ناقشت ورشة الزيتون الأدبية مجموعة لناعبدالرحمن القصصية “صندوق كرتوني يشبه الحياة”، بحضور كل من الكاتب والناقد شعبان يوسف، والناقد محمد إبراهيم طه، والناقد أسامة ريان، والكاتبة عزة كامل. قدمت للأمسية الكاتبة سامية أبوزيد، حيث ذكرت في البداية تعريفا عن الكاتبة وعن رحلتها مع الكتابة الروائية والنقدية، موضحة أنها كاتبة متميزة سواء في رواياتها السابقة أو حين كتبت قصصا قصيرة، فضلا عن تميزها على المستوى النقدي، قائلة “القصص ممتعة جدا، وكتابات لنا عبدالرحمن بشكل عام مهمة، ولا بد من قراءتها بتعمق لاستكشاف خباياها سواء كتبت إبداعا أو نقدا”. عزلة الكائن المعاصر تحدثت الكاتبة عزة كامل قائلة “يبدو من القراءة الأولى لمجموعة ‘صندوق كرتوني يشبه الحياة‘ أنه لا يوجد تصاعد درامي، وربما كان هذا سر الانجذاب نحو هذه القصص، حيث هناك ولع بكسر التوقعات، تريد الكاتبة أن تكسر الصورة النمطية التي ينشغل بها الذهن، فالعالم الذي تقدمه عبدالرحمن سواء بالنسبة إلى الرجال أو النساء فيه ألم ومرارة وغضب، ورغم هذا فيه أمل بعيد لدى الأبطال. كما أنها ساردة متأنية لها فلسفتها الخاصة، هي مثلا تحب العتمة وتكره الضوء الذي تنزعج من حضوره الطاغي، أيضا تترك للموقف استدعاء ما يلزمه من رؤى لإعادة طرحه بشكل أكثر عمقا ووضوحا، كما نجد مثلا في قصة ‘الضوء‘، فقد لعبت على التناقض الواضح بين فكرة الضوء والعتمة، أيضا قصة ‘مدينة الألعاب‘، والغموض الذي يكتنف الأبطال”. وتابعت كامل “نهايات القصص التي كتبتها لنا عبدالرحمن متفردة، وشخصيات القصص مختلفة ومستقلة ولها حضورها الخاص، ونجد هذه السمة في معظم القصص التي شكلت فيها الوحدة والعزلة مكانة رئيسية في الحالة التي يعيشها الأبطال، وكأن الكاتبة تحكي عن الاغتراب الذي يعيشه الفرد المعاصر في وجوده معزولا في جزر منفصلة، كما رأينا هذا في معظم القصص وتحديدا القصة الأخيرة ‘محطة نيويورك، بئر استوكهولم‘”. وقدم الناقد محمد إبراهيم طه رؤيته النقدية للمجموعة التي تتضمن ثلاث عشرة قصة، معتبرا أن القصص كلها يجمعها خيط واحد هو الألم الداخلي، وعزلة الكائن المعاصر ككل وانشغاله بعالم الباطن أكثر من الخارج، وهذا يتجلى أكثر في تعمد الكاتبة تجهيل المكان، فهي تحدد الأماكن في ثلاث قصص فقط. في حين أن باقي القصص لا تذكر أماكنها بالضبط، وكأنها تريد أن تجعل من أبطالها من الممكن وجودهم في أي مكان، فالمعاناة التي يتحدثون عنها هي “العزلة” وغياب الآخر، وافتقاد البهجة لسبب ما، وهذه الحالات الإنسانية المشتركة بين البشر تسمح بأن تكون القصص متجاوزة لفكرة البلدان أو المدن، أو الانتماء لمكان محدد. وأضاف طه “في قصة ‘خمسة وجوه لعالم حياة‘ نجد بطلة تحتفل بعيد ميلادها الخمسين، لكنها داخليا تعاني من وحدة مأساوية وترغب في العزلة أكثر مما ترغب في لقاء أصدقائها والإدعاء أنها على ما يرام”. ومما جاء في مداخلة الشاعر والناقد شعبان يوسف أن “صندوق كرتوني يشبه الحياة” مجموعة قصصية ممتعة، رغم مأساوية الكائنات المطروحة فيها، ربما لأنها كائنات تشبه عصرنا المشوه والمعتوه، والذي يباغتنا كل يوم بمآس وحكايات سوريالية، تلك الحكايات التي نجد نظائرها وأشبهها في تلك القصص الجديرة بالقراءة، والتي تمنحنا تلك المتعة السحرية الخالصة. وتابع “تستخدم الكاتبة تقنيات متعددة، ونلاحظ أنها لا تنفلت من ذكر عناصر ثقافية، تلك العناصر المأخوذة عن السينما أو الأدب أو الكتب، ونقرأ أشعارا لبدر شاكر السياب من قصيدته ‘أنشودة المطر‘، ونقرأ استشهادا بمحمود درويش، ونجد استنادا إلى رواية ‘عالم بلا خرائط‘ لعبدالرحمن منيف، القصص تنطوي على تلك الإشارات الثقافية، دون أن نشعر بأنها مقحمة أو مدسوسة”. لا شيء ثابتا القاص والناقد أسامة ريان رأى أن القصص كما لو أنها مكتوبة بيد سيناريست، تحديدا في القصة الأولى التي حملت عنوان المجموعة، والتي تحتل فيها المشهدية حيزا هاما، اختارت الكاتبة أن تتحدث عن أبطال تجاوز بعضهم الخمسين، وكأنها بذلك تتحدث عن أشخاص يحملون خبراتهم الخاصة، ليقدموها إلى العالم، مؤكدة من خلال وجهة نظرهم قضية فلسفية تشغل الإنسان باستمرار وهي “ثبوت التغير”، حيث لا شيء ثابتا في الوجود إلا التغيير. هذا نراه واضحا، كما يقول ريان، في معظم القصص التي يعاني أبطالها من عدم اليقين، ومن إدراكهم أن اللا ثبات قادم لا محالة، لذا يقر أن السرد في قصص لنا عبدالرحمن يميل لمحاكاة الزمن بأسلوب غير مباشر من دون التطرق إليه بشكل واضح، لكن كل المؤشرات تصب في إطار التساؤلات عن الزمن والجسد أيضا، في كل حالاته في شيخوخته كما في قصة “مكعبات السكر”، أو في سعيه للترفيه كما في قصة ”آنهيمالا”، أو في اغترابه وقلقه كما في قصة ”البحر يتجه شمالا”. وأضاف الناقد “إن كانت الكاتبة تلعب على فكرة ‘الأشياء السحرية‘ التي تنطلق من الصندوق الكرتوني، هذا التشبيه الذي نجده في القصة الأولى، إلا أن هذه الأشياء السحرية نجدها في كل قصص المجموعة حيث الغرابة والمفاجآت لا تتوقفان عند القصة الأولى، بل يمكن اعتبارهما سمتين تنطبق على سائر القصص”. في ختام الأمسية تحدثت الكاتبة لنا عبدالرحمن عن علاقتها بفن القصة القصيرة قائلة “إن هذه المجموعة كتبت عبر عدة سنوات، خلال الاستراحة من كتابة الرواية، وأوضحت أنها تعتبر فن القصة من الفنون السردية الصعبة، لأنها تحتاج إلى تكثيف، وذكاء في اختيار البداية والنهاية واللغة الرشيقة”.