البداية كانت درامية كأفلام السينما الهندية والتى قليلاً ما نصدقها .. فى حى ريفى بسيط كانت العمة الشابة ذات العشرين عاماً (أوجينى) - وأطلق عليها هذا الأسم تيمناً بإسم الإمبراطورة الفرنسية التى شاركت فى الإفتتاح المبهر لقناة السويس آنذاك - تعانى من مرض عضال هو ضيق فى صمام القلب تسبب فى وفاتها المبكر. وكان فتانا مجدى لايزال صغير السن وقد أثر فيه مشهد والده الجراح وهو يبكى حزناً على شقيقته الصغرى التى صرعها المرض وهو عاجز عن إنقاذها لعدم وجود الإمكانات العلمية والأجهزة الطبية التى تمكنه كجراح عام من إنقاذ حياتها.. لذا فقد قرر فارس الأمل د.مجدى يعقوب أن يوهب حياته ليحقق هذا الهدف ويصارع هذا المرض الشرس وتفوق فى دراسته والتحق بكلية الطب جامعة القاهرة ليحصل على بكالوريوس الطب ثم سافر إلى الولاياتالمتحدة لنيل درجة الماجستير والدكتوراه وتخصص فى زراعة القلب. وبدأ مشواره العلمى والعملى فى بريطانيا لأنها من أكثر الدول تقدماً فى هذا التخصص وتنقل للعمل فى أنحاء العالم واهباً جهده وعلمه لمساعدة المحتاجين وبتواضع جم رغم أنه يصنف من أشهر 6 جراحين للقلب فى العالم ويعتبر ثانى طبيب أجرى عملية زراعة قلب بعد الدكتور كريستيان برنارد عام 1967. وقد بلغ عدد عمليات رزاعة القلب التى أجراها د. يعقوب حوالى 2200 عملية أما عدد العمليات الجراحية التى أجراها خلال 25 عاماً وصلت إلى 25 ألف عملية ويقول الدكتور النابغة «إن ضحكة طفل صغير بعد شفائه أو كلمة شكر يسمعها من آباء وأمهات المرضى الذين يساعدهم فى تخفيف آلامهم هى الجائزة الحقيقية التى ينشدها» بهذه الكلمات البسيطة أكد يعقوب بأنه «ملك القلوب حقاً كما أطلقوا عليه هذا الاسم فى أوروبا». جذوره ودراسته/U/ ولد هذا العبقرى المصرى فى قرية بلبيس وتنحدر جذوره من محافظة أسيوط ورافق والده وأسرته فى ترحالها داخل مستشفيات مصر حيث كان والده يعمل جراحاً حتى تخرج د. مجدى من كلية الطب وعمل كطبيب ممارس عام فى قسم القلب والصدر بالقصر العينى وسافر لاستكمال دراسته بالولاياتالمتحدة وحصل على الدكتوراه عام 1962. وقرر أن يستمر فى تحصيل العلم والعمل ونال درجة الزمالة الملكية بأدنبرة وزمالة كلية الجراحين الملكية بجلاسكو ثم عمل باحثاً فى جامعة شيكاغو عام 1969 وأصبح أستاذاً لجراحة القلب والصدر بجامعة لندن ومديراً للبحوث والتعليم الطبى ومستشاراً فخرياً لكلية الملك إدوار الطبية فى باكستان. وأهم مايميز د.مجدى أنه استحدث أساليب جراحية غير مسبوقة لعلاج العيوب الخلقية فى القلب والتى كان يجريها على نفقته الخاصة ونفقة المتبرعين نظراً لأن تكاليف هذه العملية لاتدخل ضمن نظام التأمين الصحى آنذاك.وقدم مايقرب من 400 بحث فى جراحة القلب والرئتين، كما أسهم فى إنشاء العديد من المؤسسات الخيرية وتأتى رابطة «سلاسل الأمل» الخيرية فى مقدمة هذه المشاريع والتى أجرى من خلالها المئات من العمليات الجراحية المجانية لإنقاذ غير القادرين من دول العالم الثالث، وساهم أيضاً فى إنشاء وحدة رعاية متكاملة بمستشفى القصرالعينى لعلاج التشوهات الخلقية فى القلب. ونظراً لجهوده وإسهاماته تم تكريمه فى العديد من المحافل الدولية فحصل على لقب بروفيسور فى جراحة القلب كما منحته الملكة البريطانية إلزابيث لقب «سير» ووسام فارس وهو من أعلى الأوسمة فى بريطانيا. وفاز بجائزة الشعب وهى جائزة يمنحها الشعب البريطانى بالانتخاب للأشخاص أصحاب الإنجازات المتميزة فى مجالات عدة، بالإضافة للإنجازات الريادية التى يقدمها المرشح للمجتمع خلال حياته وفاز الجراح المصرى مجدى يعقوب عن العمليات الريادية التى قام بها. ومن أقواله التى دائما يرددها «إنه لاتوجد عمليه أهم من أخرى فكل عملية تعنى حياة إنسان وهو حريص على تدريب أطباء شبان فى كل أنحاء العالم حتى لاينتظر مريضا محتاجا لعملية حضوره شخصياً» وأعرب عن سعادته بتدريب أطباء أصبحوا قادرين على إجراء عمليات القلب المفتوح وبنجاح خاصة فى بلده مصر. ويقول عنه أساتذته وتلاميذه «إنه عبقرى داخل غرفة العمليات» وهنا أكد د.يعقوب «إنه يجب على زراع القلوب أن تكون لديهم القدرة على الإبتكار واتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب». سبق عالمى/U/ ومن أشهر العمليات التى أجراها عملية إزالة قلب تمت زرعته فى مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعى الذى كان يعانى من حالة تضخم وقد حقق بهذ العملية سبقاً عالمياً لأنه احتفظ بالقلب الطبيعى مع القلب المزروع وإزاله بعد عودة القلب الطبيعى للعمل وقام بزراعته لمريض آخر. فعطاؤه العلمى لايتوقف فهو يحمل فى جيب سترته بطاقة تتضمن قبوله التبرع بأى جزء من جسمه لمن يحتاجه بعد وفاته لأى إنسان فى العالم وكذلك الحال مع زوجته وأولاده الثلاثه . فالدكتور يعقوب (الذى يعمل فى غرفة العمليات وهو يستمع لأغانى عبد الوهاب والموسيقى الكلاسيكية) أول من إبتكر جراحة الدومينو التى تتضمن زراعة رئتين فى مريض يعانى من فشل رئوى ويأخذ قلب من المريض نفسه ليزرع فى مريض آخر. كما نجح مع فريقه الطبى فى تطوير صمام القلب بإستخدام الخلايا الجذعية ويقول:«إنه سيتم قريباً التوصل لزراعة قلب كامل بإستخدام الخلايا الجذعية» وهو دائم الحضور لمصر بلده الحبيب إلى قلبه - على حد قوله - ويضيف قائلاً(إن علىّ دين لشعبها العظيم وأنا أعبر عن حبى لبلدى بالعمل وأسعد بشفاء أى مصرى) ويؤكد إنه مهتم بإنقاذ الأطفال لأن إنقاذ أى طفل هو إنقاذ للمستقبل. ومصر بها أعلى نسبة من المصابين بأمراض القلب بسبب التلوث والعادات الغذائية الخاطئة. لذلك ساهم د. يعقوب فى بناء مستشفى أسوان لخدمة الأطفال والمواطنين. وافتتح قسم خاص بالأبحاث الجينية المسببة للتشوهات الخلقية وقسم لزراعة ونقل الأعضاء، ويقول د.مجدى إن الهدف من إنشاء هذا المستشفى هو وقف انتشار الحمى الروماتزمية بين أبناء مصر كما يقوم بتدريب العديد من الأطباء المصريين بنفسه ليكون هناك جيل جديد من الجراحين المهرة ليتولوا مسئولية محاربة هذه الأمراض المستعصية والتى تفتك بالفقراء فى مصر والقارة الأفريقية، ويتكلف إنشاء المستشفى حوالى 40 مليون دولار تساهم مؤسسة سلاسل الأمل التى أنشأها د. يعقوب بحوالى 10 مليون دولار وتتحمل وزارة الصحة باقى التكلفة، ومجدى يعقوب ( 76 عاماً) يصلح بأن يكون كأبطال التراجيديا الأغريقية لم يهادن ابدأً وهو يحارب هذا المرض الشرس وقرر أن يهب قلبه درعاً وعقله سيفاً وطموحه علماً ووجدانه خيراً و حباً لمرضاه ليكون بحق فارس الأمل وقلب الخير.