"التعليم": شرائح زيادة مصروفات المدارس الخاصة تتم سنويا قبل العام الدراسي    عيار 21 يسجل الآن رقما جديدا.. سعر الذهب اليوم الإثنين 3 يونيو بالصاغة بعد الانخفاض    السجيني: نزول الأسعار تراوح من 15 ل 20 % في الأسواق    يرتفع في 8 بنوك.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 3 يونيو 2024    التموين تكشف مصير نقاط «استبدال الخبز» بعد تغيير الأسعار (فيديو)    الذكاء الاصطناعي يحدث ثورة في الكشف المبكر عن قصور القلب    وزير الاتصالات يبحث مع وزير الاقتصاد المجرى فتح آفاق جديدة للتعاون    مسؤولون إسرائيليون: إذا جاء رد حماس إيجابيا فسيجد نتنياهو طريقة للتهرب والمماطلة    عماد أديب: نتنياهو يعيش حياة مذلة مع زوجته    كريم خان يتسبب في "خيبة أمل جديدة" بين نتنياهو وبايدن    غالانت يقترح "إنشاء حكومة بديلة لحماس" في غزة    جيش الاحتلال يعلن انتهاء تدريب عسكري لرفع الجاهزية على الجبهة الشمالية    المأزوم.. عماد الدين أديب: اقتراحات بايدن لإنهاء الحرب حلحلة في صورة هدنة    الغندور: حسام حسن سينتقد محمد صلاح.. وأمامنا لقاء لا يقبل القسمة على اثنين    خسارة للبايرن ومكسب للريال.. أسطورة البافاري يعلق على انتقال كروس للملكي    من هو أفضل مدرب تولى قيادة النادي الأهلي؟.. أفشة يجيب    أفشة: أنا أفضل لاعب في مصر.. واتظلمت في نهائي كأس مصر لهذا السبب    ارتفاع ضحايا حادث طريق قفط - القصير بقنا إلى 5 جثث و11 مصابا    توقعات باستمرار الموجة شديدة الحرارة والعظمى بالقاهرة تصل ل 37    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم دراجتين ناريتين بالوادي الجديد    رابط نتيجة الصف الثالث الاعدادي برقم الجلوس 2024 (القاهرة والجيزة)    وصول أول فوج من حجاج السودان    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    دعاء في جوف الليل: اللهم افتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا    دراسة صادمة: الاضطرابات العقلية قد تنتقل بالعدوى بين المراهقين    البلتاجي ينتقد واقعة حكمين مباراة الحرس وسبورتنج: موقف مؤسف ويثير الريبة    "غائب منذ 17 عاماً".. جماهير الوصل تحتفل بطريقة مميزة بعد حصد لقب الدوري الإماراتي (فيديو)    هل سيتم زيادة مصروفات المدارس الخاصة.. التعليم توضح    كوريا الشمالية توقف بالونات «القمامة» والجارة الجنوبية تتوعد برد قوي    عماد الدين حسين: مصر ترجمت موقفها بالتصدي لإسرائيل في المحافل الدولية    رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطني يعلق على تطوير «الثانوية العامة»    النيابة الإدارية تكرم القضاة المحاضرين بدورات مركز الدراسات القضائية بالهيئة    فتاة تنهي حياتها في ظروف غامضة بالمنيا    «فرصة لا تعوض».. تنسيق مدرسة الذهب والمجوهرات بعد الاعدادية (مكافأة مالية أثناء الدراسة)    طعنًا بسكين.. مقتل شخص في بولاق الدكرور    محمد أحمد ماهر: لن أقبل بصفع والدى فى أى مشهد تمثيلى    محمد الباز ل«بين السطور»: «القاهرة الإخبارية» جعلتنا نعرف وزن مصر الإقليمي    إصابة أمير المصري أثناء تصوير فيلم «Giant» العالمي (تفاصيل)    الفنان أحمد ماهر ينهار من البكاء بسبب نجله محمد (فيديو)    عماد الدين حسين: مصر ترجمت موقفها بالتصدي لإسرائيل في المحافل الدولية    أسامة القوصي ل"الشاهد": مصر الوحيدة نجت من مخطط "الربيع العبري"    ختام مهرجان روتردام.. أحمد حلمي يهدي تكريمه للفيلم الفلسطيني "اللد".. التونسي "المابين" يفوز بجائزة أفضل فيلم.. "من عبدول إلى ليلى" أفضل وثائقي و"الترويضة" أفضل فيلم قصير.. وتكريم ل هشام ماجد    مدير مكتب سمير صبري يكشف مفاجأة عن إعلام الوراثة وقصة نجله وبيع مقتنياته (فيديو)    وزير الصحة: الدستور يلزم الدولة بالتحكم في معدلات الإنجاب    رئيس جهاز حماية المستهلك: انخفاض أسعار السلع بنسبة 20% في الأسواق المحلية    أبو قير للأسمدة: الفوز على الاتحاد السكندري ليس مفاجأة.. وهدفنا التأهل للممتاز    حالة عصبية نادرة.. سيدة تتذكر تفاصيل حياتها حتى وهي جنين في بطن أمها    خبر في الجول - مفاوضات متقدمة بين الأهلي والدحيل لضم يوسف أيمن    استمتع بنكهة تذوب على لسانك.. كيفية صنع بسكويت بسكريم التركي الشهي    وزير العمل يشارك في اجتماع المجموعة العربية استعدادا لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    «مغشوش».. هيئة الدواء تسحب مضاد حيوي شهير من الصيداليات    التنظيم والإدارة: إتاحة الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    قبل ذبح الأضحية.. أهم 6 أحكام يجب أن تعرفها يوضحها الأزهر للفتوى (صور)    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية الفرجاني في مركز بني مزار غدا    ما جزاء من يقابل الإحسان بالإساءة؟.. أمين الفتوى يوضح    اللجنة العامة ل«النواب» توافق على موزانة المجلس للسنة المالية 2024 /2025    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    أمناء الحوار الوطني يعلنون دعمهم ومساندتهم الموقف المصري بشأن القضية الفلسطينية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«تانغو الخراب» للهنغاري لاسلو كراسناهور كاي: في انتظار المخلّص
نشر في نقطة ضوء يوم 17 - 06 - 2017

على مدار الصفحات الثلاثمئة لا يخلو مشهد واحد، أو فكرة واحدة، من نزول المطر الذي يصل بلَلُه إلى ما تحت الثياب السميكة، ولا من طين الطريق الذي تغوص فيه الأرجل. لذلك يبقى الناس، بشر تلك المزرعة، مقعين وراء نوافذهم منتظرين أي ظهور قد يلتقطونه من وراء نوافذ البيوت القريبة المتقابلة. وهم لذلك يعرفون عن بعضهم بعضا ما هو أكثر بكثير مما تتيحه لقاءاتهم، سواء التقوا اثنين اثنين، أو التقوا ثلاثة معا تجمع بينهم الريبة والخيانة، أو اجتمعوا كلهم، هناك في تلك الخمارة التي يديرها أحدهم.
المطر المستمر يحول دون خروجهم إذن. كل يقبع في بيته المتداعي، المتهالك من سقفه إلى جدرانه إلى أرضيته. الاختان فقط، تترددان إلى الخارج، مستظلتين ببناء الطاحون، المتداعي هو أيضا، منتظرتين أن يأتي زبون لإحداهما أو لهما معا. لكن من هو هذا، قد يسأل قارئ الرواية، طالما أن لا أحد غريبا قد يعبر من هناك، وطالما أن ساكني المزرعة قليلون ويقضون أيامهم حبيسي البيوت، أو نتساءل عن جدوى تلصّص هؤلاء من وراء نوافذهم، باحثين عما يشبع فضولهم النهم لانكشاف تفشيه حركة ما تظهر من وراء الزجاج المقابل، المغبّر المغبّش برطوبة الماء والريح، وإلى ماذا سيوصل الانكشاف أو الافتضاح حين تكون الاختان ابنتا السيدة هورغوس، مومستين بمعرفة الجميع، بل واتفاق الجميع على هذا الذي يعرفونه. فإذ يصير ما تفعله الأختان شيئا من يوميات حياة المزرعة، ومن عادياتها العلنية، هل يعود مجال لشيء يتلصّص عليه أو يُنمّ به؟
ثم هناك السيدة شميت التي تبدأ الرواية أوائل صفحاتها بوجودها مع زوجها وعشيقها في تلك المساحة الضيقة، هكذا من دون ريبة تشغل الزوج. فهو، في اجتماع مسائي عقدوه في الحانة، لم يكن يأبه لتلصّص الرجال جميعهم على كل تفصيل ينكشف من جسم زوجته. وإذ يبدأ أحدهم بالتحرش بها، فينبري حاسده إلى ردعه، يردّ زوجها، السيد شميت، قائلا: ماذا يحصل إن وَجَد، هذا المتحرّش المستوحد، ما يسليه. كل منهم، ومن دون استثناء ربما، كان قد حظي بليلة منها دافئة، قضاها في سريره أو في سريرها. لكنهم مع ذلك يبقون ماكثين خلف النوافذ. ربما ليعرفوا ماذا يفعل الطبيب الآن، الجالس إلى نافذته هو أيضا، الذي خصّصت له الرواية فصلا كاما من فصولها، من دون أن تسعى للوصول به إلا إلى وصف وجوده الحيادي بينهم؛ أو ليروا إن كان أحد خرج إلى الطريق، ولا شيء أكثر. ذاك أنهم، إضافة إلى أنه حتى ما يمكن أن يعتبر فضيحة، لم يعد يعني لهم شيئا. لا شيء يتقاتلون من أجله، طالما أنهم، جميعا، لا يملكون مالا ولا ينتظرون أن يأتيهم شيء يؤدي بهم إلى أن يختلف واحدهم عن الآخرين. لا مجال للتحاسد إذن، ولا للغيرة طالما أن واحدهم يحظى بما يحظى به الآخر، سواء من الاختين أو من السيدة شميت. ثم أن بيوتهم على القدر ذاته من التداعي والخراب، ولنضف إلى ذلك أن الأعمار المتأخرة التي يشتركون فيها تجعلهم، واقفين على مسافة متساوية من اضمحلال الأمل.
كانوا قد احتسوا كؤوسا كثيرة في الحانة، نساء ورجالا. وإذ لن توصل الشجارات بينهم إلى العراك، يكتفون بإطلاق الأصوات العالية، وربما رفع القبضات في وجوه بعضهم بعضا. لكن ذلك لن يلبث أن يمضي «على خير» فسريعا ما يعود كل منهم إلى كأسه أو إلى استغراقه بما كان يفكّر فيه. وهم، في تلك الليلة، ذهبوا إلى أبعد من ذلك، إلى أن يراقصوا بعضم بعضا، «تانغو» بحسب عنوان الرواية، «تانغو الخراب» حيث ما يجري على تلك الحلبة الضيقة بين الطاولات هو الرثاثة التي لا ملمح مبهجا فيها، حتى السيدة شميت التي تخبّئ كنوزا حارة تحت معطفها البالي الثقيل، تفوح منها تلك الرائحة التي لا تزيلها كميات العطور.
مشهد الحفلة الراقصة هو الأطول، وهو الذي تقوم عليه الرواية أو تلتقي عنده فصولها وأطرافها. وهو، على بؤسه ورثاثته، أثمر، فانتهى بأن ظهر لهم مخلّصهم، إرمياس، الذي كان قد غاب عنهم سنتين. كانوا ينتظرونه، آملين بأن يذهب بهم إلى مكان آخر يعيشون فيه. وهو، من فور وصوله إليهم، ألقى عليهم خطبة، هناك في الحانة، خطبة بليغة احتوت الكثير من إلقاء اللوم عليهم لما هم فيه، لكن من دون أن يصل بهم إلى الشعور بالذنب، أو حتى أن يكون في ذلك تجريحا لهم أو مسّا بمشاعرهم، بل إنهم راحوا يطرون طيبة قلبه واضعين ثقتهم فيه، هكذا بلا تردّد. هو مخلّصهم الذي سيخرجهم من هذا المكان، وقد استجابوا لخطة خروجهم التي كما قال، تلك التي أطال التفكير فيها مقلّبا إياها على كافة وجوهها، فأخذوا يخرجون من جيوبهم كل ما كانوا قد جمّعوه طوال عام كامل، واحدا وراء واحد، ووضعوه أمامه على الطاولة لتغذية مشروعهم المشترك. وفي صباح اليوم التالي، قبل أن يغادروا إلى القرية القريبة ليلتقوا إرمياس، أضرموا النيران في بيوتهم بعد أن تخلّصوا من متاعها القليل، وانطلقوا في رحلتهم، مخوّضين في الطين الزلق المنهِك، إلى حيث سينتظرون مخلّصهم.
أزاحت السطور أعلاه من الرواية حوادث وشخصيات كان لبعضها ثقل في بؤس أولئك البشر، بل إن فصلا كاملا منها، هو ذلك الذي يجري على لسان فتاة معوّقة أنهت حياتها بتناول جرعة من سمّ الفئران، كان يستحقّ أن يكون رواية مكتملة في ذاتها، وإن قصيرة، لكن رغم هذا الحذف تظل الرواية على قدر هائل من تصوير البؤس البشري، حتى إن تجنبنا ذلك الميل الشائع إلى الترميز، أو إلى سعينا لينطبق ما نقرأه على جماعات من البشر، أو إلى ميول متأصّلة فيهم (كالبحث الغريزي عن قائد يسوقهم)، أو أن يكون هؤلاء، ساكنو تلك المزرعة، صورة حية عن الفقر، أو عن الخنوع أو عن سطوة «الأخ الأكبر» …إلخ.
*رواية «تانغو الخراب» للهنغاري لاسلو كراسناهور كاي لقيت ترحيبا واسعا من النقاد في اللغات العديدة التي نقلّت إليها، وألهمت المخرج بيلا تار لإخراجها فيلما سينمائيا حاز جوائز عالمية عدة. الرواية نقلها إلى العربية الحارث النبهان في 303 صفحات، وصدرت في 2016 عن دار التنوير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.