المفردة في اللوحة التشكيلية: تشكل المفردة في اللوحة التشكيلية عنصرا حيويا يتكامل مع باقي العناصر ليشكل الملمح العام لموضوعها. وتأتي المفردة رئيسية أو ثانوية كما الشأن في النصوص السردية والأحداث الفيلمية والمسرحية. فقد يكون الحصان المفردة الرئيسية في اللوحة وما يحيط به مكمل لمظهرها الجمالي، وقد تكون المرأة العنصر الرئيسي في اللوحة وما يؤثث محيط اللوحة مكمل ومتجانس من أجل تعميق التعبير، وإتمامه سواء تعلق الأمر بأفراحها أو أتراحها. وقد تكون المفردة عنصرا تزيينيا حين تُتخذ عنصرا لزخرفة الجدران والأبواب، وبعض الأعمال الفنية المختلفة في مقدمتها الحروفية العربية. وقد تتجاوز التزيين والزخرفة أحيانا لتصير رمزا لأبعاد تعبيرية وروحية مختلفة. الشجرة في عالم التشكيل ونعتبر الشجرة والنبتة من أكثر المفردات المستخدمة في اللوحات التشكيلية تعبيرا وزخرفة، ويأتي ذلك تبعا لكيفية التعاطي مع أشكالها وألوانها ووضعياتها ومرجعياتها الرمزية. فالزخرفة الإسلامية فن له صلة وثيقة بالشجر والنبات بها زخرفت المصاحف وغيرها من كتب الفقه والشريعة، علاوة على زخرفة القبب والأبواب وجدران المساجد، وواجهات بعض المؤسسات الدينية والتربوية وغيرها، بل إن الحروفية العربية الحديثة تتخذ الحروف تمَوُّجاتٍ وأشكالا تحيل على الشجر بأشكاله وقاماته الجميلة. ولأن الشجرة لها أهميتها في حياة الإنسان، فقد ظلت مرافقة له في عيشه وإبداعه وحتى في بعض طقوسه، ولها وظائف معمارية وهندسية وانتفاعية بشكل عام، وانطلاقا من أشكالها المتنوعة، وتغيراتها وفق الفصول واختلاف أنواعها وثمارها وأوراقها وجذوعها وأغصانها وبراعمها ونُوَارِها… فإنها عنصر مناسب للرمز، باعتبار هذا الأخير أو الشيء الكامن في طيات شيء آخر لعلاقة اعتبارية بينه وبين المرموز إليه. ولقد نالت الشجرة حظها في الفنون التشكيلية، من حيث اطراد تواجدها في أعمال الفنانين القدماء والمحدثين، فهي العنصر الفارض لنفسه على المبدع، وهي المصاحبة لفضاءات الشخصيات والمعمار وغير ذلك، فالقصبات المرسومة في أعمال التشكيليين الأمازيغيين تجدها متلازمة مع فضاءات مؤثثة بالأشجار، واللوحات المجسدة للبورتريهات والمواضيع الرومانسية لا تخلو من الأشجار، واللوحات المفعمة بالحزن والأسى لا تخلو من أشجار تجسد ذلك بعمق.. ولوحات الخيل والطير يؤَطر فضاءاتها الشجر. الشجرة رمز للعطاء في لوحات ورمز للشقاء في أخرى، الشجرة رمز للقوة في لوحات، ورمز للحنان والمودة في أخرى، ورمز للحزن والأسى في لوحات ورمز للعنفوان والشيخوخة في أخرى. بهاته الإمكانيات اللامحدودة من الرمزيات فرضت الشجرة نفسها على الفنانين التشكيليين قديما وحديثا، فلا تكاد تجد فنانا لم تحمل أعماله أو بعضها على الأقل ملامح تؤثث فضاءها الشجرة. لقد عبر الفلسطينيون على سبيل المثال عن محنتهم بعنصر الشجرة، فنجدها في أعمالهم تحتل حيزا كبيرا إلى جانب المرأة، فهي تارة رمز السلام، وتارة أخرى رمز البقاء والتحدي… وستظل الشجرة عالقة بذاكرة المبدع في شتى المجالات لأنها مرآة للروح ومنفذا للوقوف على تمثلات الإنسان للحياة في حالات السرور وحالات الشجون. فالشجرة في التشكيل مفردة تَسِمُ المنظور العامّ للوحة بطابع شاعري يضفي على عناصرها سمة تترجمها وضعيتها وألوانها وأوراقها وجذعها وأغصانها، ما يحيل على ما يثير المشاهد متأملا متعاطفا ما توجهه إليه العناصر التشكيلية المركبة وفي مقدمتها الشجرة. فهي إلى جانب كونها عنصرا تجميليا، تعتبر عنصرا قابلا لتحميله شحناتٍ رمزيّة لما تتجه إليه غاية المبدع في عمله الإبداعي، ولعل إمكانيات استعماله المتعددة لها جعلتها تفرض نفسها على كل المدارس والاتجاهات التشكيلية قديما وحديثا.