يتعلق بالسيولة اللازمة لتمويل المشروعات الاستثمارية، نفى د. عثمان ما يتردد عن انخفاض معدل الادخار فى مصر، مشيرا إلى أن إجمالى معدل الادخار فى مصر يبلغ 230 مليار دولار، منها 176 مليارا مدخرات القطاع العائلى و53 مليارا قيمة ادخار قطاع الأعمال الخاص و98 مليارا مدخرات قطاع الأعمال العام ولتحقيق أهداف التنمية، يؤكد د. عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية ضرورة أن يساهم القطاع العائلى فى المشروعات الاستثمارية وعدم الاعتماد على مدخراتهم فى البنوك كمصادر للدخل وهو ما ينعكس إيجابيا على الإصلاح الاقتصادى والتنمية، حيث تبلغ مدخراتهم ربع الناتج المحلى الإجمالى. أخطاء التطبيق وقالت د. ماجدة قنديل المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية إن نتائج الدراسات التى تمت مناقشتها خلال انعقاد الندوة تؤكد أن سياسات الخصخصة فى مصر فشلت فى تحقيق أهدافها نتيجة لأخطاء التطبيق. وأضافت أن برنامج الخصخصة فى مصر الذى يتم تطبيقه منذ عقدين لا يساهم سوى بنسبة 1% فقط من قيمة الناتج المحلى، وذلك يمثل نسبة ضئيلة من القيمة المستهدفة ضمن برنامج الخصخصة والتى تقدر بحوالى 10% من قيمة الناتج المحلى بعد مرور 10 سنوات من تطبيق برنامج الخصخصة. وأشارت إلى أنه من أهم أسباب ذلك الفشل تمويل عجز الموازنة من حصيلة الخصخصة علاوة على مزاحمة استثمارات القطاع العامة للاستثمارات الخاصة علاوة على بعض معوقات الجهاز المصرفى، بالإضافة إلى استثمار القطاع الخاص فى مجالات لا توفر تشغيل عدد كبير من العمالة. ولمواجهة هذه التحديات وتحقيق الأهداف المرجوة من تطبيق برنامج الخصخصة وتفعيل دور القطاع الخاص، ذكرت د. ماجدة قنديل بعض التوصيات التى تم استخلاصها خلال انعقاد الندوة وأهمها ضرورة التوظيف الأمثل لحصيلة الخصخصة والتفكير فى آليات جديدة لسد عجز الموازنة، بالإضافة إلى ضرورة تقديم التسهيلات الائتمانية اللازمة للمشروعات المتوسطة والصغيرة، حيث تمثل قطاعا كبيرا من التشغيل غير الرسمى، بالإضافة إلى وضع التشريعات والضمانات التى تساعد على الاستثمار فى المجالات الجديدة. وفيما يتعلق بالقطاع الخاص ذكرت د. ماجدة قنديل أنه يجب على القطاع الخاص ضخ الاستثمارات فى قطاعات التشغيل والقطاعات غير المستغلة. وعلاوة على ما سبق أوصت د. ماجدة قنديل بضرورة أن يقوم الإعلام بنشر الوعى الكافى بطبيعة النشاط الاقتصادى للقطاع الخاص بالمعنى الأوسع والأشمل الذى يتضمن المسئولية الاجتماعية المنوط بها القطاع الخاص فى التنمية الاقتصادية والإصلاح الاقتصادى.