ريف شمال الدلتا هى المنطقة التى أخرجت لنا أحد أهرامات الإخراج الدرامى فى مصر وتحولت تفاصيل أدواته الإخراجية إلى مدرسة تتلمذ عليها عباقرة الإخراج فى مصر والمنطقة العربية سبقتها أعماله إلى قلوب الجماهير وأصبح له فى قلب كل رائد من رواد الفن ونجومه وشبابه وحتى الجيل الجديد مكانة خاصة أجمل الألقاب التى يعشق أن يناديه بها الناس هى كلمة «عم» لما لها من سحر التواصل وهى كلمة كثيرا ما يرددها البسطاء بحميمية وصدق تصل من أذن سامعها إلى قلبه فتزداد محبة مناديه بها. على صفحات مجلة أكتوبر نقف معًا عبر محطات عمدة الإخراج الدرامى اسماعيل عبد الحافظ هذا النبت المصرى الأصيل الذى أصبحت أعماله مقياساً لدرجة حرارة الوطن وكشفاً لمناطق ضعفه وقوته وإطلاله على مشاكله وهمومه ورغم وصولنا إلى السنة العاشرة من بداية الألفية الثالثة وأصبح العالم قرية مصغرة تطل على بعضها البعض عبر الشبكة العنكبوتية فإننا نتوقف مع الزى الرسمى لهذا المخرج والمتمثل فى الجلباب المشهور فى مناطق الريف المصرى، فى البداية يوضح مخرجنا اسماعيل عبد الحافظ سبب تمسكه بارتداء الجلباب داخل لوكيشنات التصوير التى قدم لنا من خلالها «ليالى الحلمية» خمسة أجزاء، و«المصرواية» جزءين، و«الشهد والدموع» جزءين، و«عفاريت السيالة»، و«حدائق الشيطان»، و«خالتى صفية والدير»، و«امرأة من زمن الحب»، و«عدى النهار»، وغيرهم من عشرات الأعمال آخرها «أكتوبر الآخر» وعن سر ارتدائه للجلباب أكد قائلا: لقد ولدت فى شرق الدلتا وأعتز بمنطقتى الريفية وطباعها الخاصة وعندما جئت إلى القاهرة للدراسة فى جامعةعين شمس لأدرس اللغات الشرقية بكلية الآداب عشت حالة الأمركة بارتداء البنطلون وكانت تقاليع مارستها لكنها لم تؤثر فى تكوينى وعندما وجدت مسيرتى تجاه الإخراج الدرامى وجدتنى عاشقاً لجلبابى كما أعشق تماماًً أن ينادينى أبنائى من الوسط الفنى بكلمة «عم اسماعيل» لأنها أقرب إلى قلبى وتشعرنى بالحميمية الشديدة بينى وبين فريق العمل وهذه هى الروح التى يتعايش بها المواطن المصرى فى المناطق ?البسيطة. * كيف كانت محطاتك الأولى فى الإخراج ؟ ** فى البداية تم اختيارى ضمن 28 من الأوائل للتعيين فى التليفزيون وتعينت فى 13/ 12/ 1963، وبدأت الإخراج بعدها حيث قضيت رحلة مع الإخراج مع عالم التليفزيون أساعد الرعيل الأول وفى نهاية الستينات مرحلة الاعتماد علينا كمخرجين واجهنا صعوبة جيل يسلم إلى جيل أخذت عهداً على نفسى لتقديم كل ما أحسه والدراما عندى هى التى تحمل رسالة وقيمة وتكون موجهة لوضع حالة تنوير كل شىءودائما ما أركز على مناطق يهتم بها المواطن العربى ككل وهناك منطق أسير به فى اختيار أعمالى وهو منطق الحرية لفعل ما أريد فالإخراج ماهو إلا رسالة يجب أن أتوجه بها إلى المجتمع بكل طبقاته وكل حلمى من أول أعمالى وحتى آخرها فى «أكتوبر الآخر» الذى قدم فى رمضان أن نشاهد الطبقة الدنيا. * ما حكاية منعك فى بداياتك من الإخراج ومن قام بمساندتك لتخطى هذه الحواجز فى الشهد والدموع؟ ** تم إيقافى لأننى هاجمت الانفتاح الاقتصادى بعد أن انتصرنا فى 73 وكنا منتظرين أحلاماً وآمالاً للشعب المصرى والعربى فى غمرة فرحتنا نفاجأ بأن مصر 75 تقبل على الانفتاح لتلغى أى أثر للاشتراكية ولأننى عنيد وعندما أشعر أنى على حق صعب حد يكسرنى لجأت إلى كسرالحصار المصنوع حولى من مصر وكان يوسف عثمان المسئول عن الإنتاج الدرامى بالتليفزيون وهو رجل صعيدى يؤمن بما أؤمن به وتمسك بالجزء الأول من «الشهد والدموع» وقال بالنص مصر أولى بهذا العمل بالتصدى لإنتاجه وطلبنا تقديمه للرقابة التى رفضته حتى وصلنا إلى بعض المحذوفات وقبلنا بها لكن بلا شك حدثت خلافات مازلت أذكرها من بينها تمسكنا أنا والراحل أسامة أنور عكاشة بضرورة استخدام أغانى عبد الحليم لأنه لا يصح بأى حال من الأحوال أن نتحدث عن الثورة دون استخدام أغانيه والجيل الذى ارتبط بعبد الناصر انتقد سلبياته فى «الشهد والدموع». وبحكم أننى كنت بشكل أو بآخر لى وجهة نظر سياسية حاولت توصيلها داخل مجموعة من المجموعات المهتمة بمشاكل الوطن فبحثت عن موسيقى تصويرية وبدأت فى استخدامها والرقابة بدأت تراقب العمل خاصة إنهم وجدوا أن فريق العمل كله من جيل عبد الناصر وكنا جميعا نرى أنه لولاه ماتعلمنا ولم نكن ما نحن فيه ونؤمن بأن الثورة وقفت إلى جانب الفقراء والغلابة وبدأت تحولات الإصلاح الزراعى ولقد أثر الحراك الثورى فى كل المجتمع المصرى الذى بدأ يشعر لأول مرة بأمان يكون الحاكم منه فيه واتفق الجميع عليه ليوقعوه فى أزمات هذه كلها رؤية كان يجب أن نقدمها وقدمناها فى «الشهد والدموع» أضف إليها تفاصيل العدوان الثلاثى وتأميم القناة هى أمور مؤثرة فى نبض الشارع المصرى كما كان فى داخلى كمخرج لهذا العمل ميول إلى عدم تصديق أن موت عبد الناصر كان طبيعيا ومازلت أميل إلى تصديق أنه سمم بطريقة أو بأخرى لمصلحة من كان لا يريده كإسرائيل وأمريكا * لكن أعمالك لم تبدأ فقط من الثورة ولكنها انطلقت قبل ذلك فى جمهورية زفتى؟ ** هذه حقيقة فمثلا فى «جمهورية زفتى» للكاتب الكبير يسرى الجندى كانت عبارة عن دراسة صغيرة فى كتاب « أيام لا تنسى» تأليف الراحل أحمد بهاء الدين وقد نسج منها الجندى عملاً كبيراً ومن أجل التصدى إلى تنفيذه كان لابد من جهة إنتاج قوية فتصدت له شركة صوت القاهرة وقتها وقمنا ببناء حى زفتى كاملاً بمدينة الإنتاج الإعلامى وتم رفع المقاسات وبدأنا نستدعى حاضرها فى ثورة 1919 ونقلنا المركز القديم والبوسطة كاملة ونقلنا قهوة مستوكلى وبيت يوسف وعوض الجندى اللى قاموا بالثورة واستخدمت مجاميع بآلالاف سواء فى جنازة المناضل ابراهيم النعمانى الذى وقف ضد الممثل الانجليزى التركى وضد الاستعمار وقدمنا المواجهة بين الأهالى والانجليز والاسترالى وكيف قاموا بتهريب البطل الذى كان يرفض الهروب وانتصرت زفتى على أكبر قوى عظمى فى ذلك الوقت. * أصبحت ليالى الحلمية بأجزائها الخمسة نموذجاً حاولت الدراما تقليده لكنها لم تحقق نفس نجاحه فما تعليقك؟ ** مشروع فكرة «ليالى الحلمية» مع الراحل أسامة أنور عكاشة كان لتقديم عملية رصد لما يدور فى الشارع المصرى وهذا الرصد من خلال حى شعبى بدأناها بالكاميرا وهى تدخل من الحى إلى الشارع ومن الشارع للبيت ثم تخصص شقة هذه حركة الكاميرا فى كل الحلقات ونبدأ فى رصد تفاصيل حكاية كل بيت وكانوا دائما ما يجتمعون فى صلاة العشاء وكنا ونحن نضع الفكرة نبحث فى كيفية الدخول فى تفاصيل الأسر الصغيرة. * قوبلت بهجوم عندما قدمت جمال سليمان فى «حدائق الشيطان» وقالوا فضلت فناناً سورياً على النجوم المصريين؟ ** عليهم أن يقولوا ما يقولونه فأنا مازلت أؤمن بالقومية العربية وقد واجهتنى مشاكل فى اختيار بطل هذا العمل ودائما المخرج مسئول عن اختياراته وكما قلت أنا أعشق روح المحبة داخل اللوكيشن بالتحديد اعتذر يحيى الفخرانى قلقا من الدور وقبلت اعتذاره ونور الشريف كان لديه نفس التعقيب ومحمود حميدة رفض شغل الدراما من الأساس وفاروق الفيشاوى اختلف فى الأجر وبالتالى جاء التفكير فى تقديم ممثل عربى وتم اختيار جمال سليمان لشكله الصعيدى وكان فى البداية يشعر بأن اللهجة الصعيدية لوغاريتمات خاصة أن العمل كتبه محمد صفاء عامر وقد حجزت جهة الإنتاج فيلا بطباخ وسائق فى العزيزية وكلفنا مراجع اللهجة عبد النبى الذى كان شبه مقيم وكانت داخل سليمان رغبة فى النجاح ووقتها كان الوسط الفنى فى منطقة غليان وفى أول بروفة أحضرنا له تصريحاً بالعمل واخترت له فريق عمل من الفنانين المحترمين لأن المسألة كانت بالنسبة لى حياة أو موت وشغلى الشاغل ويجب علىَّ إنجاح التجربة خاصة أن الهجوم خرج علينا من كل صوب وحدب بدأ من النقابة ووقف جانبى الكثير من الأصدقاء الفنانين وغير الفنانين وكان جمال سليمان رائعا وكان مفاجأة بطريقة أذهلت الجميع وكان أفضل عمل شهده العالم العربى والندوات التى أعقبته كانت غير عادية وكم الاحتفال بجمال سليمان وكانوا يعتبرونه رشدى أباظة بالنسبة للهفة عليه والتصوير معه والألبومات وهو مذهول لم يصادفه ذلك رغم تقديمه 15 مسلسلاً قبل «حدائق الشيطان» وأتذكر أن جمال فى إحدى المعاينات فى الصعيد اكتشف أن الجمهور لا يعرفه فكان حزينا لذلك فقلت له النجومية تبدأ من هنا وهذا ليس من منطلق كونى مصرى ولكن هذه الحقيقة أنا كمخرج لا يعرفنى الناس وقلت له بعد إذاعة المسلسل مش هتعرف تمشى فى الشارع وقد حدث ذلك . * «المصرواية» مشروع لم يكتمل برحيل كاتبه أسامة أنور عكاشة هل هذه حقيقة؟ ** أنا وأسامة حلمنا بالمصراوية من عشر سنوات والأعمال التى تتناول الريف قليلة وسعينا إلى كفر الشيخ وما حولها لأننا منها وقدمنا الجزء الأول ولم يأخذ حقه من المشاهدة لأنه عرض حصرياً على دبى توقف الثانى عند وفاة سعد زغلول وتوقف استكمال بقية الأجزاء بسبب رحيل رفيق العمر أسامة أنور عكاشة كنا نرغب أن نبدأ من 2008 أو بعد ما انتهينا من الحلمية وجهة الإنتاج رفضت حتى فى ليالى الحلمية لمرور 80 سنة على الأحداث وبالتالى فلن يكون هناك فنانون من جيل تان لهذه الأسباب لم تكتمل هذه المشاريع. * «أكتوبر الآخر» مع مؤلف جديد على ساحة الدراما كيف ترى التجربة بعد انتهائك منها؟ ** فى أكتوبر73 انتصرنا كمصريين وعرب مهما كان حجم الانتصار وكان المفروض أن تقام سوق عربية مشتركة قبل السوق الأوروبية ولم يتحقق ذلك وبحثنا عن الوحدة العربية فى الفن الذى يقرب الأمور قلت سأتعرض لسبعة شهور فى حياة المصريين من أغسطس 2005 إلى سبتمبر 2006 أبدا ببطل من أبطال أكتوبر «فاروق الفيشاوى» يعيش على المعاش يعيش باحترامه لم يقبل أن يشترك فى أى شىء خطأ وضد الفساد وكان له حكاية قبل دخول حرب 73 حبيبته «بوسى» عندما دخلوا الحرب فرض عليها الزواج بشخص فى لندن تعود فى بداية الحلقات بشكل أو بآخر نقدم فاروق له ثلاثة أبناء الإبن يود دخول كلية حربية وهو ابن بطل سباحة يتصل بزملائه القدامى فى أكتوبر ليكتشف أن الحياة أصبحت بواسطة ولا يوجد بها تكافؤ فرص تم رفضه من أجل عمه صاحب السمعة السيئة «حوت من حيتان رؤوس الأموال» يرفض التعليم لأنه أدرك تفاصيل اللانتماء للبلد لم تصبح بلدنا البلد بلد اللى فوق ويهاجر هجرة غير شرعية، داليا ابراهيم تحدف على حتة التدين وترتبط بأحد شيوخ الفضائيات يرفض والدها لأنه يعرف سمعتهم وداليا مصطفى المحامية السالكة فى الحياة تحاول فتح مكتب محاماة لخدمة البطالة. «أكتوبر الآخر» تعنى أنه لابد أن نستدعى الشرفاء الغيورين على البلد لوضع أيديهم فى أيدى بعض وليحدث مايحدث وقد كتبه فتحى دياب وقد حرص المنتج يوسف عثمان المشرف على قطاع الإنتاج الدرامى بمدينة الإنتاج الإعلامى أن يقدم الأعمال الجيدة دون الالتفات إلى اسم المؤلف فهو يؤمن بامتداد الحضارة المصرية. * مارأيك فى فكرة تقسيم الدراما إلى مصرية وسورية؟ ** أولاً حتى نكون موضوعين الدراما المصرية هى المصرية ولا تجارى ولا تبارى هى التى وضعت الأسس ومنها استفاد العالم العربى بشكل أو بآخر ولكنهم ظلوا فى حدود لاترقى إلى المنافسة إلى أن بدأت بعض أعمال الدراما السورية تطفو على السطح وتفوقت على الدراما المصرية فى المنطقة التاريخية بل إن الجهات الانتاجية فى مصر تخلت عن إنتاج هذه النوعية ونجح السوريون لأن هناك تمويلاً سعودياً من الطراز الأول جاءهم حتى تكتسب الدراما التاريخية الجودة المطلوبة لهذا التفوق على الدراما المصرية والتنافس فى هذا يسعدنا وأهلا وسهلا بالدراما السورية. إنما فى الدراما الاجتماعية لسه بدرى قوى لأنه لا يوجد لديهم هامش حرية تعبير كما هو الممنوح لنا حتى الآن. * ماهى روشتة علاجك للدراما المصرية؟ ** أولاً نص جيد، مخرج واع، جهة إنتاج جيدة الصرف، عدا ذلك فلن تنصلح الدراما وأنا لى طبيعتى لا أحد يختار لى ما أقدمه ولا أحد يتدخل فيما أقدمه هناك هزة عنيفة فى الدراما المصرية وهى فى أردأ عصورها ولا تشكل تياراً فى السنوات العشر الأخيرة المناخ الفنى عموماً تأثر لأن المعايير الحقيقية اختلت ولو وقفنا عليها سيعود العصر الذهبى وهذا ما يحدث الآن فى مدينة الإنتاج لأنه يوجد بها إعلامى فاضل هو المنتج الفنى يوسف عثمان الذى أسس لسيادة الدراما بالمخرج والكاتب لم يعد يهتم بالسوبر ستار وتقديم عمل عليه المخرج الأول هناك بصيص أمل فى الإنتاج الاعلامى وبصيص آخر هو تولى أسامة الشيخ رئاسة اتحاد الإذاعة والتليفزيون ومثلا أرسل لى فى بداية توليه مع محفوظ عبد الرحمن ويسرى الجندى ومحمد جلال عبد القوى وطالب مشورتنا للنهوض بالدراما التليفزيونية من عثرتها وعرضنا عليه مقترحاتنا وقلنا نبدأ بخمسة أعمال لكبار المؤلفين وآخرين لكل من أثبتوا جدارتهم نحن نحاول أن نبنى مجتمعاً قيمه العمل والبحث عن الكيف. * ماهى أول أعمالك القادمة.. هل نجد ذلك فى عملك الدرامى الجديد؟ ** حالياً أعتكف ولا أود الإفصاح عن مكان اعتكافى على عمل جديد وهو الجزء الأول من «همس الجذور» للكاتب يسرى الجندى ومن إنتاج يوسف عثمان المشرف على قطاع الإنتاج الدرامى بمدينة الإنتاج الاعلامى وهو عمل يرصد تاريخ الفلاح المصرى من عصر محمد على وحتى الآن ولا ?أود الإفصاح أكثر من ذلك.