لم يزل نص «بيت الدمية» الذي كتبه هنريك إبسن عام 1879 يصلح بعد كل هذه السنوات من حيث القضية التي يناقشها حتى تستوحى منه العروض المسرحية الحديثة موضوعها. وإن كانت «نورا» الشخصية الدرامية الشهيرة، التي أصبحت من أيقونات الدراما المسرحية، تمثل محاولة ونجاح المرأة في نيل حريتها، ومواجهة أعراف المجتمع وقيود تقاليده، فإن هذه الشخصية في مجتمعاتنا لن تصبح في ذمة التاريخ لوقت طويل. عن هذا النص، وضمن عروض المهرجان القومي الحادي عشر للمسرح المصري، جاء عرض «العُش» لفرقة مسرح الألسن، الذي أقيم على مسرح الهناجر في دار الأوبرا المصرية، من إخراج إبراهيم أحمد. الإعداد الدرامي اقتصر العرض على ثلاث شخصيات.. نورا، هيلمر، ورانك، محاولاً تكثيف حياة الشخصية الرئيسة نورا، والتمهيد لموقفها الأخير عند اكتشافها أنها مجرد لعبة/دمية منذ طفولتها في بيت والدها، حتى أن صديق هذا الأب، الذي يماثله، بل أكثر من حيث التأثير في شخصيتها، يريدها هو الآخر على هواه، فعاطفته نحوها تتجاوز مشاعر الأبوّة بكثير. هذا العجوز الذي على وشك الموت، يقابله زوج يؤكد كل لحظة على كيفية امتلاكها والسيطرة عليها وحياتها. جاء العرض الذي قاربت مدته الساعة، ليختزل الكثير من التفاصيل، وليجعل القضية والحالة لا تتعلق بمجتمع معيّن، بل كمحاولة لتجاوز الأجواء الغربية، التي كُتِبَت في ظلها المسرحية. من ناحية أخرى بدت الشخصيتان أكثر هشاشة وضعفاً مما تظنه دمية البيت، هذا ما اكتشفته في النهاية، وأنهما لولا وجودها لانتهى كل منهما، أحدهما بالموت الفعلي (رانك)، والآخر بالموت مهجوراً (هيلمر). فقوة المرأة التي اكتشفتها هي أنها سبب وجود كل من الشخصيتين، وبفرارها وتقرير مصيرها وحدها يكمن القضاء التام على أوهام كل منهما. العرض المسرحي جاء العرض المسرحي مختلفاً مكاناً دون الزمن بالنسبة للنص الأصلي، كوخ بعيد عن عالم المدينة، تأصيلاً لحال العزلة والضياع التي تحياها صاحبة الحكاية، كما أن مهنة الزوج تبدو متواضعة بعض الشيء. الأمر يبدو أكثر تجريداً من تفاصيل في الأحداث وظروف معيشية صعبة، تحاول من خلالها نورا أن تجعل حياتها تستمر، وقد اختارت هجر بيت الأب في سبيل حب كانت تظنه سيعيش طويلاً. وعن أداء الممثلين، ورغم الاجتهاد في تجسيد الشخصيات، إلا أن حالة من الجمود وشيئا من الافتعال خاصة حالات تحوّل الزوج المتتالية شابت الكثير من هذا الأداء. سمة أخرى طالت هذا العرض ومفرداته، وهي البناء الحواري الذي تتميز به نصوص إبسن، مما يستلزم مخيلة خصبة لإعداد عرض مسرحي عنها وتوظيف مفرداته، من موسيقى وإضاءة على سبيل المثال، وقد جاء كل منهما في غاية التواضع، بدون أن يضيفا شيئاً جديداً، الأمر أشبه بموسيقى المسلسلات إلى حدٍ كبير، ورغم محاولة جعل القضية عصرية وصالحة للمناقشة خاصة في عالمنا المصري والعربي المبجل إلا أن الأداء من حركة الممثل وتلوين الصوت، جاء في غاية التقليدية، بدون أن ينجح في الفرار من تقاليد مسرحية تجاوزها الزمن.