يعتبر الكاتب أن المشروع نقلة مهمة فى برنامج الخصخصة، ومرحلة جديدة فى سياق برنامج إدارة الأصول المملوكة للدولة، وفى الوقت الذى يشير فيه إلى أن الخصخصة ليست هدفاً فى حد ذاتها، يرى أن المشروع راعى التوازن بين الأجيال، ووسع دائرة الملكية والمشاركة، ويضمن تدعيم وتعزيز الرقابة الشعبية، ويمثل خير تطبيق لما أصطلح على تسميته «السوق الديمقراطية» يمثل المشروع الجديد لإدارة الأصول المملوكة للدولة نقلة تاريخية مهمة فى هذا البرنامج الذى اصطلح على تسميته الخصخصة، وعلى الرغم من أن الصورة المتكاملة للمشروع لم تظهر على الملأ بعد، فإن الإعلان عن المبادىء العامة الأساسية الجديدة قد أثار العديد من الجدل والحوار، اذ يرى فيه البعض إعلاناً من جانب الدولة عن فشل مشروع الخصخصة وبالتالى التحايل على هذا البرنامج بطرح مشروع جديد، واستحضر هؤلاء منظومة انتماءاتهم الأيديولوجية والفكرية لمحاربة المشروع دون إن يتمهلوا لقراءته قراءة دقيقة وبالتالى مناقشته مناقشة موضوعية. عموما فان المتتبع لعملية الخصخصة منذ تطبيقها فى بداية التسعينيات من القرن الماضى وحتى الآن يلحظ على الفور أنها تتغير وتتطور مع الزمن وفقا لما يظهر من نتائج، ويمكننا القول دون أدنى تجاوز للحقيقة إنها مرت بأربع مراحل مختلفة كل منها له طبيعة وسمة تختلف عن الأخرى، ولن نتمكن هنا من شرح هذه المراحل جميعا حتى لا نخرج عن نطاق الموضوع، ولكن ما نود الإشارة إليه هو أن المشروع الجديد لايخرج عن كونه مرحلة جديدة فى سياق برنامج إدارة الأصول المملوكة للدولة. وفى هذا السياق أيضا نلحظ أن هناك لغطاً شديداً حول قيمة الأصول التى تتم خصخصتها، والإشارة إلى أنها كانت تقدر بنحو 500 مليار جنيه بينما حصلت الدولة على نحو 60 مليار جنيه قيمة ماتم رغم بيع نصف الشركات الموجودة بالبرنامج. وهذا غير صحيح على الإطلاق اذ إن القيمة الدفترية للاستثمارات العامة والمملوكة للدولة والتى قدرت بنحو 600 مليار جنيه كانت تشمل كل الأصول العامة، وليس فقط شركات القانون 203، بل إن هذه الشركات قدرت قيمتها الدفترية آنذاك بنحو 88 مليار جنيه. بينما يتعلق الجزء الآخر بالشركات العامة التى مازالت خاضعة لبعض الوزارات مثل الإنتاج الحربى والبترول والشركات التابعة لقناة السويس وشركة المقاولون العرب، هذا فضلا عن البنوك العامة وشركات التامين العامة، بالإضافة إلى الهيئات الاقتصادية التى قدرت قيمتها بنحو 210 مليارات جنيه، كما يضاف إلى كل ذلك المشاركة العامة فى الشركات الخاصة والبالغ قيمتها نحو 120 مليار جنيه. وعند محاولتنا الإجابة عن التساؤلات المطروحة على الساحة الفكرية المصرية، لابد من الإشارة والتأكيد على أن الخصخصة ليست هدفا فى حد ذاتها، بل هى وسيلة لإحداث التنمية فى المجتمع عن طريق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، لذلك كان الهدف الأساسى لسياسة الخصخصة هو تهيئة المناخ التنافسى الملائم والذى يحقق مزايا الكفاءة الاقتصادية، مما يحفز على رفع كفاءة توزيع الموارد وحسن استغلالها بطريقة مثلى تحقق الأهداف التنموية للبلاد. وتمثلت نقطة البداية فى الاعتراف بأن هناك حدوداً قصوياً للقطاع العام لايمكن تخطيها، وقد توفر من الدلائل ما يشير إلى أن حجم القطاع العام المصرى قد تجاوز تلك الحدود بكثير وأن ثمة حاجة ماسة الى إعادة النظر فيه بما يتماشى مع الاحتياجات الحقيقية للتنمية وفى ضوء الإمكانات الإدارية والمالية المتاحة، وذلك انطلاقاً من أن أفضل ضمان لاستمرار القطاع العام هو تحوله إلى قطاع كفء من الناحية الاقتصادية. وهو ما يتطلب الانخراط فى الأعمال والأنشطة الاقتصادية الأساسية وترك الباقى للقطاع الخاص وكما ذكر الاقتصادى الشهير كينز «إن الشىء المهم بالنسبة للحكومات ليس هو أن تقوم بالأشياء التى يقوم بها الأفراد بالفعل، وأن تقوم بها على نحو أفضل قليلا أو أسوأ قليلا، بل هو القيام بالأعمال التى لا يقوم بها هذا القطاع على الإطلاق». فى هذا السياق أعلنت الحكومة عن طرح برنامج متكامل لإدارة الأصول تمحور حول ثلاثة محاور أولها الملكية الشعبية لحصص فى أسهم مجموعة الشركات الخاضعة للقانون 203 والثانى هو إنشاء صندوق الأجيال القادمة والثالث إدارة الأصول المملوكة للدولة ورفع كفاءتها. وهنا نلحظ أن البرنامج المذكور قد أوضح بصورة كاملة الموقف المتعلق بجميع الشركات، من حيث مستقبلها أو أوضاعها، وهو الأمر الذى يسهم كثيرا فى تهدئة المخاوف العمالية بشان المستقبل وبالتالى اطمأن نحو 370 ألف عامل فى هذه الشركات على مستقبلهم، وأصبح كل منهم على دراية كاملة بأوضاع شركته ومستقبلها، وهى نقطة حاسمة فى هذه السياسة. وعلى الجانب الآخر فقد راعى المشروع عدة اعتبارات أولها التوازن بين الأجيال عن طريق الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة فى ثروات البلاد، بإنشاء صندوق الأجيال القادمة، وهو الأمر الذى يدفعنا إلى ضرورة توسيع دائرة هذا الصندوق ليشمل نصيباً من جميع الثروات الناضبة للبلاد خاصة البترول، بمعنى آخر أن يكون أحد المصادر المغذية لهذا الصندوق جزءاً من حصيلة بيع النفط وغيره من الثروات الكامنة فى باطن الأرض. ثانيا توسيع دائرة الملكية والمشاركة، إذ إن توزيع هذه الصكوك على مجموع الشعب المصرى يضمن على الأقل مشاركة مجموعة لا باس بها من المواطنين فى مراقبة ومتابعة أداء هذه الشركات ومحاسبة المسؤولين عنها، الأمر الذى يسهم فى تدعيم وتعزيز الرقابة المالية بصورة تجعلها قادرة على الحيلولة دون العبث بالمال العام أو إهداره، وكذلك تعزيز المساءلة وتثبيت المصداقية وحشد تأييد قوى للسياسات الاقتصادية من جانب الجمهور الذى سيكون على علم تام بمجريات الأمور. وهذا يعنى ببساطة إيجاد بيئة تنافسية تدفع للمزيد من الكفاءة فى الإنتاج مع ضمان عدالة التوزيع لثمار النمو. وقد أشارت التجارب الدولية المختلفة، إلى أهمية التلازم بين الديمقراطية واقتصاد السوق، بل إن هذا التلازم شرط أساسى لإنجاح عملية التحول، إذ إن التجارب التى نجحت قد ارتبطت أساسا بتدعيم آليات المشاركة الشعبية والديمقراطية والشفافية، وتطبيق مبادئ الإدارة الرشيدة عند وضع السياسات المختلفة، ولم تقتصر فقط على بعض الإجراءات والعمليات المتعلقة بالانتخابات. وهو خير تطبيق لما نراه كأفضل وسيلة لإحداث النهضة فى المجتمع وهى السير على نظام «السوق الديمقراطية»، والذى يرتكز على معادلة الدولة الرشيدة والسوق الناضجة وهى الوسيلة المثلى لصنع النهضة الاقتصادية والاجتماعية.وذلك انطلاقا من أن النهضة هى عمل إرادى وليست عملية تلقائية بل هى عملية إيجابية تهدف إلى النهوض بقدرات المجتمع. فإذا كان النمو يتحقق من المصادر الثلاثة المعروفة وهى تراكم رأس المال المادى والبشرى وكفاءة تخصيص الموارد بين قطاعات المجتمع ورفع مستوى الإنتاجية، فان ذلك لن يتحقق إلا عبر تحديد واضح للأدوار بين القطاع الخاص والدولة. وبمعنى آخر فإن التحول الطامح إلى اقتصاد السوق يتطلب بالضرورة وجود حزمة من القوانين المدنية والجنائية الواضحة والمعلن عنها بالقدر الكافى، مع إنفاذ القواعد القانونية والتنظيمية، ووجود جهاز قضائى مستقل، وتعزيز النظام الضريبى والإدارة الضريبية، وزيادة شفافية المالية العامة، وتفعيل إجراءات المحاسبة المالية، وتطوير الجهاز الإدارى للدولة، مع تفعيل المنافسة. ورغم أن هذه الإجراءات وغيرها قد تستغرق بعض الوقت، فإنها تعتبر ضرورة قصوى لإنجاح هذه العملية. فالحكومة عليها عدة أدوار أساسية ورئيسية منها ضمان كفاءة آلية السوق بما يعنيه ذلك من توفير الظروف التى تجعل تفاعل العرض والطلب يتم فى إطار حقيقى مع ضمان التخطيط الاستثمارى السليم عن طريق توفير البيانات والمعلومات الأساسية عن القطاعات الاقتصادية بالمجتمع, وذلك بالشكل الذى يمكن الجميع من إجراء دراسات الجدوى السليمة والصحيحة. وكذلك توفير المناخ الاستثمارى الجيد عن طريق إصلاح التشريعات القانونية والإدارية. ووضع القوانين موضع التنفيذ. وبمعنى آخر فإنه بقدر مالا يمكن إهمال آلية السوق وجهاز الثمن، إلا أنه لايمكن أن يستمر ذلك دون التدخل الذكى والمنظم من جانب الدولة. من هنا جاء البرنامج الجديد لإدارة أصول الدولة.