"مسراشا فيتيني" يشيد بدعم مصر للبحث العلمي    رئيس الوزراء: مصر ليست فقط أرض التاريخ لكنها أرض المستقبل والعلم والابتكار    ترامب يعلن موعد إعلان مجلس السلام الخاص بغزة.. تفاصيل    تشديد الرقابة بالمنيا.. ضبط 697كجم من اللحوم والأسماك الفاسدة خلال حملات بيطرية    فاتن سليمان: إدراج الكشري في قائمة اليونسكو خطوة مبهجة تعزز الهوية الثقافية المصرية    عيار 21 يستهدف الصعود عند 5650 جنيها عقب خفض الفائدة    البورصة المصرية تستهل تعاملات الخميس بارتفاع جماعي    قرارات النيابة في واقعة اتهام فرد أمن بالتحرش بأطفال بمدرسة شهيرة بالتجمع    المجلس النرويجي للاجئين: 1.29 مليون شخص بغزة يواجهون الشتاء بلا مأوى ملائم    صحة غزة: موجات البرد القارس فتحت بابا جديدا للموت    احتفالات في سوريا بعد إلغاء "النواب" الأمريكي قانون قيصر ورفع العقوبات    هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية تجبر مطارات موسكو على تعليق عملياتها خلال الليل    فيفا يدرس نقل مباراة مصر وإيران فى كأس العالم 2026    أزمة محمد صلاح وليفربول قبل مواجهة برايتون.. تطورات جديدة    الهيئة الوطنية تعتمد نتيجة 19 دائرة ملغاة بانتخابات مجلس النواب    طلع على الشط لوحده.. التفاصيل الكاملة لاصطياد تمساح الزوامل بعد حصاره    ضبط أكثر من 109 آلاف مخالفة مرورية فى يوم واحد    اسعار الأسمنت اليوم الخميس 11ديسمبر 2025 فى المنيا    صدور رواية "الفنار" أحدث كتابات نعيم صبري    يوسف القعيد: نجيب محفوظ كان منظمًا بشكل صارم وصاحب رسالة وتفانٍ في إيصالها    الكشف على 237 حالة خلال قافلة طبية لجامعة بنها    قافلة طبية لجامعة بنها بمدرسة برقطا توقع الكشف على 237 حالة    مورينيو: تصريحات كونتي مجرد أعذار.. وهدية مكتوميناي بسبب ما فعلته مع في مانشستر يونايتد    الأهلي ينهي صفقة يزن النعيمات لتدعيم هجومه في يناير    تداول 81 ألف طن و830 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    «الوطنية للانتخابات» تعلن تخصيص الخط الساخن 19826 لتلقي الشكاوى    تايلاند تعلن عن أول قتلى مدنيين عقب تجدد الصراع الحدودي مع كمبوديا    نشرة مرور "الفجر ".. سيولة بميادين القاهرة والجيزة    إيقاف الرحلات الجوية فى مطارى بغداد والبصرة بسبب الأحوال الجوية    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة قنا    إعتماد تعديل المخطط التفصيلي ل 6 مدن بمحافظتي الشرقية والقليوبية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    تقييم مرموش أمام ريال مدريد من الصحف الإنجليزية    مادويكي: سعيد بالتسجيل مع أرسنال.. ويمكننا الفوز بالدوري وأبطال أوروبا    بتكلفة 68 مليون جنيه، رئيس جامعة القاهرة يفتتح مشروعات تطوير قصر العيني    أحمد بنداري يدعو المواطنين للمشاركة ويحدد رقمًا لتلقي شكاوى الانتخابات    مصدران: أمريكا تدرس فرض عقوبات متعلقة بالإرهاب على الأونروا    كأس العرب| طموحات فلسطين تصطدم برغبة السعودية في ربع النهائي    طرق الوقاية من الحوداث أثناء سقوط الأمطار    تحريات لكشف تفاصيل مصرع طفلة وإصابة والدتها وشقيقها بعد تناول بسكويت بأكتوبر    سعر الدولار الأمريكي اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    قرار جمهوري بتعيين القاضي مجدى خفاجي رئيسا لمحكمة استئناف قنا    حالة الطقس في السعودية اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    DC تطرح أول بوستر رسمي لفيلم Supergirl    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    سلوى عثمان: أخذت من والدتي التضحية ومن والدي فنيًا الالتزام    وزارة الصحة تطمئن المواطنين: لا وجود لفيروس «ماربورج» في مصر    التحقيق مع شخص يوزع بطاقات دعائية على الناخبين بالطالبية    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    التحضير لجزء ثانٍ من مسلسل «ورد وشوكولاتة»    سلمان خان وإدريس إلبا وريز أحمد فى حفل جولدن جلوب بمهرجان البحر الأحمر    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    القبض على شخص اقتحم مدرسة بالإسماعيلية واعتدى على معلم ب "مقص"    انتبهي إلى طعامك خلال الأشهر الأولى من الحمل.. إليك قائمة بالمحاذير    التعادل السلبي يحسم موقعة باريس سان جيرمان وأتلتيك بلباو    أستاذ علوم سياسية: المواطن استعاد ثقته في أن صوته سيصل لمن يختاره    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    حاسوب القرآن.. طالب بكلية الطب يذهل لجنة التحكيم في مسابقة بورسعيد الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد الأدبي وأشباح الأصولية
نشر في نقطة ضوء يوم 29 - 01 - 2019

في عالمنا العربي اعتدنا استيراد مناهج النقد الأدبي ونظريات الأدب الحديثة التي يساهم في بلورتها مفكرون من شتى بقاع الدنيا، بينما كان الغرب على اتساع المفهوم الحاضنة الجغرافية لهذه النظريات والمناهج. لا نتساءل هنا عن إسهام عربي في إنتاج نظريات نقدية، لكننا نتساءل عما يفعله الكثير من النقاد العرب في استقبالهم لهذه النظريات وكيف تنبعث من عباءات الكثير من النقاد العرب أشباح الأصولية التي تحاصر كل نظرية وترغمها قسرًا على أن تتشبع بالأصولية فكرًا وممارسة رغم أنها في جوهرها لم تكن كذلك على الإطلاق.
ليس عيبًا أن نستقبل نظرية ما ونسيء فهمهما أو نتعمد إساءة فهمها لكي نستزرع مفاهيم ومقولات هذه النظرية أو تلك في تربة نقدية عربية لها خصائصها ولها شروطها في استصلاح الفكر والذائقة الفنية! فمن طبائع الثقافات في حوارها مع بعضها البعض أن تقبل ما يناسبها وأن تراوغ أو تتمنع أو تكيّف ما لا يناسبها في لحظة تاريخية معينة.
أظن أن ما منع ولا زال يمنع الاستقبال الإيجابي لنظريات النقد هو أشباح الأصولية التي نطلقها حول كل نظرية لتخنقها وتلبسها ثوبًا أصوليًا يحول دون أي محاولة لللإبداع والتفاعل مع النظرية ومع الواقع في آن. وأول شبح من أشباح هذه الأصولية هو التأصيل ؛ بمعنى أن الكثيرين لا يجيدون فهم مقولة إلا بتأصيلها أو تجذيرها في تراثنا العربي، فوجدنا عبد القاهر الجرجاني وغيره عند كثير من الباحثين أصلاً لليفي شيتروش البنيوي وهابرماس ما بعد الحداثي، وفانسيت ليتش ونقده الثقافي وغيرهم.
وفي المقابل، كان هناك من يتعامل مع أصحاب هذه النظريات باعتبارهم آلهة أنتجوا نصوصًا مقدسة لديهم وجعلوا من أنفسهم كهنة حارسين لدقة الإحالة إلى النصوص النقدية شبه المقدسة ومانحين لصك المشروعية لكل من يدخل في حرم هذه النظرية أو تلك. وهنا نجد ليفي شتراوس ورولات بارت وبول دي مان وجاك دريدا وجوليا كريستفيا ولوسيان جولدمان وغيرهم كثيرين قد وقعوا تحت وصاية كهنة يصونون مقولاتهم ويتحدثون بأسمائهم بلسان عربي مبين.
بطبيعة الحال، لم يطلب أي ناقد "غربي" من أي من نقادنا العرب أن يكون حارسًا لنصوصه سواء نقلت للغة العربية أو لم تنقل، كما لم ينتج ناقد "غربي" نظرية محصنة ضد إساءة الفهم المتعمدة أو غير المتعمدة. لكن الأوصياء عادة لا ينتظرون من يطلب منهم خدماتهم، وإنما يتبرعون بها ليس دفاعًا عمن يدافعون عنهم فحسب، وإنما دفاعًا عن دورهم الذي اختاروه لأنفسهم في المشهد النقدي العربي والعالمي.
إن إخلاص الأوصياء للنظريات التي يحرسونها أكثر من إخلاص أصحاب النظريات لنظرياتهم، وهنا تتحول النظريات بين يدى الأوصياء إلى كائنات ميتة لا تحيا ولا يُسمح لآخرين ببث الحياة فيها. ولهذا حين تكون النصوص الإبداعية كائنات حية لا يمكن تقييدها بكائنات ميتة /نظريات نقدية إلا في أذهان الأوصياء كهنة النظريات.
إن تضخم دور الأوصياء على النظريات في أي مشهد نقدي يجعل من الوصاية على الفكر النقدي أفقًا يصعب على الأجيال التالية تجاوزه دون مغامرات. ويبدو أن الوصاية على النظريات النقدية لم تكن سوى انعكاس لسياق الحداثة الذي كان فيه ماركس وفرويد ونيشه أعمدة قامت عليها الحداثة الغربية، ويصعب في هذا السياق الحداثي ألا يتبع الناقد العربي الأصل الحداثي ويقيم الأصنام وهو ينقل البنيوية لشتراوس ورولان بارت أو يقيم الأصنام لجورج لوكاش وميخائيل باخيتن ولوسيان جولدمان وبيير زيما.. إلخ.
نظريات النقد ابنة الحداثة لم تكن تسمح لنقادنا العرب سوى بدور الأوصياء التابعين، فامتلاك لغة النبع النقدي الحداثي يجعل من المترجم حارسًا للبئر ومن ثم يقدم نفسه أو يقدمه الآخرون باعتباره المفسّر للنص/الأصل ، ويصبح تفسيره ليس مجرد تفسير ضمن تفسيرات أخرى ممكنة وإنما ثمة حرص على تفسير وحيد صحيح للأصل النقدي الحداثي.
أما في السياق ما بعد الحداثي، لم يعد ثمة آلهة منظرون ولا نصوص شبه مقدسة في المشهد النقدي العالمي، لأن فكرة الأصل لم تعد لها جدارتها، كما لم يعد العقل ونظامه ولا العلم وحداثته بأفضل حال من الميتافيزيقا وأيديولوجياتها. إنه سياق السيولة النقدية بامتياز. لكن الأصولية وأشباحها في عالمنا العربي تأبى إلا أن تجعل منه ومن المقولات النظرية النقدية المصاحبة له كيانًا متماسكًا منسجمًا قابلاً للتقديس ومن ثم بحاجة لدور الكهنة الأوصياء.
إن الأصولية القابعة في رءوسنا لا تسمح لنا سوى ببناء يقين، وإقصاء كل مختلف، وتوثين منظّر واحد نطوف حوله، ونتنتافس كي نحوز مكانة الكاهن المُفسّر المتحدث باسمه. بينما سياق ما بعد الحداثة ونظرياته النقدية تدعونا لإلقاء كل يقين جانبًا، وقبول كل مختلف، وإسقاط الأوثان أو على الأقل الحفاظ عليها متجاورة تنفي بعضها بعضًا. فهل يمكن أن تحدث النقلة من دور الكهانة والوصاية إلى دور التأويل واستزراع مقولات وتكييفها في التربة النقدية العربية كى تحيا لا كى تموت وتميت الإبداع معها؟! أم أن الأصولية القابعة في الرءوس ستحيل منتجات ما بعد الحداثة في مجال النقد الأدبي إلى أشباح للأصولية؟
إن الترجمة ودقتها أمر مهم في التفاعل بين الثقافات لكن لا يقل أهمية عنها استعداد كل ثقافة للتفاعل بإيجابية ومن موقع الندية، لا من موقع التابع الذي يرتضي لنفسه دور الكاهن الوصي على أصل لم يسهم في إنتاجه ويمنع غيره من الاقتراب منه إلا بالشكل الذي يوصي به. ومن سوء الحظ أن الشكل الذي يُوصى به عادة لا يفضي سوى لتحنيط النظريات وسلبها القدرة على الحياة في بيئة أخرى غير البيئة التي نشأت فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.