يروي الفيلم حكاية سفينة غرقت بركابها فيقودهم الموج إلى جزيرة بعيدة منعزلة عن العالم فيحاولون العيش من جديد عبر ظروف وإمكانات جديدة. وبعد أيام كلها عراك وخصومات يفكر الجميع في صنع مركب للخروج من الجزيرة. عنوان الفيلم : التفاحة والجمجمة كلمتان تحيلان إلى أمرين متناقضين، التفاحة باعتبارها تشير إلى الجمال واللذة والتغذية والحياة والجمجمة باعتبارها مؤشرا على الموت بسبب معين. ويظهر في الفيلم أن السبب ليس طبيعيا وإنما تم غدرا أو قتلا، وتبرر ذلك أحداث الفيلم التي امتد عبرها الصراع من البداية حتى النهاية. فالتفاحة تمثل اللذة والشهوة الدافعة والجاذبة لتحقيقها بأي وسيلة، والجمجمة مصير محاولة هذا التحقيق لها تحقيقا أنانيا يقصي الغير. غير أن الجمجمة قد تحيل إلى استخدام العقل بدل الاتكاء على حل الأمور اعتمادا على الأهواء والرغبات حسب. يبدأ الفيلم بمنلوغ داخلي كالتالي:»أشك في أن هذه القصة سوف تصل إلى أي إنسان لأني أولا أكتبها على الزهور البيضاء لدفتر الشيكات توطئة لأن أضعها في جرة لكي أرمي بها في البحر لتحملها الأمواج إلى حيث يشاء القدر… وقع الانفجار الرهيب، زلزل أركان السفينة التي كنا عليها، وفي لحظات كان جميع الركاب يقفزون إلى الماء وقبل أن تميل السفينة على جنبها متجهة إلى الأعماق السحيقة قفزت واضعا يدي اليسرى على أنفي ومغمضا عيني أخذت أتحسس لحظة ارتطام قدمي بالماء، وهنا تذكرت فجأة أني لا أعرف السباحة. ارتطم جسمي بالماء وأخذت أثب وأرقص وأنا أتخبط يمينا ويسارا باحثا عن شيء يطفو حتى أمسكت بشيء ناعم جدا أنعمُ من شيء لمسته في حياتي، وأخذ يصرخ فِيَ: امسك الخشب تريد أن تغرقني، وما هي إلا لحظات ابتعد فيها اللوح عن جسم السفينة الغارق وتمكنت من أن أسترد أنفاسي لأرى وجه الممثلة الجميلة عزيزه فهمي) الشهيرة بزازا التي لا أكاد أقسم أني أعرفها». خطاب يجعلك تتوقع أمورا كثيرة أظهرها الموت الحتمي، لكن الفيلم سيمدد الأحداث لتشكيل واقع آخر سيظهر بعد الغرق ومحاولات النجاة منه. شخصيات مفعمة بالصراع الفيلم قليل الشخصيات كثير الصراعات يتحكم فيها تناقض وتقاطع المصالح، يلخص سبب الكثير من المشاكل التي يتخبط فيها الناس ويقتل بعضهم بعضا. الشخصيات خمس، وكل شخصية تمثل طبقة من طبقات المجتمع بطابعها ومستواها وأحلامها. فأحمد يمثل المثقف (المهندس) الذي يعمل وفق استراتيجيات تعتمد على العقل والحب والتفاهم، ويظهر ذلك في تصرفه وتقربه إلى زازا المرأة الوحيدة بين الرجال في الفيلم. لكنه يستعمل دهاءه أحيانا من أجل الوصول إلى مصالحه الشخصية، إذ اعتمد سياسة «فرِّق تسُد» حين أوهم «كرشة» بكونه محبوبا لدى زازا وأنها رأت فيه أمورا فريدة حببته إليها. أما «زازا» فتمثل المرأة بإغراءاتها ونفوذها الإنثوي المستميل للذكور فيحتالون ويتصارعون من أجل الحصول على التلذذ بها، وهي في العمق تمثل كل المصالح الشخصية التي من أجلها تحتدم الصراعات وتنشأ الحروب. أما الحاج فيمثل الرجل الثري الذي يحاول أن يقضي حاجاته ورغباته بالمال، فهو يتحدث بالشيكات والمبالغ فقط، ورغم كونه الممثل للشيخ المحافظ، ويظهر ذلك في الدفاع عن «زازا» وإبعادها عن الآخرين لكنه في الأخير يتزوج بها وتتمكن من إفراغ مسدسه من رصاصته تمهيدا لتصفيته من قبل أحمد ولكن هذا الأخير لم يفعل. هناك كرشة الذي يمثل الخادم العبد المدافع عن سيده في الحق والباطل، فهو مسخر من قبله متخذا إياه وسيلة لقضاء مآربه، وقد انقلب عليه في الأخير محاولا نيل وطره من «زازا» مدعيا أنه إنسان مثل غيره له قلب وعواطف. أما «توتو» الشاب الأسمر فيمثل الإنسان الوديع المبدع المحتك بالطبيعة المحب لها. ويبدو، رغم صمته الكثير عبر أحداث الفيلم، ميالا إلى «زازا»، ويتبين ذلك من خلال الدفاع المستميت عنها . شخصيات باختلاف أهدافها ونواياها وتربيتها أعطت للفيلم نكهة درامية وهي تتصارع في اتجاهات متعددة. الترميز إلى الاقتتال يلخص الفيلم سبب هذه الاقتتالات والتشنجات السائدة في المجتمعات البشرية فلو فكر الكل في المصلحة العامة والأزمة العامة التي يشتركون في حبائلها واتفقوا على معالجتها لساد التعاون والتحابب بينهم بعيدا عن الصراعات التي لن تكون نهايتها سوى القتل والإبادة. وقد تمثل ذلك بمؤشرات منها : اكتشاف عظام وجمجمة في الجزيرة من قِبل أحمد و»زازا» وحوارهما عنها لكن المسكوت عنه هو أن الذين كانوا في هذه الجزيرة من المحتمل أنهم تصارعوا وتقاتلوا من أجل مصالح معينة، كان من الممكن التعاون من أجل تحقيقها بدل الأحقاد والأنانية التي تكون نتائجها ضياع البعض أو الكل، وهذا ما سينتهي إليه الفيلم. المرأة الوحيدة وسط أربعة رجال، وكأنها تمثل المصلحة المتصارع عليها، فالكل يريد نيلها وحده، وقد تساءل «كرشة» حول ما إذا كان من الممكن أن تتزوج المرأة بأربعة رجال مادام الرجل يحل له التعدد. التنافر المتنامي والمتعدد المتجدد بين الشخصيات والقوة لمالك السلاح، وقد أسفر ذلك عن عراكات دامية جرح إثرها كل من «توتو» و»الحاج» و»كرشة». نهاية الفيلم: في نهاية الفيلم مات «كرشة» الخادم المطيع لسيده «الحاج طلبه» والطامع فيما طمع فيه الجميع، وموته يحيل على تهميش وإبعاد المستضعفين البسطاء الخادمين لأسيادهم بدل مجازاتهم على ما يقدمونه من خدمات أولها الدفاع عنهم وافتداؤهم بأرواحهم، وهو العمل الذي قام به «كرشة» في معظم أحداث الفيلم. وإتمام الجميع للمركب للسفر عبره من جديد يحيل على مطلب جليل يتمثل في أهمية الوحدة من أجل تحقيق المصلحة العامة بدل الصراع المفضي إلى كوارث لا ينجو منها أحد. وجاء حمْلُ «زازا» من أحمد إشارة إلى أن الامتداد النسلي يجب أن يكون للحب والعلم، لأن أحمد مهندس السفينة الغارقة، ويظهر في الفيلم أكثر رزانة وتعقلا مقارنة بغيره، وجل منولوغاته تحمل تساؤلات حول الوضع المتأزم. تعليق عام الفيلم ممتع من حيث لقطاته المتنوعة المتكاملة تكاملا مقنعا، ومن شخصياته المتمكنة من أدوارها وهو من حيث قلة هذه الشخصيات ومحدودية المكان (كوخ على شاطئ) يجعلك وأنت تتفرج عليه وكأنك تتفرج على مسرحية، فتتحكم في مجريات الأحداث بسهولة ويسر وهنا سر متعته في اعتقادي. ولعل أهم أسس الجودة والتشويق في الفيلم اتكاؤه على الصراع والتناقض المتفرع عن المرأة باستحضار القوة والسعي نحو امتلاك السلطة، وكل يعبر عن رغبته مدافعا عن أهليته لامتلاكها. أما المحتوى الدرامي للفيلم فهو مضمون مختصر ملخص من حيث فكرته المحورية لقضايا الصراع السائدة في كل المجتمعات، وبذلك أفلح في وضع اليد على المخرج الصائب من هذا الصراع متمثلا في توحيد النظرة إزاء المصلحة العامة كي يستفيد الجميع متكاملين متعاونين. بطاقة الفيلم من إخراج محمد صلاح أبو سيف (محمد أبوسيف) 1986، ومن تمثيل إبراهيم نصر الله في دور «كرشة»، حسن يوسف في دور «أحمد»، وإيمان في دور «زازا»، وأنور إسماعيل في دور «طلبة حسنين «، وعبد الله سعد في دور «توتو». تأليف محمد عفيفي، سيناريو وحوار كل من محمد يوسف ومحمد صلاح أبوسيف. " كاتب من المغرب ".